اتهمت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين لطفي زيتون، عضو حركة النهضة الاسلامية الحاكمة والمكلف بملف الاعلام والصحافة في رئاسة الحكومة، بقيادة “حملة تحريض وتهييج شعبي” ضد الصحافيين فيما دعا رئيس حزب سياسي معارض إلى “إعفاء” زيتون من مهامه. واستنكرت النقابة “التصريحات المتتالية للمستشار السياسي سواء عبر وسائل الإعلام أو في لقاءاته المباشرة مع قواعد النهضة في إطار حملته الرامية إلى التشويش على النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين والتشكيك في نضاليتها وتحريف مواقفها وتشويه صورتها”. وقالت “تحمل هذه التصريحات غير المسؤولة والتي تتنافى وموقعه كمسؤول حكومي اتهامات لا أساس لها من الصحة مثل تصنيف النقابة في خانة المعارضة الراديكالية والدفاع عن الفاسدين والتستر عليهم والصمت على الأخطاء المهنية المخلة بأخلاقيات المهنة”. ونبهت النقابة إلى ان “بعض تصريحات” لطفي زيتون “تحمل تحريضا ضمنيا عليها وعلى الصحافيين وتدخل ضمن حملة تهييج شعبي قد تشكل خطرا على سلامتهم”. وطالبت النقابة المستشار السياسي “بضرورة الاعتذار للنقابة ولعموم الصحفيين التونسيين وقالت إنها “تحتفظ بحقها في تتبعه أمام القضاء”. واصدر القضاء التونسي في 24 أغسطس/آب الحالي مذكرة توقيف بحق سامي الفهري مدير تلفزيون التونسية الخاص الذي اشتهر ببث برنامج سياسي ساخر ينتقد حركة النهضة الاسلامية التي تقود الائتلاف الثلاثي الحاكم وعددا من رموز الحكم في البلاد. واتهم صحافيون الحكومة بتوظيف القضاء للانتقام من القناة في حين قالت الحكومة أن الفهري يلاحق في قضية بدأت قبل عام ونصف عام تتعلق بإلحاق أضرار مالية بالتلفزيون الحكومي التونسي خلال فترة حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. واعتدى مجهولون، يرجح أنهم من الاسلاميين على مصور يعمل في قناة التونسية وهددوا بالنيل من العاملين فيها “الواحد تلو الآخر” بحسب منظمة “مراسلون بلا حدود”. وانطلقت قناة التونسية، مع بداية شهر رمضان في بث برنامج “اللوجيك السياسي” الساخر الذي يتضمن فقرة “القلابس”، وهي دمى متحركة ترقص وتغني وتجسم شخصيات حكومية وسياسية تونسية شهيرة مثل راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة وحمادي الجبالي أمين عام الحركة ورئيس الحكومة ومنصف المرزوقي رئيس الجمهورية. وحظي البرنامج الذي ينتقد سياسات الحكومة بشعبية كبيرة في تونس مثلما أظهرت ذلك استطلاعات رأي. وأثار تزامن استصدار مذكرة ايقاف ضد الفهري مع توقف التلفزيون عن بث البرنامج وانتقاد مسؤولين حكوميين له وتعرض أحد مصوري التونسية إلى اعتداء بالعنف من قبل مجهولين ساخطين على القناة، شبهات حول الدوافع الحقيقية لاستصدار مذكرة التوقيف. وقال الفهري في تصريح إذاعي السبت إنه اضطر إلى وقف بث البرنامج قبل اربعة أيام من عيد الفطر إثر “ضغوطات شديدة” من لطفي زيتون عضو حركة النهضة والمستشار السياسي لحمادي الجبالي. وأضاف أن زيتون عاود الاتصال به بعدما تسربت أخبار في وسائل الاعلام حول تعرض تلفزيون التونسية لضغوطات من حركة النهضة، وطلب منه تكذيب هذه الأخبار لكنه رفض. ونفى زيتون هذه الاتهامات جملة وتفصيلا واتهم الفهري ب”الكذب” ووصفه بانه “مجرم وفاسد”. وشارك قبل أزمة البرنامج الساخر، أعضاء حركة النهضة “بكثافة” في برامج حوارية تبثتها قناة “التونسية” بحسب جريدة المغرب التونسية التي اعتبرت في افتتاحياتها الثلاثاء هذه المشاركة المكثفة “علامة رضا” عن القناة. وتساءلت الصحيفة عن سبب عدم “مقاطعة” أعضاء النهضة القناة رغم علمهم بأن مديرها ملاحق في قضية فساد. ولفتت إلى أن وجود صحافة ساخرة في تونس “علامة صحة لحرية التعبير” معتبرة أن هذا النوع من الصحافة “أداة رئيسية لنزع القداسة عن الساسة”. وسنة 2002 أسس الفهري شركة “كاكتوس” المتخصصة في انتاج البرامج التلفزيونية الترفيهية. وأنتجت الشركة برامج لحساب التلفزيون الحكومي التونسي الذي اتهمها، بعد الاطاحة بنظام بن علي، بالمشاركة في الاستحواذ على إيرادات إعلانات كانت يبثها التلفزيون، وباستعمال معداته التقنية لانتاج برامجها. ويملك بلحسن الطرابلسي شقيق ليلى الطرابلسي زوجة بن علي 51% من رأسمال كاكتوس وسامي الفهري 49%. وبعد الإطاحة بنظام بن علي وهروب بلحسن الطرابلسي إلى كندا صادرت الدولة حصة الطرابلسي في “كاكتوس” وعينت عليها مؤتمنا عدليا. واتهم الفهري حركة النهضة بتوظيف القضاء للانتقام منه على خلفية البرنامج السياسي الساخر لقناته مشيرا إلى أنه الوحيد الذي صدرت ضده مذكرة توقيف، رغم أن القضية التي يلاحق فيها تشمل نحو 20 شخصا آخرين. وقالت منظمة مراسلون بلا حدود في بيان الاثنين ان الفهري الذي صدرت ضده مذكرة توقيف “ملاحق في هذه القضية بصفته متواطئا بينما يتمتع المتهمون الأساسيون بحريتهم” مطالبة “بإقامة محاكمة عادلة للفهري لا تشهد أي تدخل من السلطة”. وأعربت المنظمة عن “قلقها إزاء عيوب الإجراءات القانونية التي ساهمت في تسريع إصدار مذكرة التوقيف ضد سامي الفهري”. وقالت “إن سرعة الغرفة الجنائية في إصدار حكمها في محاكمة بدأت منذ عام ونصف والعيب في الشكل الفاضح ملفتان ويدفعاننا إلى التساؤل حول دوافع المحكمة والقضاة”. وأشارت في هذا السياق إلى التصريحات الصادرة مؤخرا عن “مسؤولين سياسيين مستائين من السخرية من قادة البلاد” في البرامج التلفزيونية. وعشية إصدار مذكرة التوقيف ضد الفهري، قال عبد اللطيف المكي، عضو حركة النهضة ووزير الصحة في حكومة حمادي الجبالي، في تصريح لإذاعة شمس إف إم الخاصة إن “بعض المنوعات” التي تنتقد “الرموز الوطنية مثل رئيس الدولة ورئيس البرلمان ورئيس الحكومة تجاوزت حدود الاحترام”. وقال سليم حميدان وزير أملاك الدولة وعضو حزب “المؤتمر” شريك حركة النهضة في الائتلاف الحاكم، في تصريح نشرته الاثنين صحيفة “الأسبوعي” إن برنامج اللوجيك السياسي “قائم على مفهوم السخرية المفرطة والاستهزاء برموز الدولة وإضعاف الهيبة وهو يدخل ضمن استراتيجية الثورة المضادة لإرباك الوضع وإحداث الفوضى والفراغ السياسي بالبلاد”. ودعت العاملين في شركة كاكتوس إلى “عدم الرضوخ للضغوطات ومواصلة إنتاج برنامج اللوجيك السياسي وممارسة مهنتهم بكل مسؤولية من أجل إنتاج إعلامي وطني هادف وبناء”.