معاوية محمد الحسن ……………. و أنت تذهب باتجاه النيل هب أنك قد وجدت مياهه و قد غاضت فجاءه , صار مثل امرأة فوق الأربعين و قد انقطعت عنها عادة السوائل ,و أنك قد وجدت المدينة كلها و قد خلت من ساكنيها , الشوارع خالية من البشر و البنايات كلها مهجورة , لا شيء سوي الفراغ و العتمة . تصور لو أن الاصوات كلها و قد خفتت . أصوات الناس و لغطهم في الطرقات و الاسواق , اصوات السيارات و ماكينات المصانع , و أنك صرت لا تسمع الا حفيف الشجر و عزيف الرياح و لو أن العالم كله و قد خلد الي الصمت و السكون ثم فتحت فمك لتتكلم فوجدت أن الله قد طوي كلمات اللغة كلها و أودعها في السنة الطير ثم حدث بعد ذلك أن مذنبا هائلا قد اصطدم بكوكب الأرض فذابت قارات العالم الخمس بعضها في بعض فوجدت نفسك كائنا طحلبيا عند أقصي ما كان يعرف بالمتجمد الشمالي ! ربما توقف ايضا ضخ المياه في صنبور الحمام بشكل مفاجئ و أنت تستحم أو ليس هذا مدعاة لبؤس كبير في هذا الصباح ؟ . سوف تخرج إلي عملك أذن و أنت تلعن و تسخط و تسب الدنيا بحالها و ربما لن يكون بمقدورك أيضا أن تقوم بنظافة أسنانك كالمعتاد , حينذاك و عندما تتحدث إلي الغرباء في المواصلات العامة سيكيلون لك السباب و يصبون عليك اللعنات دون أدني شك جراء رائحة فمك الكريهة و عندها سوف تبتئس أكثر . تصور مثلا لو أنك مكثت تحلق لحيتك فأصابتك شفرة الحلاقة أو أنك جلست تقرأ الصحيفة اليومية و قد طالعتك بخبر عن انهيار مفاوضات السلام أو أنها أكدت حديث أحد المسئولين حول فساد سلعة البيض أو راحت تنعي مغنيا شهيرا ثم فجأة أنسكب فنجان القهوة الذي كنت تحتسيه علي ملابسك فقمت تريد إزالة بقع القهوة فوجدت صنبور المياه يدندن كعادته هكذا: أأأخ أأأأخ في صباح سيء كهذا لك أن تتخيل ما سيحدث لو أن شجارا قد احتدم بينك و ماسح الأحذية جراء ارتفاع أجرة ماسحي الأحذية بشكل مفاجئ بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار . ستغضب و ربما تفوهت بألفاظ نابية و هذا لا يليق برجل مثقف مثلك لكن ماسح الأحذية سيقوم بمصادرة احدي فردتي حذائك حتى تدفع الأجرة كاملة . و أنت تشق طريقك وسط الكتل البشرية في الشارع بعد ذلك ربما اصطدمت و دونما قصد منك بفتاة جميلة كانت مسرعة في طريقها و كنت أنت مهرولا فاعتذرت لكنها راحت تتهمك بالتحرش بها , حينئذ ستودعك الشرطة في الحبس و سوف يجلدونك في الساحة العامة و عندما يطلقون سراحك ستجد أنك قد تركت فردة حذائك الأخرى بمخفر الشرطة ! أفترض أيضا أن سائق المركبة العامة التي سوف تستقلها الي عملك قد أضحي مستاءا من حرارة الطقس ثم أوقفه شرطي مرور سائلا عن رخصة القيادة و حدث أن السائق اللعين كان قد نسيها بالبيت فاضطر شرطي المرور- الذي كان قد خرج اصلا من منزله و هو معبأ بالاستياء مثل قنبلة موقوتة بعد ان تشاجر مع زوجته بسبب انه لم يتمكن من جلب اسطوانة غاز جديدة- لتوقيف السائق بينما اضطررت أنت الي أن تكمل المشوار راجلا . من المؤكد أنك ستصل متأخرا نحو نصف ساعة كاملة الي مكان عملك و حينها ستشتبك مع رئيسك في العمل في معركة حامية الوطيس . سوف تبدأ المعركة بالنظرات الحادة .سيحاول أولا أن يشهر سلاح العين الحمراء . تتقدم أنت خطوة الي الأمام بعد أن تهيئ أدوات الشجار المألوفة . تكشيرة بائنة , زفير كاللهب , ترفع الحاجبين الي الأعلى ثم تقطب ما بينهما بعد أن تقوم بتسخين مياه الغضب في بركة صدرك ثم طاااخ تررراخ سينفجر البالون . – بتعاين لي كدا مالك ؟ – كم مرة حذرتك انا ؟ ستعلو جلبة الصراع و تراها لن تهدا حتى يخرج الموظفون من مكاتبهم . فريق يقف متفرجا و فريق سينهمك في في فض الاشتباك . تخيل أذن ما سيحدث بعد ذلك لاحقا, يوم او يومان و يأتيك خطاب استيضاح و كما هو معهود عنك سوف تقوم بتمزيق الخطاب و تاليا سوف تتلقي خطابا أخرا للمثول أمام لجنة تحقيق , ترفض ثم يقومون بإنذارك و هكذا إلي أن يفضي الأمر إلي فصلك عن العمل كلية . أفترض مثلا أنك فيما بعد ذلك ظللت تكتب الشعر و انت عاطل عن العمل و لكن الناشرون الوقحون لا ينشرون قصائدك فتضطر لأن تمزقها ثم تلعن الشعر و الأصدقاء و الوطن . دعك من هذا تخيل فقط لو أن أحد سكان الحي الذي تقطنه علي تخوم المدينة و قد أخبر عن نشاطك السري فوجدت رجال البوليس ذات يوم و قد أودعوك ذات المعتقل الذي كانوا قد اودعوك فيه حينما اتهموك بحادثة التحرش ستذهب حتما إلي ذات المكان لتجد فردة حذائك التي كنت قد تركتها هناك بانتظارك! حسنا لنتصور أنهم أفرجوا عنك علي أثر هبة شعبية لكنك خرجت لتجد محبوبتك و قد تزوجت بأخر . ربح الوطن أذن مناضلا و ربحت أنت بالمقابل فردة حذاء ! تخيل أنك قد ذهبت الي محل الحلاقة و قد راقت لك و علي غير العادة فكرة أن تقوم بتشذيب شعر رأسك ثم لاحقا و في ساعة باكرة من المساء دعاك احد الاصدقاء لمشاهدة مباراة في كرة القدم لكن شجارا نشب بين الجمهور فاطلقت الشرطة قذيفة واحدة من قذائف الغاز المسيلة للدموع فسقطت فوق رأسك الحليق . لو أنك مررت بالقرب من مدرسة أطفال تقع عند الناحية الأخري من الشارع تجاورها سفارة دولة امبريالية فوجدت ثمة صبية يلعبون و كان الجو صحوا و البراءة تشع في المكان فوقفت فقلت لنفسك ( يااااه ما أبدع دنيا الأطفال ) فانفجرت عبوة ناسفة كانت مخبأة في برميل للقمامة . تتقافز الصور الي ذهنك كشريط سينمائي . تقول لنفسك العالم قد صار أكثر خوفا و اقل امانا . البارحة مثلا هجم اللصوص علي منزل جارك عثمان و هو نائم فذبحوه و جارتك كلتوم كانت في امان الله تعد طعام العشاء و هي تترنم بأهزوجة حلوة حين انفجرت اسطوانة الغاز فجعلتها اشلاء . كيف ستنجو أنت من احتمالات سيئة كثيرة ؟. أحكم اغلاق الباب جيدا .دع ثقبا صغيرا من خلف الباب و راقب العالم من خلاله .فلتشحذ ادوات المقاومة. هذا افضل كثيرا . خذ عندك مثلا حين تسير في الطرقات حاول ان تحاذي جانبي الطريق و لا تثق بالاصدقاء كثيرا ثم لا تأمن عواقب الحشود البشرية في ميادين الاحتفالات العامة ربما انفجرت قنبلة موقوتة . لا تقرأ الصحف كثيرا و لا تنهمك في الثرثرة حول السياسة . (ماسورة الموية في الشارع ضربت .. ضربت ) هكذا تسمع صياح أحد الجيران و أنت في الحمام حين انقطعت فجاءة مياه الصنبور فتشهق في ذعر (ااااااااااااااخ يا لفداحة الاحتمالات اذن ) لكن ما يدهشك حقا أنك تبحث عن حذائك فلا تكاد تعثر الا علي فردة واحدة .