المثني ابراهيم بحر …… فجعت وبشدة وعلي المستوي الشخصي برحيل الاستاذ مكي بلايل في هذه النهاية المأساوية الدامعة بالاحزان وبرحيله افتقدت الساحة السياسية والاعلامية قلما مميزا وبغض النظر عن انتمائاته الفكرية فقد اشتبكت معه معه في كثير من المواقف الفكرية تفنيدا وتأييدا وقد كان اسلوبه الفكري مثار اعجابي بأعتباره غزير المعرفة في شتي المجالات الثقافية وكان صاحب حضور خاص في شتي المنابر الاعلامية فالاضواء لا تنحاز بهذه الدرجة الا للنابهين ودائما ما يقرأ له بأصغاء ويعود ذلك لاسباب عديدة علي رأسها انه مثقف كبير وغزير الانتاج في شتي المجالات الفكرية ويتمتع بقدر كبير في صياغة افكاره بشكل موجز ذو بناء منطقي متسلسل يراعي فيها طبيعة المرحلة وفوق كل ذلك فهو صاحب قدرة علي الاصغاء ويقابل منتقديه بسعة صدر ولا يلجأ للتجاهل او محاولة التقليل من شأن منتقديه وتلك في الحقيقة من شيم الكبار ما كنت اتوقع ان تكون نهاية مكي بلايل بهذا الختام الدامي نعم ان الموت حق ولكني اقصد ان تكون نهايته مقرونة مع سدنة هذا النظام الفاشي ولكن اخشي يا بن بلايل ان تكون قد مددت يدك اليهم مرة اخري فمكي بلايل الذي انشق عن النظام معارضا لسياسات النظام العنصرية بدأ معارضا لهم وبشدة كانت تظهر في كتاباته وان كان قد انتهج طرق النضال المدني بعيدا عن الطربق المسلح الذين انتهجه الكثير من اقرانه في حركة الاسلام السياسي وقد كان جريئا في طرحه خاصة في قضايا الهامش ومسألة الهوية ولكنه قد تعرض لانتقادات حادة من معارضيه كونهما يختلفان في اسلوب معارضة النظام الذي يري كثيرون ان هذا النظام لا تجدي معه الا القوة وحمل السلاح التي اتت اكلها اذا اخذنا الحركة الشعبية كتجربة عملية تغني عن المجادلات وانتزاع الجنوبيين حقهم بقوة السلاح الذي تمخض عن اتفاق نيفاشا وما زالت البقية في الطريق ولكن تبدو في الافق الكثير من المواقف الضبابية لمكي بلايل التي يشتم منها رائحة مهادنة النظام فأنهالت عليه سهام النقد من معارضي النظام وقد جاءت احداث تلودي لتقطع قول كل خطيب ما يحيرني في مكي بلايل في ارائه التي كانت تعري هذا النظام العنصري خاصة في مسألة الجهوية التي خرج بسببها من نظام الانقاذ وقد اكد في احدي مقالاته علي انه نظام غارق في العنصرية حتي اذنيه فمن يقرأ مقلاته لا يتوقع منه ان يهادنهم فشخصيا لم اتوقع ان يضع يده في اياديهم مرة اخري فلقد كان هو النشاز الوحيد في هذه الرحلة الدامية وقد لا حظت سؤال الكثير من الحائرون حول من الذي اتي به مع هؤلاء في هذه الرحلة بالرغم من انتهاكات النظام في جنوب كردفان والتي تضرر منها اهله في المقام الاول ولكني اتمني من كل قلبي ان لا يكون في ذلك مهادنة لهذا النظام الظالم فالتاريخ لن يرحم بعد ان ارتبطت نهايته مع هذا النظام الجائر فهل هي مصادفة الاقدار التي قادت خطواته في ذاك الصباح الدامي لتنتفتح ستارة المشهد الاخير علي نحو لم يبتوقعه الكثيرون ام ان هذه النهاية قد جاءت لتؤكد فغلا ان مكي بلايل ما هو الا ذراع من اذرعة النظام وقد كان انشقاقه نوع من الخطة المرحلية بدليل ان حزبه كان ممنهج علي ان يكون حزب الرجل الواحد ينتهي بزوال شخصه وفي رأيي لو ان النهاية كانت غير ذلك ربما لو اختلف الوضع ولو قليلا وربما سيكون للتاريخ رأي اخر مع هذه الخاتمة التي ربطته مع هذا النظام وحسمت قول كل خطيب الان قد ذهب بلايل ملاقيا ربه واصبح في ذمه الله والتاريخ فأرحمه يارب العالمين وصبر اهله وانا لفراقك لمحزونون فستظل بيننا حاضرا وبقدر ما تمنيتك ان تكون معنا في هذه اللحظات الحرجة من تاريخنا المعاصر لان الاختلاف الفكري ظاهرة حميدة وفيه اثراء للنقاش و لقد فقدتك الصحافة وحتي معارضوك وعلي وجه الخصوص اهلك في جبال النوبة وفقددنا قلما رصينا اثري الساحة الاعلامية بأفكاره ويشملك لدي حضور لا يداني وسيظل حضورك منعقد في حياتي ولعل سر ذلك يكمن في هذا الوطن الذي حملنا همه وفي الزكريات التي باتت شراكة بلا رصيد ولكن حادثة تلودي الدامية نبهتنا علي تسليط الضوء علي فئة معينة دون غيرها واتباع سياسة الخيار الفقوس فكي لا يسقط ضحايانا سدي في دارفور والنيل الازرق وجنوب كردفان والبحر الاحمر فنحن نحتاج الي موت كبير شخص اومسؤل كبير كل يوم بتلك الطريقة فلقد قضي المئات بل الالاف نحبهم جراء انتهاكات النظام ولم تستوقف هذه الارقام احدا في دوائر الحزب الحاكم ولم يهتز لهم اي ضمير بل لم يتفاعل معهم حتي المواطن العادي وكل ذلك بفضل الاعلام الهدام الذي يركز الاضواء علي فئة معينة وينصبهم علي انهم شهداء دون غيرهم ولقد ابدع الشاعر صلاح احمد ابراهيم في وصف الموتي في القبور حيث تبدا حياة جرد الحساب ولا فرق فيها بين كبير او صغير فهنا الاثرياء بغير صكوكهم والنقود هنا المرهقون انتهوا من ذلة وشقاء ..ومن ذلة واذدراء.. وينقلب الزعماءة بلا هيبة او معية ولا رتبة او وسام وتزحف نحو القبور القبور بلا خطة او نظام فقبر بلا شاهد او علامة كقبر عليه رخام وسور ان خطأ الذين استشهدوا في منا طق الهامش وفي جميع مناطق السودان جراء انتهاكات النظام انهم قضوز نحبهم بعيدا عن دائرة الاهتمام فنحن نحتاج الي ضحايا من العيار الثقيل كضحايا تلودي نحتاج الي سيولة ودم طازج نحتاج الي موت مرعب حتي تستفيق النخبة الحاكمة من غفلتها واذا كانت ارواح الضحايا من الابرياء تذهب هدرا فما اهمية ان يموت المرء وهو علي حق اذا كان حقه سيموت بموته فهل كان الموت هو خيارهم الوحيد فأيهما علي حق الذي قوته الحق ام الذي حقه القوة بعد ان اضحي المواطن الحائر لا يري ابعد من يومه وهو جاهز تماما لأن يموت ضحية الكوارث وافلام الرعب التي ينتجها الحزب الحاكم لان المواطن بات يحمل في جسده جينات التضحية الغبية للوطن والحاكم الجائر ولكن لماذا تصر وسائل الاعلام السودانية وتتسابق فقط لاجراء مقابلات مع ذوي المسؤلين الكبار واتباع النظام وابواقهم الذين قضوا نحبهم في مأساة تلودي وتصورهم علي انهم شهداء دون غيرهم وتتجاهل عمدا الالاف من الضحايا الذين ذهبت ارواحهم غدرا جراء انتهاكات النظام ومأساة عوضية عجبنا تغني عن المجادلات واهلها لا زالوا يعانون حتي الان امام المحاكم ولكأني اري امهات الضحايا والمنكوبين ينتحبن رافعات اياديهن الي السماء يسألن الله متضرعات ان يريهم يوما اسودا في هؤلاء البغاة الظالمين فعسي القلوب المفجوعة في ابنائها وفلذات اكبادها ان تكف عن الانين والصراخ في وجه السماء ولكن من اين للثكالي بعيون لتقرأ لحظة الفاجعة ان علي الملأ الحاكم ان يعلم انه لا احد يدري لماذا يأتي الموت في هذا المكان دون غيره ليأخذ هذا الشخص دون سواه ولا احد عاد من الموت ليخبرنا ماذا بعد الموت ولكن في امكان الذين تقولبت بهم مدرسة الحياة وعادوا منها ناجين ومدمرين ان يقصوا علينا اهوالها ويصفوا عجائبها لوجه الله تعالي وما تتبعه من الالام النهايات والمطلوب ان يعتبروا من انهار الدم ومن الدمار ومن التجويع والتشريد ومن البيوت المهدومة ومما ينتظرهم لأن المولي عز وجل يمهل ولا يهمل فعدالة السماء لا بد ان تثأر لجميع الضحايا والمنكوبينن