تلتئم اليوم بحسب الاعلانات المنشورة ببعض صحف الخرطوم، القمة المصغرة للجنة مديري أجهزة الأمن والمخابرات في افريقيا المعروفة إختصاراً باسم «السيسا CISSA»، وهذه ليست المرة الأولى التي تجتمع فيها هذه اللجنة الأمنية بالعاصمة السودانية الخرطوم وإنما هي المرة الثالثة إن لم تخني الذاكرة، وكانت أولاها مكرسة لمناهضة المحكمة الجنائية الدولية، لا سيما وان قيام هذه اللجنة قد جاء بمبادرة من جهاز الأمن والمخابرات السوداني على عهد مديره السابق صلاح قوش الذي كان قد بادر بطرح الفكرة قبل نحو خمسة سنوات بأحد الفعاليات الافريقية الأمنية باحدى العواصم الافريقية، وهدف «السيسا» كما تعرّفه مضابطها هو التعاون الأمني البيني بين دول القارة المنضوية تحت لوائها وتزويد الاتحاد الافريقي عبر مجلسه للسلم والأمن بالمعلومات اللازمة للتنبؤ بالتطورات المستقبلية ومساعدته على إيجاد تسويات للنزاعات التي تهدد الأقطار الافريقية وتعزيز القدرات المعينة على استتباب الأمن والاستقرار في ربوع القارة… إلى آخر هذه الأهداف القطرية التي لا خلاف عليها وليس هناك من يقدح فيها وسيبصم بالعشرة كل من يطلع عليها، ولكن المشكلة تبقى دائماً في وسائل وطرائق التنفيذ، فكم من أهداف ناصعة وغايات سامية حملتها الأضابير والقوانين والدساتير شاهت بفعل التنفيذ الملتف عليها، تقر وتعترف الدساتير بالحريات والحقوق الاساسية وتقدمها للناس باليمين، فتلتف عليها أجهزة الأمن وتأتيها من وراء ظهرها وتأخذها بالشمال، هذا هو الحال في افريقيا بلا استثناء، الفرق بين بلدانها في السيرة غير المحمودة لأداء أجهزة الأمن فيها، فرق مقدار وليس نوع، بعضها أفضل من بعضها فقط في قلة نسبة الانتهاكات للحقوق والحريات قياساً ببعضها الآخر، هذه هي صورة أجهزة الأمن الافريقية المستقرة في روع الأفارقة في مشارق افريقيا ومغاربها، وهي كذلك صورة غير مشرفة وممارسات غير شريفة في نظر العالم الآخر وكل الأحرار والمنظمات المهمومة بحقوق الانسان… لا بأس أن تلتقي أجهزة الأمن والمخابرات الافريقية وتتنادى لكلمة سواء بينها من أجل استقرار افريقيا وأمنها ورفاهها واستدامة السلام في ربوعها والحرص على تطورها ومستقبلها، فهذه كلها أهداف اصلاحية تحتاجها هذه القارة المنكوبة والموبوءة، ولكن أي إصلاح لابد أن يبدأ أولاً من الداخل، هكذا يقضي المنطق إذا كان المراد إصلاحاً حقيقياً وليس «شعاراتياً» تكون قيمة اللافتة المكتوب عليها أقيم منه، كان على أجهزة الأمن والاستخبارات الافريقية أن تُعنى بأدائها الداخلي وتتعاون على تحسينه بما يتوافق مع المواثيق الإنسانية والحقوق الاساسية وتجعل من ذلك هدفاً على رأس أهداف «السيسا» لا أن تتعاون في جانب على البر والتقوى وتترك الجانب الآخر للإثم والعدوان، ومادام جهازنا السوداني كان هو المبادر بطرح فكرة «السيسا» فلماذا لا يبادر بطرح هذا الجانب المنسي في وثائق السيسا بل ويبدأ عملياً ولو على شرف المناسبة باطلاق سراح أحد عشر ناشطاً مدنياً كان قد اعتقلهم قبل نحو شهرين ومن بينهم زميلنا الصحفي جعفر السبكي، هذا ما نراه اللهم إلا إذا كان جهازنا الأمني يرى انه وغيره من الأجهزة الافريقية على المحجة البيضاء ولا حاجة لهم بأية اصلاحات داخلية….