تونس - طالب سياسيون وإعلاميون ونشطاء حكومة الائتلاف الثلاثي الذي تقوده حركة النهضة الإسلامية ب"الكف عن سياسة مقايضة حرية الناس وحياتهم بالولاء للسلطة" و"استعمال القضاء وتوظيفه في الصراعات السياسية والمصالح الحزبية الضيقة" لا سيما في مجال الإعلام من أجل "تغيير الخط التحريرى لوسائل الإعلام العمومية والخاصة بالقوة". وجاءت المطالبة على خلفية استمرار "حجز" الإعلامي سامي الفهري مدير قناة التونسية بالسجن رغم صدور حكم قضائي بتبرئته. وحمل السياسيون والإعلاميون والنشطاء وزارة العدل التي يتولاها القيادي في حركة النهضة نورالدين البحيري والحكومة مسؤولية تدهور الحالة الصحية للإعلامي سامي الفهري الذي نقل إلى المستشفى بعد أسبوع من تنفيذه لإضراب عن الطعام في سجن المرناقية منذ 23 ديسمبر/كانون الأول الحالي. وقال حزب حركة نداء تونس الذي يتزعمه رئيس الحكومة السابق الباجي قائد السبسي "إن حالة الفهرى الصحية وما يمكن أن تؤول إليه تتحمل مسؤوليتها كاملة وزارة العدل والحكومة" . ودعا الحزب في بيان له إلى "إطلاق سراح الفهري" و"إنهاء أزمة الاحتجاز المخالف للقانون ولجميع الأعراف والتقاليد الأخلاقية والسياسية". ويطالب الفهري بتنفيذ حكم بالإفراج عنه أصدرته محكمة التمييز في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، لكن وزير العدل حال مرتين دون حصول الإفراج في مخافة واضحة للقانون وفق ما قال محاميه عبد الحميد الصيد. والفهري مسجون منذ نهاية اب/اغسطس في ما تقول السلطات إنها "قضية فساد وإلحاق أضرار مالية بالتلفزيون العمومي التونسي خلال فترة حكم الرئيس السابق بن علي الذي أطاحت به انتفاضة شعبية في 14 جانفي/ يناير 2011 . غير أن الفهري يتهم الحكومة بتحريك القضاء ضده على خلفية بث قناته برنامج "اللوجيك السياسي" الساخر. ويتضمن البرنامج فقرة "القلابس" وهي دمى متحركة تجسم شخصيات حكومية وسياسية تونسية شهيرة مثل راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة وحمادي الجبالي أمين عام الحركة ورئيس الحكومة، والمنصف المرزوقي رئيس الجمهورية. وقال الفهري في تصريح سابق ان برنامج "اللوجيك السياسي" الذي تبثه قناته أثار "جنون حركة النهضة" حتى أن لطفي زيتون المستشار السياسي لحمادي الجبالي رئيس الحكومة وأمين عام حركة النهضة، اتصل به شخصيا وطلب وقف البرنامج. وأضاف أنه اضطر تحت وطأة "الضغوط الحكومية الشديدة" إلى إيقاف بث البرنامج. وتابع ان زيتون عاود الاتصال به بعد تسريب أخبار حول تعرض القناة لضغوط حكومية وطلب منه التصريح لوسائل إعلام بأن تلفزيون التونسية لم يتعرض لأي ضغوط وأنه أوقف بث البرنامج من تلقاء نفسه. وخلال أربعة اشهر من اعتقاله تحولت قضية سامي الفهري إلى "قضية سياسية إعلامية" نظرا لطبيعة الغموض الذي اكتنف مجراها القضائي خاصة بعد رفض وزارة العدل الإفراج عنه رغم صدور تبرئة من محكمة التمييز. واعتبر حزب حركة نداء تونس أن سامي الفهري "محجوز بطريقة مخالفة للقانون ولجميع الأعراف والتقاليد الأخلاقية والسياسية والتوقف" مشددا على أن قضية مدير قناة التونسية تندرج في إطار "سياسة مقايضة حرية الناس وحياتهم بالولاء للسلطة وتغيير الخط التحريرى لوسائل الإعلام العمومية والخاصة بالقوة ". ودعت الأمينة العامة للحزب الجمهوري والنائبة عن الكتلة الديمقراطية في المجلس التأسيسي مية الجريبي إلى إطلاق سراح الفهري خلال زيارة أدتها له بالسجن ملاحظة أن صحته "شهدت تدهورا كبيرا". من جهتها استنكرت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان "استمرار التضييق على حرية التعبير والصحافة في تونس"، وأكدت تضامنها مع التحركات السلمية للصحافيين والإعلاميين من أجل تحقيق مطالبهم المشروعة. واعتبرت الرابطة أن هذه السياسة "تهدف إلى محاولة تطويع الإعلام لإخضاعه و السيطرة عليها". وقال الصحفي معز الشاهد "لقد أصدرت محكمة التمييز حكما بتبرئة الفهري وقال القضاء كلمته لكن وزارة العدل التي تضع يدها على القضاء رفضت الحكم" مشيرا إلى أن "الفهري محجوز وليس مسجون وفق القانون وهو ما يبعث على قلق ما انفك يتزايد في أوساط الإعلاميين والنشطاء بخصوص الحق في حرية الرأي والتعبير". وأضاف إن "إمعان السلطات على احتجاز الفهري يؤكد أن القضية سياسية إذ أن حركة النهضة لم تغفر لقناة التونسية التي يديرها بثها للقلابس التي تنتقد رموز الحركة". وتابع الشاهد "يبدو أن سامي الفهري يدفع ثمن جرأته الإعلامية في نقد رجال السياسة، إنه يتعرض إلى عملية ابتزاز ومقايضة للحرية" مشيرا إلى أن "مثل هذا الوضع يهم كل السياسيين والإعلاميين والنشطاء الذي عليهم أن يناضلوا بطرق سلمية من أجل التصدي لأي شكل من أشكال الاستبداد أو التضييق على الحريات الفردية والعامة". وفي 26 ديسمبر/كانون الأول الحالي نظمت لجنة "كلنا سامي الفهري" وقفة احتجاجية أمام المجلس التأسيسي للمطالبة بإطلاق سراح الفهري. وشارك في الوقفة عدد من الإعلاميين والفنانين والسياسيين والنشطاء. وأعرب المحتجون عن استيائهم مما صرّح به وزير العدل نور الدين البحيري عندما أعلموه بتدهور حالته حيث قال لهم " من حانت ساعته، الله يرحمه". واتهمت الناشطة الحقوقية روضة الماجري الحكومة ب"توظيف القضاء ووضع يدها عليه في مسعى فاشل لتكميم الأفواه وبث الخوف في صفوف الإعلاميين وكذلك في صفوف كل المعارضين". وترى الماجري أن "قضية سامي الفهري تتعدى شخصه لتشمل مسألة موقف الحكومة من حرية التعبير" ملاحظة أن "تونس في ظل حكومة النهضة تتجه نحو إعادة إنتاج منظومة الاستبداد التي ثار ضدها التونسيون". وكانت حركة النهضة أعربت عن عدم رضاها على أداء الإعلام حتى أن رئيس الحركة راشد الغنوشي اعتبره "حزبا معارضا".