راشد مصطفي بخيت…… من غرائب ما رسخته الممارسة السياسية لحزب المؤتمر الوطني في السودان وأكثرها سوءاً، أنها خلقت تداخلاً وظيفياً بين مسئوليات المنصب السياسي، جراء حالة عامة من (الخمول) الذي يطوق عنقه، تحولت بموجبه الحكومة من مَوْقع المسئول عن إدارة وتصحيح الأوضاع الخاطئة عبر إجراءات معروفة مسبقاً إلي محض معلق علي الأحداث لا غير، مستبدلةً بذلك موقعها المستمد من سلطة (التشريع) و (التنفيذ)، مع موقع المذيع الذي لا يُطالب بأكثر من التعليق علي الحدث وتقديمه للجمهور! مخاطر هذه الظاهرة أنها تعصم المسئول السياسي عن الاضطلاع بواجباته المنوطة به وتحوله من شخص ينظر إليه الجميع لحل مشكلة ما، إلي مجرد شخص عام لا مسئولية له! نجمت هذه الحالة من فرط الإسراف في وضع قوانين خاصة تصوغها يدا الحكومة بمعزل عن كل أعراف العمل السياسي العام في بلاد الله قاطبة، ونماذج هذه الحالة لا تحصي ولا تُعد! وهي من كثرة تكرارها أصبحت بمثابة (العُرف) الجديد الذي أفرغ المسئولية من محتواها (القيمي) و(الأخلاقي) وبسطها فوق منطقة رمال متحركة بدلاً عن تفاديها خشية ابتلاع حوافها العامة، مما يفضي يقيناً إلي أن لا يعرف أي شخص ما؛ حدود واجباته ومسئولياته بالمقارنة مع الشخص الآخر! هذه القوانين نفسها لا يجمع بينها جامع ولا تسندها مرجعية دستورية عامة، أو علي الأقل لا تنسجم حتى مع قانون آخر تصدره ذات مؤسسات الدولة الأخرى! ونموذج هذه الحالة الباذخ علي سبيل التدليل لا الحصر، ما صرَّح به السيد معتمد محلية كرري يوم الأمس قاضياً لمرة واحدة وإلي الأبد أن قانون الحكم المحلي الذي ينظم انتخابات اللجان الشعبية (لا يسمح مطلقاً بترشح الأحزاب السياسية في هذه الانتخابات)! بحسب أنها مجرد لجان خدمية بحتة تقوم علي خدمة المواطن ومعرفة احتياجاته ومتابعة قضاياه وتنفيذها مع الأجهزة الإدارية والتنفيذية في كل المحليات، مضيفاً أن تحويل اللجان الشعبية إلى أجهزة سياسية سيعطل العمل، وسيؤثر في الأداء وسيؤخر التنمية، داعياً المواطنين التقديم للانتخابات كأفراد بعيدين عن السياسة والتعامل السياسي! صحيفة الصحافة 16/4/2011. هذا هو رأي السيد معتمد محلية كرري الذي (تجاوز) فيه تصريح رئيسه المباشر السيِّد عبد الرحمن الخضر والي ولاية الخرطوم عندما قال بالحرف الواحد في المؤتمر الصحفي الذي عقده لغرض حل اللجان الشعبية أن هذه اللجان من الأهمية بمكان للحد الذي اعتبرها السيد الوالي (مستوى مهماً من مستويات الحكم وفق الدستور)! و(القانون)! مؤكداً أنه لديها وفق القانون 17 مهمة من بينها تقديم الخدمات الأساسية، ومعالجة المشاكل التي تعترض انسياب تلك الخدمات والأمن (مؤكداً على حرية الأحزاب السياسية في خوض الانتخابات وقيادة تلك اللجان)! صحيفة الصحافة 4/4/2011. بين تصريح السيد الوالي وتصريح معتمده بالمحلية، تقف حالة تعارض القوانين أو تعارض فهمها وتطبيقها شاهداً بيناً علي ما أوصلتنا إليه موجة التداخل الوظيفي سابقة الذكر تلك، وعلي السيِّد الوالي محاسبة عامله علي هذا (التجاوز) أو الاعتذار علنا لما بدر منه من عدم معرفة بقانون الحكم المحلي ومهام ومسئوليات اللجان الشعبية، حتى لا يصبح مثل السيِّد وزير الزراعة الاتحادي الذي صرَّح هو الآخر في قناة النيل الأزرق بأن قضية المبيدات المسرطنة التي تناقلتها الصحف في الأيام الماضية لا تقع ضمن مسئولياته إلا بصفتها العمومية! مثله في ذلك مثل السيِّد رئيس الجمهورية! الذي يساءل عن كل شيء يخص الوطن، لكنه يساءل وفق مسئولية عامة فحسب! وأن متخذ القرار هو المسئول الأوَّل عن هذه الحادثة في دائرة اختصاص القضية التي لا يمكن لوزارة الزراعة الاتحادية التحقيق فيها إلا بموجب إفادة خبير مختص في المجال لا مجرد إشارة صحفي أخذ صورةً لبرميل مبيد (منتهي الصلاحية) ونقلها صحفياً