بسم الله الرحمن الرحيم فى ذكرى النكبة مذبحة صبرا وشتيلا - لا تسقط مثل هذه الجريمة بالتقادم - الفاضل عباس محمد علي – أبو ظبي – 7 يونيو 2012 لقد تمت مذبحة صبرا وشتيلا بلبنان فى 16 سبتمبر 1982، على يد العناصر اللبنانية المسيحية المتطرفة المتمثلة فى حزب الكتائب اللبناني وجيش لبنان الجنوبي بتواطؤ مع الجيش الإسرائيلي الذى كان قد دخل بيروت غازياً قبل ذلك بثلاثة شهور، وكان مسيطراً على بيروتالغربية بما فى ذلك منطقة معسكري صبرا وشتيلا للاجئين الفلسطينيين؛ ولقد جاءت المذبحة فى أعقاب إغتيال زعيم حزب الكتائب بشير إبن بيار الجميل المسيحي الماروني والنازي السابق ومؤسس الكتائب. ولقد إدعت الكتائب أنها دخلت المخيمين بحثاً عن المقاتلين الفلسطينيين، بينما اتضح أن المعسكرين كانا خلواً تماماً من أي شاب أو شابة مقاتلة، وكان بهما فقط اللاجئون الفلسطينيون المدنيون من نوع الشيوخ والأطفال والنساء العزّل من أي سلاح، وقد استمرت المذبحة لثلاثة أيام بلياليها تحت سمع وبصر الجيش الإسرائيلي الذى تكفّل بتوفير الإضاءة ليلاً باستخدام القنابل المضيئة، ولقد تراوح عدد القتلي بين 3500 و 5000 أغلبهم من الأطفال والنساء والطاعنين فى السن الفلسطينيين بالإضافة لبعض اللبنانيين، وفى ذلك الوقت كان المخيمان مطوقين بالكامل من قبل جيش لبنان الجنوبي بقيادة إيلي حبيقة المسؤول الكتائبي المتنفذ، فى معيّة الجيش الإسرائيلي الذى كان تحت قيادة أريل شارون ورفائيل إيتان، ومعروف أن شارون وزير الدفاع آنئذ أصبح فيما بعد رئيساً للوزراء. التدخل القانوني الدولي: - يبدو أن السلطات الإسرائيلية كانت تدرك أن هذه الجريمة ممنوعة منعاً باتاً بواسطة القانون الدولي، وأن سلسلة من الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية النافذة تحظر مثل هذه الجرائم التى كثيراً ما ترتكبها الجيوش فى حق المدنيين؛ فلا غرو أن نتجت عن مجزرة صبرا وشاتيلا أزمة داخل إسرائيل، وطالبت العديد من الدوائر بتقديم المسؤولين فى الجيش الإسرائيلي ذوى العلاقة بالأحداث اللبنانية فى تلك الأيام، وعلى رأسهم أريل شارون، للمحاكمة؛ ولكن ما حدث بالفعل هو تحقيق صوري لامتصاص الغضب العالمي، وهو إنحناءة للعاصفة حتى تنجلي ، ثم تستأنف إسرائيل بطشها بالمدنيين الفلسطينيين كأن شيئاً لم يكن. وعموماً، شكلت الحكومة الإسرائيلية فى 1 نوفمبر 1982لجنة تحقيق خاصة برئاسة رئيس المحكمة العليا إسحاق كاهن نفسه، سميت “لجنة كاهن”، وفى 7 فبراير 1983 أعلنت اللجنة نتائج البحث وقررت أن وزير الدفاع الإسرائيلي أريل شارون يتحمل مسؤولية غير مباشرة عن المذبحة لأنه تجاهل وقوعها ولم يبذل أي مجهود للحيلولة دونها، كذلك انتقدت اللجنة مناحيم بيقن رئيس الوزراء ووزير الخارجية إسحاق شامير ورئيس أركان الجيش رفائيل إيتان وقادة الموساد الإسرائيلية، مشيرة إلي أنهم لم يقوموا بما يكفي للحيلولة دون المذبحة أو لإيقافها بعد أن بدأت، ولقد رفض شارون قرار اللجنة ولكن الضغوط تكثفت عليه حتى استقال من منصب وزير الدفاع، وتم تعيينه وزير دولة بنفس الحكومة. - إن جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الإعتداء على المدنيين أثناء الحروب لا تسقط بالتقادم، وبالإمكان تطبيق النصوص الموجودة بالإتفاقيات والبرتوكولات الدولية الخاصة بهذا الأمر كلما توفرت الظروف الملائمة لذلك. والمفارقة الواضحة فى هذا الشأن هي أن أكبر المستفيدين من هذا المبدأ هي إسرائيل نفسها، فقد ظلت تلاحق كبار ضباط النازي الألماني الذين اشتركوا فى جرائم الحرب ضد اليهود بشرق أوروبا وألمانيا إبان الحرب الكونية الثانية، وظلت تقدمهم للمحاكمات بعد أن بلغوا أرذل العمر وتعاقبهم وتعدم الكثيرين منهم، وأبرز مثال كان أدولف آيخمان. فقد قامت الموساد بتهريب آيخمان من أمريكا الجنوبية لإسرائيل عام 1960، بعد عقدين من الحرب، وقدمته لمحكمة مدنية إسرائيلية أدانته بتهمتي (الجرائم ضد الإنسانية) و (جرائم حرب) وقضت بإعدامه، وتم ذلك شنقاً عام 1962. وكان آيخمان متهماً بالعمل على تهريب اليهود قسراً من شرق أوروبا والنمسا ليلقوا حتفهم فى معسكرات التعذيب والمحارق الألمانية المشهورة التى أقامها هتلر للتخلص من اليهود وكافة الأقليات والخصوم السياسيين المغضوب عليهم. بيد أن آيخمان تمكن من الهروب إلى الأرجنتين بعيد الحرب حيث أقام بكل هدوء، وكان يعمل بفرع لشركة مرسيدس بنز حتى داهمه ضباط الموساد وأخذوه خلسة لإسرائيل. لقد وضعت إسرائيل بذلك سابقة يمكن للفلسطينيين أن يستفيدوا منها فى يوم من الأيام، عندما تكون الظروف ملائمة، لمقاضاة كل من أشترك فى مذبحة صبرا وشتيلا التى راح ضحيتها آلاف الفلسطينيين المدنيين العزل، بما يشكل جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية. الخلاصة: هنالك العديد من الصكوك القانونية الدولية التى تحمى المدنيين أثناء النزاعات والحروب، مثل (إتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949بشأن حماية المدنيين فى وقت الحرب) و (البروتوكول الأول لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف والمتعلقة بحماية ضحايا المنازعات المسلحة الدولية) و (البروتوكول الثاني لعام 1977الملحق باتفاقيات جنيف والمتعلقة بحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية). والمدنيون هم جزء من الأشخاص المحميين بموجب نصوص القانون الدولي الإنساني أثناء النزاعات المسلحة. وعليه فإن من يهمهم الأمر وأهل المتضررين من مجزرة صبرا وشتيلا يستطيعون أن يلاحقوا المتورطين فى تلك المذبحة وتقديمهم للمحاكمة أمام المحاكم المدنية حيثما تهيأت الفرصة لذلك، ربما بمجرد قيام دولة فلسطينية ذات سيادة نتيجة لمسار العملية السلمية الحالية التى تهدف لحل المشكلة الفلسطينية، أو حالما كتب النصر للشعب الفلسطيني فى نضاله ضد الإستعمار الإستيطاني الصهيوني الذى أناخ عليه منذ نيف وستة قرون. مراجع: - تقرير البي بي سي عن المذبحة(http://news.bbc.co.uk// - اللجنة الدولية للصليب الأحمر ،1985، القواعد الأساسية للقانون الدولي الإنساني، جنيف، سويسرا. - الطراونة، محمد، (2003)، القانون الدولي الإنساني – النص وآليات التطبيق على الصعيد الوطني الأردني، مركز عمان لدراسات حقوق الإنسان، عمان، الأردن.