عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    إجتماع بسفارة السودان بالمغرب لدعم المنتخب الوطني في بطولة الأمم الإفريقية    رئيس مجلس السيادة القائد العام والرئيس التركي يجريان مباحثات مشتركة بشأن دعم وتعزيز علاقات التعاون المشترك    شاهد بالصورة.. الطالب "ساتي" يعتذر ويُقبل رأس معلمه ويكسب تعاطف الآلاف    شاهد بالفيديو.. الفنانة ميادة قمر الدين تعبر عن إعجابها بعريس رقص في حفل أحيته على طريقة "العرضة": (العريس الفرفوش سمح.. العرضة سمحة وعواليق نخليها والرجفة نخليها)    شاهد بالفيديو.. أسرة الطالب الذي رقص أمام معلمه تقدم إعتذار رسمي للشعب السوداني: (مراهق ولم نقصر في واجبنا تجاهه وما قام به ساتي غير مرضي)    بالصورة.. مدير أعمال الفنانة إيمان الشريف يرد على أخبار خلافه مع المطربة وإنفصاله عنها    بعثه الأهلي شندي تغادر إلى مدينة دنقلا    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    شول لام دينق يكتب: كيف تستخدم السعودية شبكة حلفائها لإعادة رسم موازين القوة من الخليج إلى شمال أفريقيا؟    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    كامل ادريس يلتقي نائب الأمين العام للأمم المتحدة بنيويورك    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصحافة السودانية : (التكبيل) و(الوأد) برسم السلطات الأمنية ، السودان في المرتبة ال170 من بين 179 دولة
نشر في حريات يوم 20 - 09 - 2012

أخيرا، تنفس الاتحاد العام للصحافيين السودانيين الصعداء؛ فقد خلت سجون البلاد من الصحافيين المحتجزين، بعفو من السلطات العليا في البلاد، عقب تصاعد حدة الاحتجاجات على كل من الاتحاد والمجلس القومي للصحافة والمطبوعات بسبب تردي أوضاع القطاع ومنسوبيه.
خلو السجون السودانية من الصحافيين جاء بعفو رئاسي بمناسبة عيد الفطر، دفع الاتحاد للتأكيد على سعيه لإزالة جميع العقبات الأخرى التي تواجه العمل الصحافي، فيما طلب رئيسه الدكتور محيي الدين تيتاوي من الصحافيين التحلي بروح التضامن المهني والمسؤولية الوطنية في عملهم على الدوام.
ويأتي ذلك في وقت يراهن فيه العديد من العاملين في القطاع على أن الفترة المقبلة ستشهد موات العديد من الصحف، لعدة أسباب؛ أهمها الحرب المفروضة على الصحف التي تحاول أن تجد لنفسها خطا بعيدا عن توجهات حزب المؤتمر الوطني المهيمن على الحكم في البلاد، وتحول الحرب إلى حرب اقتصادية سلاحها وقف تدفق الإعلانات الحكومية والخاصة، إلى جانب حرب ورق الطباعة وبقية المدخلات، في قطاع قوامه 65 شركة صحافية مرخصة و55 جريدة تصدر يوميا بين سياسية واجتماعية ورياضية.
وعلى الرغم من ترحيب الاتحاد الدولي للصحافيين بإطلاق سراح الصحافيين المحتجزين بسبب الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها البلاد مؤخرا، ومساندته اتحاد الصحافيين السودانيين، فإن عددا من الصحافيين والناشطين يرون أن الوضع لن يستقيم في ظل هيمنة أجهزة الأمن على قطاع الصحافة والإعلام في السودان، الذي أوقف عددا من الكتاب الصحافيين عن ممارسة الكتابة، على الرغم من أن العديد يرون أن مرجعيتهم تنحصر في وزارة الثقافة والإعلام والاتحاد العام للصحافيين والمجلس القومي للصحافة والمطبوعات.
وحظي القطاع بنصيب وافر من القمع والاعتقال المباشرين، واستهداف الصحافيين الوطنيين والأجانب، حيث تم اعتقال عدد من الصحافيين من الجنسين خلال الفترة الماضية، منهم الصحافية أمل هباني، والصحافيان فتحي البحيري ومحمد الأسباط في ظروف وأوضاع سيئة، في ظل الاعتقالات والمضايقات الأمنية لمراسلي غالبية القنوات الفضائية غير المحلية، واعتقال وترحيل الصحافيين الأجانب، والمماطلة في منح التأشيرات أو التصريح بمزاولة عملهم بعد دخول البلاد، ووضعهم تحت الرقابة الأمنية اللصيقة، كما حدث للصحافيتين المصريتين سلمى الوردانى وشيماء عادل، ومداهمة مكتب وكالة الصحافة الفرنسية واعتقال مراسلها بالخرطوم سايمون مارتيلى، ومضايقة وترهيب مراسلي قناة «الجزيرة» وغيرهم.
الصحافي فيصل محمد صالح، وهو رئيس تحرير سابق وأستاذ إعلام بالجامعات السودانية، كان قد تعرض للعديد من المضايقات والمحاكمات بسبب مطالبته بفتح تحقيق حول حادثة اغتصاب الفنانة التشكيلية صفية إسحاق، وبدلا من فتح التحقيق، تم فتح بلاغ ضد صالح و8 صحافيين وصحافيات آخرين كتبوا حول هذه الحادثة.
ويوضح صالح ل«الشرق الأوسط» أن «نظام الخرطوم ظل يرفع الكثير من الشعارات التي لا تتسق مع الممارسات، مشيرا إلى أن الشعار الإسلامي لم يعد مجديا الآن من خلال الممارسات، فخلال الأزمة الأخيرة حرضوا خطباء المساجد ليقولوا للناس إن الأزمة الاقتصادية هي ابتلاء من الله تعالي وإن عليهم الصبر، لكن هذا لم يعد مجديا لأنه تم ابتذال هذه الشعارات».
واعتبر فيصل أن الصحف تخضع لحرب اقتصادية مدمرة استطاعت أن توقف صحفا عديدة، وأخرى في الطريق، واستدرك: «يمكن أن يقال إن بعضها توقف اختياريا لكنها في الحقيقة الأمر حوصرت اقتصاديا، حتى إنها لم تستطع أن توفي بمستحقات الصحافيين وقيمة الطباعة فتوقفت عن العمل».
وقال إن «هذه الحرب لا تزال مستمرة، والكثير منها سيتوقف، حتى تتم تصفية الصحف غير الموالية للحكومة من السوق تماما ويخلو سوق الصحف لتلك التابعة للحكومة أو الصحف التي توالي وتعمل على تدمير المجتمع وصحف الجريمة والصحف الصفراء وهي الصحف الأكثر انتشارا الآن».
من جانبه، يؤكد الدكتور زهير السراج ل«الشرق الأوسط» أن «الصحافة السودانية تعرضت منذ بداية نشأتها قبل أكثر من مائة عام لعديد من الانتهاكات الحكومية في العهود المختلفة؛ تمثلت في الإيقاف والإغلاق والمصادرة والتأميم وسجن الصحافيين لأسباب سياسية.. إلخ، ولكنه باتفاق الجميع، فإن أسوأ فترة على الإطلاق هي التي أعقبت استقلال جنوب السودان في التاسع من يوليو (تموز) عام 2011؛ إذ تعددت وتنوعت الانتهاكات وشملت أنماطا من العقوبات لم يألفها المجتمع الصحافي من قبل؛ مثل منع الصحافيين من ممارسة العمل الصحافي بقرار شفهي يصدره جهاز الأمن إلى رؤساء التحرير عبر الهاتف مثلما حدث لما يزيد على عشرين كاتبا وصحافيا في الأشهر التسعة الأخيرة، من دون ذكر أسباب؛ بل حتى من دون السماح للصحيفة التي يعملون بها بنشر الخبر.. بالإضافة إلى رمي الصحافيين في معتقلات جهاز الأمن فترات طويلة من دون توجيه أي تهم لهم وتعرضهم للتعذيب النفسي والبدني القاسي كما حدث للعديدين خلال فترة اندلاع المظاهرات الشعبية الأخيرة.
قطاع الصحافة لم يكن استثناء من حملات أمنية على حرية التعبير، وبصورة لم تشهدها البلاد من قبل، وقد طالت حملة الاعتقالات والترهيب والاختطاف الأمني العشرات من الصحافيين والصحافيات في الصحافة المطبوعة والمرئية والمسموعة؛ إذ شملت صحافيين وصحافيات محليين، ومراسلي صحف وقنوات فضائية، ووكالات أنباء أجنبية، ومدونين ومدونات، ونشطاء وناشطات في الميديا الاجتماعية.
وفي هذا الصدد يقول السراج إن «هيمنة جهاز الأمن على الصحافة السودانية في حقيقة الأمر ليست مقصورة على الفترة الأخيرة فقط، فلقد ظل الجهاز وتحت مسمياته المختلفة يتدخل في الشأن الصحافي منذ صدور أول صحيفة سودانية مستقلة في عام 1903 وحتى اليوم، إلا أن تدخله قد تحول إلى هيمنة مطلقة في عهد النظام الحالي خاصة في الفترة الأخيرة قبل وبعد استقلال جنوب السودان مباشرة في يوليو 2011 بعد أن كانت الفترة التي أعقبت توقيع اتفاقية السلام الشامل بين نظام الرئيس البشير والحركة الشعبية لتحرير السودان في يناير (كانون الثاني) من عام 2005 والتي قادت لمشاركة الحركة في حكم البلاد ثم لاستقلال الجنوب وتكوين دولته المستقلة في ما بعد، قد شهدت انفراجا نسبيا في الحريات الصحافية وازدهار العمل الصحافي، إلا أن هذا الوضع سرعان ما تراجع بعد فترة قصيرة وعاد جهاز الأمن ليمارس هوايته المفضلة في الرقابة على الصحف مسنودا بقرار قضائي من المحكمة الدستورية في الثاني من أغسطس (آب) عام 2009، التي شطبت الطعن الذي تقدم به نيابة عن بعض الصحف عدة محامين مرموقين من بينهم نبيل أديب، وطالبوا فيه بالحكم بعدم دستورية فرض جهاز الأمن لرقابة مسبقة على الصحف أو ما يسمى في السودان باسم «الرقابة القبلية»؛ أي رقابة ما قبل النشر، إلا أن المحكمة شطبت الطعن، وهو ما لم يستغربه أحد، لسيطرة الحكومة السودانية على الجهاز القضائي».
ويستمر الدكتور زهير بقوله: «ومنذ ذلك الوقت، أباح جهاز الأمن لنفسه اتخاذ أي إجراء أو عقوبات تتفتق عنها عبقريته الأمنية ضد الصحف والصحافيين؛ بدءا بممارسة رئاسة تحرير الصحف بشكل فعلى بإيفاد ضباط أمن لقراءة الصحف وإجازة ما ينشر فيها، مرورا بتحديد أسماء صرح لها بممارسة العمل الصحافي والكتابة الصحافية واستبعاد من لا يروق له من دون إبداء أي أسباب، وانتهاء باعتقال وتعذيب الصحافيين وإيقاف الصحف نهائيا عن الصدور ومصادرة ممتلكاتها كما حدث للعديد من الصحف مثل (الميدان) و(الجريدة) و(ألوان) و(رأي الشعب) و(التيار).. وغيرها في أوقات مختلفة».
ويشير السراج وهو أحد الكتاب الذين منعهم جهاز الأمن من الكتابة منذ نهاية مارس (آذار) الماضي، إلى أن دور جهاز الأمن في الهيمنة على الصحف وصل إلى درجة الاتصال الهاتفي بالمعلنين لتحديد الصحف التي ينشرون الإعلانات التجارية فيها حتى لو لم تكن واسعة الانتشار أو لا تخدم أغراض المعلن، وذلك نوع من الحرب الاقتصادية على الصحف التي لا تلتزم بالسياسة التي يقررها الجهاز، ومن ضمن أهم آليات هذه الحرب مصادرة الصحيفة من المطبعة بعد الطباعة وعدم السماح بتوزيعها بغرض تدميرها اقتصاديا.. ونتيجة حتمية لكل ذلك، فإن كل الصحف التي تصدر في الخرطوم الآن تحولت إلى مجرد نشرات حكومية أمنية يصدرها جهاز الأمن من دون أن يدفع تكلفة ذلك الصدور».
ولم تتوقف هيمنة جهاز الأمن ومن يقف وراءه على الصحف التقليدية – بحسب السراج – بل تعدتها إلى الصحف الإلكترونية والمواقع الأخرى، و«من لا تطوله يد جهاز الأمن وعصاته الغليظة بسبب صدوره من خارج البلاد، يستطيع جهاز الأمن بكل بساطة استخدام سلطاته المطلقة وأجهزته الإلكترونية لحجبه عن أعين القراء داخل البلاد وهو ما يحدث الآن لعديد من الصحف الإلكترونية السودانية التي تصدر في الخارج ومنها (سودانيز أون لاين)، و(الراكوبة)، و(حريات)».
بينما ترى مديحة عبد الله رئيسة تحرير صحيفة «الميدان» المعارضة أن «الصحافة سبقت كل الأحزاب السياسية وهي من المؤسسات المدنية العريقة، وعملت خلال تاريخها على إرساء وكشف الممارسات الضارة بالشعب خاصة في مجال الخدمات والأجهزة المختلفة».
وأشارت إلى أن الحكومة تحارب الصحافة لأنها تبين الكثير من القضايا الجوهرية، وقالت: «هناك مناطق تتعرض للمجاعة الحقيقية فيما يقول عنها النظام إنها فجوات غذائية، خاصة في مناطق طوكر بشرق البلاد وكردفان ودارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.. وهي كلها انعكاس للوضع السياسي على الأوضاع الأخرى».
جهاز الأمن والمخابرات الوطني كان قد علق على إغلاق العديد من الصحف تحت بند تعريض الأمن القومي للمخاطر، حيث أغلق مؤخرا صحيفة «التيار»، رابع صحيفة يومية تتعرض لمثل هذا الإجراء، حيث سبقتها صحف «الجريدة»، و«رأي الشعب»، و«ألوان»، الأمر الذي اعتبرته صحيفة «الأيام» العريقة في كلمة لها أنه أمر يثير القلق على مستقبل حرية التعبير في البلاد في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ البلاد.
واعتبرت «الأيام» أن الإجراء يضع السلطة التنفيذية موضع الخصم والحكم في آن واحد، وتستبق دور القضاء، الذي يجب أن يحتكم له الجميع نزولا عند مبادئ حكم القانون، وقالت: «ونلاحظ ثانيا أن البيان لم يوضح ما هي المواد المنشورة في الصحيفة التي تهدد الأمن القومي أو تطعن ظهر القوات المسلحة، وحتى إذا كان هناك اتهام، فالمهتم بريء إلى أن تثبت إدانته أمام محكمة مختصة، ولا تثبت الإدانة بمجرد ادعاء الشاكي. ونلاحظ ثالثا أن القرار ليس في مصلحة الحكومة نفسها، لأن القارئ سيحس أن القرار صدر بسبب ملفات الفساد التي فتحتها الصحيفة وسينتج عن ذلك شعور بأنها محاولة لإغلاق تلك الملفات، وهو أمر يضر بسمعة الحكومة أكثر من المادة المنشورة».
وفي خطوة جديدة من مسلسل قمع حرية التعبير في السودان، قامت عناصر من الأمن السوداني بمصادرة عدد يوم الاثنين 20 فبراير (شباط) الماضي من صحيفة «التيار» السودانية المستقلة، بسبب «تغطية الصحيفة للفساد الحكومي في الآونة الأخيرة التي قد تكون أغضبت السلطات»، كما أشار رئيس تحرير الصحيفة عثمان ميرغني.
وقال ميرغني إنه لم يتلق تفسيرا للمداهمة التي تعرضت له صحيفته، موضحا أن «الصحيفة هي الوحيدة التي نشرت اتهامات الزعيم الإسلامي المعارض حسن الترابي لأجهزة الأمن بزرع أجهزة تنصت في مكتبه».
من جهته، أشار الاتحاد العام للصحافيين السودانيين إلى أنه «ليس هناك حرية مطلقة أو رقابة مطلقة»، لافتا إلى «تدخل الرئيس البشير بتوجيه وزير الإعلام لعدم المساس بحرية الصحافة». وقال رئيس الاتحاد محيي الدين تيتاوي في تصريحات صحافية إن تدخل الرئيس «يؤكد عدم نية الحكومة الهجوم على الصحف، لكن الحكومة ترجو توخي الدقة والمهنية»، مضيفا أن «كثيرا من الغث والاتهامات تنشر دون إعطاء فرصة للمتهمين للدفاع عن أنفسهم». ورأى أن «الحكومات التي لا تخضع للهيمنة الغربية تحاول حماية نفسها من أي اختراق أمني ومعلوماتي»، مشيرا إلى «وقوف الاتحاد ضد الرقابة ومصادرة الصحف» وأردف: «لكننا نطالب الصحافيين بالدقة والتبين حتى لا يصاب الأبرياء».
على أرض الواقع، لا يزال الصحافيون السودانيون يواجهون ضغوطا عند تغطية قضايا كالفساد أو الأزمة الاقتصادية الحادة التي يمر بها السودان. وكان السودان علق قبل يوم من انفصال الجنوب صدور ست صحف، لأن جنوبيين كانوا من بين ناشريها أو مالكيها.
ومنذ بداية العام الحالي، تم إغلاق صحيفتي «ألوان» و«رأي الشعب» الإسلاميتين، كما قامت السلطات السودانية بمصادرة أول عدد أصدرته صحيفة «الجريدة» السودانية بعد إيقافها لمدة ثلاثة أشهر على خلفية خبر نشرته الصحيفة عن الجيش السوداني.
وتسلط طريقة إغلاق الصحف ومصادرتها الضوء على الرقابة الشديدة التي لا تزال الصحف السودانية تخضع لها. فقبل صدور أي عدد من أي صحيفة، لا بد أن يقرأه مندوب من جهاز الأمن ويحذف ويلغي حسب ما يراه مناسبا.
لكن الأمر أحيانا لا يقف عند حد الرقابة والحذف، بل يتعداه في أغلب الأحيان إلى مصادرة أعداد من الصحف بعد طباعتها، مما يلحق أضرارا مادية كبيرة بتلك الصحف.
وعلى الرغم من أن الدستور السوداني يكفل حرية الصحافة، فإن السودان في مؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2011 – 2012 جاء في المرتبة 170 من بين 179 دولة شملها المسح، وذلك بسبب الرقابة القبلية، وإغلاق الصحف، والاعتقال والحبس لفترات طويلة، بالإضافة إلى سوء معاملة الصحافيين، في الوقت الذي جاءت فيه دولة جنوب السودان الوليدة في المرتبة 111.
العديد من المنظمات والجهات الدولية ذات العلاقة أعلنت إدانتها الملاحقات القضائية التي يتعرض لها الصحافيون في السودان، وقالت «الشبكة العربية» في بيان لها إن وضع حرية الصحافة في السودان أصبح مقلقا للغاية، «ففضلا عن المحاكمات التي صارت سيفا يهدد الصحافيين مع كل حرف يكتبونه، نجد أن جهاز الأمن والمخابرات الوطني يتوجه للمطابع ليلا وينتظر حتى تنتهي من طباعة الصحف ثم يقرر بعد ذلك منعها من التوزيع، مما يكبد إدارات الصحف خسائر مادية كبيرة جدا تضاف لمعوقات العمل الصحافي الأخرى التي تواجهها داخل السودان».
كما دعا «المعهد الدولي للصحافة» الحكومة السودانية إلى التوقف عن مضايقات الصحافيين، والكف عن التضييق على الصحف الناقدة.. «معظم البلاغات الموجهة ضد الصحافيين يكون جهاز الأمن هو الطرف الشاكي.. يواجه الصحافيون في السودان العديد من أشكال الانتهاكات والقيود المفروضة علي حريتهم وحركتهم. وفي هذا العام فقط تم اعتقال أكثر من 30 صحافيا وصحافية في السودان أثناء القيام بواجبهم المهني.. الفترة التي أعقبت استقلال جنوب السودان كانت قد شهدت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والحريات العامة بالجزء الشمالي من السودان، وعلى وجه الخصوص تفاقمت بشكل مثير للقلق انتهاكات حرية الصحافة وحرية التعبير.. ودرجت الحكومة السودانية على تكرار اعتداءاتها على حرية الصحافة وحرية التعبير دون مراعاة لالتزاماتها الدولية لحماية حرية الصحافة وحق التعبير».
وتتفاوت انتهاكات الحريات الصحافية بين إغلاق الصحف نهائيا، وإغلاقها بشكل مؤقت، أو حجزها بالمطابع بعد الفراغ من طباعتها ومصادرتها بعد الطبع.
وتأتي مسألة مصادرة الصحف وحجزها بالمطابع بعد الفراغ من طباعتها بوصفها أحد الأساليب التي تنتهجها الحكومة السودانية لتعطيل الصحف وتكبيدها خسائر مالية فادحة لتضطرها في آخر الأمر إلى التوقف من تلقاء نفسها تحت وطأة الضغوط الاقتصادية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.