محمد ناجي الأصم ….. الوطن المقهور ، المضطهد ، المهدور والمهمش كل أولئك لايهمهم أبدا أن يقف ابن الخرطوم من الثورة وماهو موقفه من النظام معه كان أو ضده ، هم فقط يعلمون أنه بينما كانو هم يقصفون بالأنتنوف ويشردون من قراهم ، يموتون جوعا ويمزقون عطشا ويقتلون برصاص الحكومة السودانية كان ذلك الذي يعيش في عاصمة الدولة السودانية يخرج إلى الشارع وهو حاملا علم ناديه المفضل ليشجعه في البطولة الأفريقية وليتجادل مع مشجع النادي الخصم في أيهم يملك بطولات أكثر . إنها الكوميديا السوداء التي تضرب نفسك بإحساسين متناقضين ففي الوقت الذي تشعر فيه برغبة شديدة في البكاء تجد نفسك فجأة وأنت تضحك ، والخرطوم مازالت في بحث كثيف عن شهيد للثورة ، فالخرطوم لم تعد كما كانت مشرعة أبوابها للجميع فاليوم أصبحت في انغلاق تام على ذاتها وحتى ذاتها تلك أضحت فيها المزيد من الذاتية ، فحين كان الأطفال في نيالا يرمون موتا بالرصاص الحي وبينما الجموع يذهبون بأجسادهم ليواروهم تحت الثرى ، كانت الخرطوم كل الخرطوم في الشارع ؛ على ضفاف النيل تشرب الشيشة مجرد حماس ذلك الذي يجعل البعض منا فرح وهو يرى الناس يملؤون الشارع بصراخهم السلمي ؛ فقط لأن الكيلو من اللحم أصبح بأربعين جنيها وكيف أن المعيشة أصبحت أكبر من قدرة المسكين على تحملها ، فتلك وبقليل من التريث ليست سوى علة كبيرة في صميم الضمير الجمعي للشعب والتكوين العام للمجتمع السوداني ، الشعب الذي لاتغضبه مناظر الموت والقتل والتشريد ، اغتيالات الطلاب ، القبلية والجهوية المزروعة وتقزم وتفتت الوطن يغضب فقط لأنه أحس بقليل من الجوع . الثورة نحتاجها سريعا لأن كل لحظة تمضي على هذه الأمة يتسع البون بين من يخرج إلى الشارع ليتحسر على حالة الرياضة المتأزمة وبين من يخرج ليدافع عن قريته التي أحرقت على أيديهم ، وبنفس السرعة نحتاج إلى تدخل سريع يخرج جموع الشعب من الغيبوبة التي أدخل فيها غصبا وجبرا ، غيبوبة الإحساس والضمير ؛ فلربما تشعر الخرطوم حينها بأوجاع ماجاورها من سودان وترفع من أجلهم أكف الدعاء إلى الرب القدير قبل أن ترفعها طالبة النجاة والنصرة لأبناء فلسطين وأفغانستان والواق الواق ….