لماذا أصبحت سمة لنا؟، مع أن بلاد المسلمين رفضت مرارًا وصْم الإسلام والمسلمين بالإرهاب!. لأن هناك مشكلة!. في معظم إستطلاعات الرأى حول أسامة بن لادن تعثُر على نِسب تأييد لبن لادن تتراوح بين ستين فى المئة فى الحالات المرتفعة، وعشرون فى المئة فى الحالات المنخفضة، حسب دراسات أجريت على عينات عشوائية في بعض البلدان. مع علم هؤلاء تماما بأن فكر بن لادن مسؤول عن قتل 15 ألف مدنى على الأقل، وأن منهم- بالمناسبة- 12 ألف مسلم، وتجدهم يقرأؤون في كتاب الله بأن الله حرم قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق. فكلا الرقمين كبير جدا لو ترجمناه مثلا إلى نتائج انتخابات، فسيكون لدى هؤلاء دور أساسيًّا فى أي حكومة منتخبة. الفكر الإرهابي ليس حصريا على المسلمين إذا عقدنا مقارنة بسيطة بين تمدد الفكر الإرهابي في الغرب وعندنا. فعندنا تجد هذا التماهي في الرأي. أذكر تماما بعد اغتيال اسامة بن لادن في باكستان حصلت في الخرطوم هزة تعاطف قوية مع الخبر. نواب البرلمان علت هتافاتهم التي تمجد (الشيخ) أسامة بن لادن. منبر الخال أعلن أن كتيبة من كتائبه الجهادية سيتم تسميتها بإسم بن لادن. أنصار الترابي ومؤيدوه هتفوا (ٌقائدنا ترابي أكبر ارهابي ..في الحق مابيحابي ). وسمحت الحكومة الضرورة بإقامة صلاة الغائب على بن لادن في ميدان المولد الفسيح. أما في الغرب لا يمكن أن ترى فى ميادين النرويج مظاهرات ترفع صور الإرهابى أندرس بريفيك وتصفه بالمجاهد، ولا يمكن أن تتجرأ حكومة نرويجية على العفو عنه ولو طال الزمن، ولا يمكن أن يطالب نرويجى بتحرير هذا الإرهابى، ولا يمكن -وهنا مربط الفرس- أن يقف رجل دين نرويجى فى المحكمة ليقول إن الشاب معذور، لأن الحكومة لا تطبق الشريعة المسيحية. وأدعوك الآن أن تبحث عن آراء علماء المسلمين فى بن لادن. أكيد لن تجد إجابات حاسمة وقاطعة. فلماذا لا تظهر جماعات إرهابية ولا ينبع لدينا ألف بن لادن وظواهرى وزرقاوى، إذا كان سيحصل من علمائنا الأجلاء على ألقاب المجاهد الأكبر والشهيد والمسلم الحق الذى يطبق الجهاد كما أمر به الله، وأقلاها الشيخ. هذا الإلتباس ولد ضرر في العقل المجتمعي مسببا نوع من التناقض العقلي. فتجد في معظم العقل السوداني المسلم هذين النوعين: - نوع أسامة بن لادن وأيمن الظواهرى، وهو لا يعبر عن نفسه ظاهريا بالعنف البدنى وإن كان موجودًا، بل فى العنف الفكرى حيث التكفير وإباحة الدم. وهؤلاء الذين خرجت منهم صراحة المجموعات الإرهابية. - ونوع أخطر على المجتمع من النوع الأول، وهو الإرهاب الخفي الذي يجمع بين عنف بن لادن الفكرى من التكفير واستحلال القتل دون أن يعلن ذلك صراحة إلا وقت اللزوم وحين تنفلت أعصابه، وبين التركيز على اختصار الإسلام فى النقاب والحجاب واللحية والسواك وانغلاق العقل عن السماحة والانفتاح والتفكير النقدى مع إعلاء السمع والطاعة ووصم المختلفين معه في الرأي بالخروج عن الملّة مع سيول من البذاءات والإهانات والشتائم. وهذا النوع يمهد للآخر ويقوي شوكته. وهؤلاء هم أصحاب الإسلام السياسي كما تحدثنا عنهم أكثر من ألف مرة. فهؤلاء يهيئون البيئة الخصبة ويقومون بعملية غسيل العقول وتفزيع الخصوم لقطع الطريق على أي إصلاح ممكن. وسياسيا لا يرمش لهم جفن في قتل أي خصم يريد الحكم مثلهم ولا يعترفون بالفشل ليتوبوا كليا ويتراجعوا بل لا يزالوا يروجون ان منهج الحركات والجماعات الإسلامية صحيح. وهي تستخدم أسلحة خبيثة سريعة الذوبان في العقول، من فتاوى تلجم الناس وجمهور تحرّكه ومجتمع تخوّفه، وبالتالي تحفز العقول السلبية وتشل النقدية. بن لادن مضى إلى لمقابلة ربه ولكن فكره مازال مرابطا في العقول ويحوم هنا وهناك مسببا لوثة عقلية ولعنة حضارية تطاردنا في بلادنا بتانامي ظواهر العنف والجماعات الإرهابية في الوقت الراهن وربما في المستقبل إذا لم تحسم. لا بد من حد فاصل، حدد موقفك من فكر بن لادن، ليس فقط لكى تمتلك المصداقية فى رفض تهم الإرهاب أو (ما يسمّى الإرهاب) كما تحب أن تردد الصحافة العربية ولكن لأننا لن نستطيع أن نواجه الإرهاب، إذا لم نكن نعرف -شرعيًّا وبوضوح- ما هو الإرهاب؟ ومن هو الإرهابى ومن هو المجرم الذي يُأصِل للإرهابي ويفرشُ له طريق الورد؟.