عبدالله علقم.. وقعت أحداث مؤسفة في جامعة الجزيرة مطلع هذا الشهر، ديسمبر 2012م، تمخضت في مأساوية بالغة عن مصرع أربعة طلاب،عثر على جثثهم في ترعة النشيشيبة القريبة من الجامعة، وهؤلاء الضحايا هم الشهداء الصادق يعقوب عبدالله، المستوى الثاني، الدفعة 35، وأحمد يونس نيل، المستوى الأول، الدفعة 35 ، ومبارك سعيد تبن، المستوى الثاني' الدفعة 34، وعادل أحمد حماد ، المستوى الثاني،الدفعة 34. وعقب تلك الكارثة،التي تتضارب الأقوال حول أسبابها، تحدث مدير جامعة الجزيرة البروفيسور محمد وراق حديثا مطولا لإحدى الصحف فقال” نحن طلبنا من الشرطة أن تأتي لتحمي الممتلكات والأرواح، وحينما جاءت الشرطة في اليوم الأول لم يكونوا يقومون بشيء سوى فصل مساحة بين الطلاب والمعامل والممتلكات.. لكن في اليوم الأخير يوم الأربعاء تصاعدت الأمور لذا تدخلت الشرطة لتؤمن وتحمي، هي التي تقدر الموضوع”. ثم أضاف معلقا على مقتل طلابه “الأمر ليس من اختصاصنا، وبالمناسبة تكونت لجنة على مستوى عال للتحقيق”. ثم لم يجد السيد مدير الجامعة في نفسه حرجا،رغم أن الأمر كما قال لا يخصه، في أن يفتي في قضية هي قيد التحري بواسطة الجهات الشرطية و العدلية المحتصة ولا تحتمل العبث، فقال: ” جائز أن الطلاب الذين غرقوا اعتقدوا أنهم سيجدون ملاذا آمنا في مزرعة الجامعة، وحاولوا أن يعبروا الترعة ، وعرضها قرابة مترين، لكنهم سقطوا”، ثم يستدرك بقوله “هذه أشياء لا نحددها نحن إنما الجهات النيابية.. هي التي تحدد والشرطة هي التي تدافع عن نفسها لن ندينها أو نبرئها”. إذا تجاوزنا فشل السيد مدير الجامعة الذريع في إدارة مشكلة داخلية في الجامعة، تتعلق بالرسوم الدراسية مما أدي إلى تصاعد الأمور على هذا النحو ، وقيامه باستدعاء الشرطة للتدخل وفتح أبواب الجامعة أمامها بطيب خاطر، فإنه لا يمكن غض الطرف عن استباقه لنتائج التحقيق في وفاة الطلاب،فهناك من يتهم الشرطة بقتلهم،وآخرون يوجهون الاتهام إلى مسلحين،وهناك من يوجه الاتهام للشرطة والمسلحين معا.وتتلاحق الاتهامات في ظل غياب الحقيقة التي ستظهر عارية ولو بعد حين. بعضهم يقول باحتمال موت الطلاب غرقا في الترعة، وإلى هذا الاحتمال يميل السيد مدير الجامعة.أي أن كل الطلاب الضحايا سقطوا في الترعة أثناء محاولتهم عبورها،وأن الترعة عميقة بما يكفي لإغراق من يحاول عبورها خوضا في مياهها، وأنها لا تشكو من العطش مثل مشروع الجزيرة. هذا افتراض عاطل من الحكمة ويقدح في ذكاء مدير الجامعة في المقام الأول قبل أن يقدح في ذكاء المتلقي. كان على السيد مدير جامعة الجزيرة أن يتقدم باستقالته من منصبه عقب مصرع طلابه، باعتبار أنه يتحمل المسئولية الأدبية أو الأخلاقية عن هذه الكارثة، تماما مثلما يستقيل الوزراء والمسؤولون في البلاد المتقدمة وفي بعض البلاد النامية عقب وقوع الكوارث التي تزهق أرواح الناس. السيد مدير جامعة الجزيرة لم يقذف بالطلاب في الترعة ليموتوا غرقا، ولم يعذبهم ويقتلهم بيديه ثم ألقي بهم في الترعة،ولم يكن طرفا مباشرا أو نهائيا في الواقعة،ولكن المسؤولية الأدبية والأخلاقية والاجتماعية تلاحقه، وكان يجب عليه، بدلا من الافتراضات الساذجة، أن يقدم استقالته من منصبه ، إن لم يكن احتراما لمنصبه أو احتراما لذاته، فعلي الأقل تعبيرا عن الحزن الظاهري على أرواح طلابه،حتى لو كان هؤلاء الطلاب من دارفور،لا بواكي لهم.أو ليته بعد كل هذا الإخفاق،وفي غياب ثقافة الاستقالة،التزم الصمت،إن لم يلهمه الله خيرا يقله. ورد في أمثال العرب: “الرائدُ لا يكذب أهله”، والرائد عند قدماء العرب هو رجل يرسلونه أمامهم ليبحث عن الماء والكلأ في الصحراء، فيسبقهم بسرعة وخفة ليدلهم على أماكن الزرع والماء والخير،ويجنبهم الجوع والظمأ والفناء. فالرائد لا يمكن أن يكذب على أهله أبداً، فهم أهله الذين يحبهم، ويستحيل أن يرميهم في التهلكة بنصيحة كاذبة، كما أنه واحدٌ منهم، ومصيره مصيرهم، فإن أرداهم كذبه مات معهم. والرائد في زماننا هذا، خصوصا في المجتمعات النامية أو المتخلفة، هو المثقف والعالم ،مثل السيد مدير جامعة الجزيرة، فكل مثقف وعالم رائد بفكره، يسبق مجتمعه ببعد نظره، وسعة اطلاعه وأفقه، ورجاحة عقله،أو هكذا يجب، فيرى ما لا يرى الآخرون، تماماَ كما يفعل رائد البوادي والقفار.ولا يجدر به،كما يقول الكاتب عمر بن سليمان العريفي،”أن يكذب على أهله، ويغش مجتمعه بنصيحة ضارة، ولا حتى أن يصمت إذا رأى في طريقهم ما يضرهم، فهو محبٌّ لهم، وواحد منهم، مصيره مصيرهم، يدلهم على الخير، ويبعدهم عن الشر”، وهو ما لم يفعله السيد مدير جامعة الجزيرة. عبدالله علقم [email protected]