راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    علماء يكشفون سبب فيضانات الإمارات وسلطنة عمان    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تقرير شامل لمجلة الايكونوميست عن السمنة
نشر في حريات يوم 30 - 12 - 2012


1) الصورة الكبيرة: العالم يسمن
مشهد مألوف في صفوف الغداء بالمدارس الابتدائية الأمريكية حيث تقف التلميذات الفقيرات في ازيائهن الرسمية بكل أدب وهن يمسكن بالصواني: نعم لحليب الشوكلاته وسندوتشات الدجاج المكسو بالدقيق وللفول المحمص ولجيللي البرتقال. لا للسلطة والطماطم والخص.
مسألة رفض الأطفال لأكل الخضروات ليست جديدة ولا يبدو أنها تحتل مرتبة متقدمة في قائمة الأولويات العالمية ولكن أمريكا – ومع روحها التحررية- ينتابها القلق بشأن أكل مواطنيها وكم التمارين الرياضية التي يؤدونها، حيث صار ذلك قضية رأي عام قومي.
يعاني ثلثا البالغين في أمريكا من زيادة الوزن، تعريف زيادة الوزن هو أن يزيد مؤشر كتلة الجسم عن 25 والسمنة أن يزيد المؤشر عن 30. أما المؤشر نفسه فهو حاصل قسمة الوزن بالكيلو جرام على مربع طول الفرد بالمتر: (الوزن كجم) (الطول م2).
ويعاني 36% من مجموع الشعب من الكبار و17% من الأطفال من السمنة، وإذا استمرت هذه الاتجاهات فستصل نسبة السمنة إلى 50% من كل الشعب الأمريكي بحلول 2030م.
وبالرغم من أن هذه الصورة تعد صادمة للأمريكيين، لكنها تتناسب مع الصورة النمطية للأمريكيين في العالم حيث ينظر العالم للهامبرغر والمشروبات الغازية والآيس كريم كخصائص أمريكية مثل النجوم والخطوط في العلم الأمريكي.
ولكن لا ينبغي أن يسخر العالم من الأمريكيين فكلنا في الهم غرب، وأحزمة البطن طليقة. صحيح أن بعض الأوربيين ظلوا نحيفين نسبيا مثل نساء سويسرا ونساء فرنسا (لأنهن يفضلن التباهي برشاقتهن رغم أن 15% منهن سمينات). ولكن في بريطانيا 25 % من النساء بدينات وخلفهن الرجال بنسبة 24%. و30% من رجال التشيك بدناء. وهناك محوران لشر السمنة: هما جزر الباسفيكي ومنطقة الخليج العربي.
فالمكسيكيون البالغون سمان مثل جيرانهم الأمريكيين. وفي البرازيل حل الرجل السمين مكان الطويل النحيف حيث بلغت زيادة الوزن 53% بين الكبار في 2008م. و حتى الصين التي ما زالت أصداء المجاعة حية في ذاكرتهم فإن واحدا من كل أربعة إما زائد الوزن أو بدين ويرتفع المعدل في المدن.
باختصار يعاني 1.5 مليار من الكبار في العالم من زيادة الوزن أو السمنة. ومنذ 1980م تضاعفت معدلات السمنة تقريبا.
بدانة الأرض
إلى وقت قريب كان القلق الرئيسي هو أن الناس لا تجد ما يكفيها من الغذاء وما زال سوء التغذية مصدر قلق عميق في بعض المناطق، ففي عام 2010 كان 16% من أطفال العالم، أغلبهم في أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا، يعانون من نقص الوزن. ولكن قبل 20 سنة كانت نسبتهم 24%. والغريب أن زيادة الوزن بين النساء في الدول النامية صارت أكثر من نقص الوزن حسب دراسة أجريت بين عامي 1992م- 2000م.
أوضح تفسير لهذه الظاهرة الغريبة الحديثة اثتت من طبيب عاش في القرن الخامس قبل الميلاد – ابو قراط- حيث كتب (كقاعدة عامة فإن تكوين الشعوب وعاداتها تكون بحسب طبيعة الأرض التي يعيشون عليها).
لم يفضل الرجال والنساء في كل الأعمار الشراهة والكسل على التقشف والعمل الشاق في العقود القليلة الماضية ولكن تغير البيئة المحيطة بهم بصورة جذرية هو الذي غير سلوكهم.
يعزى ذلك التحول للنمو الاقتصادي حيث يرتفع مؤشر السمنة (مؤشر كتلة الجسم) مع ارتفاع الناتج المحلي الاجمالي إلى أن يصل إلى 5 ألف دولار للفرد في السنة ومن ثم ينتهي الارتباط بينهما.
ثروة أكبر تعني التخلي عن الدراجات لصالح الدراجات النارية والعربات، واستبدال العمل في الحقول بالجلوس خلف الطاولات. إضافة لأن السكان لا يقومون بالتمارين الرياضية الكافية لا سيما في الدول الغنية.
هناك أيضا عامل تغير نوعية الغذاء حيث يستطيع الناس اقتناء الوجبات الدهنية والسكرية. وأدى قضاء الامهات فترات طويلة في العمل إلى زيادة منتجات شركات الغذاء، حيث تساعد الإغذية المصنعة والمعالجة في زيادة معدلات السمنة، والأطعمة اللينة سهلة الهضم والحبوب المطحونة جيدا يتم هضمها بالكامل وكل ذلك يزيد من امتصاص الجسم لسعرات حرارية أكثر.
هناك عوامل محلية أخرى تزيد من السمنة:
النساء اللائي يعانين من سوء التغذية يلدن أطفالا لديهم قابلية لاكتساب الوزن بسهولة مما يجعل الأطفال في البلدان سريعة النمو عرضة للسمنة.
في المكسيك ساعد تلوث مياه المواسير والتسويق الحاذق في جعل البلد أكبر مستهلك للكوكا كولا في العالم حيث بلغ معدل استهلاك الفرد البالغ 728 زجاجة في السنة.
في أمريكا السعرات الحرارية في الأكل غير الصحي (اللغاويس) أرخص منها في الأكل الصحي. وجعل التمدد العمراني وتوافر الأطعمة من السيارة غرفة طعام جديدة.
في الشرق الاوسط ترافقت تقاليد الضيافة والإكرام بالطعام البدوية مع الثروة لتجعل من الافراط في الطعام عادة ليلية. ومع ذلك تعطل القيود الثقافية وحرارة الجو أي ميل نحو الرياضة.
في الصين يزحم المراهقون وعمال المكاتب مطاعم الوجبات السريعة وحتى الطعام المنزلي صار يحتوي على لحوم وزيوت أكثر من السابق، ويمطر الأجداد المخرفون أحفادهم النادرين المدللين بالولائم. هذه التغيرات حولت الناس نحو السمنة.
كثير من الثقافات تنظر بأعجاب لامتلاء الخصر وكبره كعلامة على الثراء ولكن للسمنة اثمانها:
فهي تقلل من انتاجية العمال وترفع مخاطر الاصابة بعدد لا حصر له من الاسقام مثل السكري وامراض القلب والسكتات الدماغية وبعض انواع السرطان بل وتؤثر ايضا على الصحة العقلية.
في أمريكا استحوذت الأمراض المرتبطة بالسمنة على خمس الانفاق الكلي على الرعاية الصحية في 2005م.
وصارت السمنة اكثر اسباب الأمراض نمواً.
وصار ارتفاع مؤشر البدانة هو أحد العوامل الثلاثة الكبرى المسببة للمرض عند النساء.
فإذا ربطنا ذلك بحقيقة انخفاض معدل وفيات الأطفال وارتفاع متوسط الأعمار نجد أن هذه التحولات تستدعي تحولاَ في أولويات خطط الصحة العامة.
من الواضح إذن أن السمنة اصبحت مشكلة كبيرة لأن العوامل المسببة لها يصعب حلها ومعالجتها ولأن إبطالها يتضمن خيارات صعبة، مثل منع أكل الاطعمة عديمة القيمة الغذائية والضارة (اللغاويس) حيث ينتهك ذلك حرية الأفراد في أكل ما يحبون والبديل لذلك أن تحث بعض الحكومات مواطنيها على تقليل الأكل وزيادة الرياضة وأن تقوم شركات الأغذية على الأقل بتقديم أغذية أكثر صحية.
في قليل من المناطق حافظت معدلات السمنة على مستوياتها ولكن استمر محيط الخصر في الاتساع بقوة شديدة في معظم البلاد. وهناك تقدير بأن يصل عدد البدناء وزائدي الوزن إلى 3,3 مليار نسمة في 2030م وسيكون لهذا انعكاسات ضخمة على الأفراد والحكومات وأصحاب العمل وشركات الأغذية وصناع الأدوية.
2) لعنة سكان الكهوف:
الدخول في الشبكات سهل ولكن التأمّل في الخروج
ظاهريا يبدو أن للسمنة سبباً واحداً بسيطاً وهو أن يأخذ الفرد سعرات أكثر من استعماله، فيتم تخزين الفائض على هيئة شحوم. وكذلك التخلص منها يبدو أمراً اختيارياً بالتوقف عن أطعمة معينة وممارسة الرياضة ولكن هذه المعادلة الأساسية تضع أسئلة كثيرة مثل:
- لماذا يسمن بعض الناس بينما لا يسمن البعض الآخر؟
- ولماذا يصعب التخلص من الوزن؟
- وما هو ضرر الشحوم الزائدة على الجسم؟
حشد غفير من العلماء يبحثون الآن على الإجابات.
هناك افتراض شائع بأن الناس قادرون تماماً على اختيار ما يأكلون. هذا الافتراض صحيح جزئيا، ولعدة أسباب:
أولاً: منذ أعمار مبكرة يكوّن الناس عادات وارتباطات مع الأكل. ولأمر ما أوحى الكيك المادليني لمارسيل بروست بتأملاته في روايته (تذكر ماضي الأشياء) وهو نفس السبب الذي تعرف به بعض الأطباق (بأغذية الراحة).
ثانياً: كثيراً ما تتأثر كمية الأطعمة التي يتناولها الناس بعوامل خارجية: مثل حجم الصحن، إلى نوع الخلفية الموسيقية التي تعزف أثناء الأكل، فكلما كبر حجم وعاء الحساء كلما ارتشف الناس منه كميات أكبر.
للجسم البشري ميل واستعداد لاكتساب الوزن أكثر من فقده. يستخدم الجسم مجموعة من الهرمونات تعمل مجتمعة على استقرار البيئة الداخلية للجسم، حيث تنبه الجسم على حالة الجوع أو الشبع.
فعلى سبيل المثال يقوم هرمون القريلين الذي تنتجه المعده بالتنبيه إلى حاجة الجسم للغذاء، بينما يخطر هرمون اللبتين الذي تفرزه الأنسجة الدهنية المخ بأوان التوقف عن الأكل. والغرض من ذلك هو مساعدة الجسم على معادلة الطاقة المتناولة مع الطاقة المنفقة. هناك عدة عوامل يمكنها تجاوز ذلك:
متعة الغذاء والإدمان: حيث أظهرت التجارب أن القوارض عندما تأكل غذاءً سكرياً يفرز مخها مادة الدوبامين، وهي مادة لها علاقة بالإدمان، وهي تطلق المتعة وتساعد في تحريك الدوافع. وكلما كان الغذاء شهياً كلما زاد إفراد الدوبامين. نفس رد الفعل هذا يوجد عند الإنسان، ولكن بمرور الوقت فإن التخمة الناجمة عن الأغذية السكرية تغير من نظام الدوائر الكهربية بالمخ. يصبح البدناء أسرى للإثارة بمنظر الطعام الشهي، حيث تطلق نظرة خاطفة نشاطاً عالياً في قشرة الدماغ الأمامية (المرتبطة بالحوافز والدوافع) بأكثر مما تفعل لدى أصحاب الوزن العادي. وفي نفس الوقت يبدو أن البدناء يمتلكون عدداً أقل من مستقبلات الدوبامين، وهذا مزيج خطير، فهم يستثيرهم منظر الطعام ولكن يحصلون على متعة أقل وهذا يقودهم لشراهة قسرية.
ومع السمنة يرتفع مستوى هرمون الشبع (اللبتين) لمستويات يتوقف عندها المخ من الاستجابة لها.
وعندما يبدأ السمين في فقدان الوزن تبدأ مستويات هرمون الشبع في الهبوط، فيرسل المخ إشارة الجوع حتى ولو كان هناك الكثير من الدهون الفائضة الجاهزة للتخزين.
هذه الهرمونات كانت مفيدة جداً حتى وقت قريب جداً. كان رجال الكهوف يحتاجون لأكل كل ما يجدون قدر المستطاع ويخزنون الفائض لأن الوجبة التالية قد تكون بعيدة جداً. ولكن ما كان مفيداً في السافنا لم يعد كذلك في المدن. لقد اختل تواؤم نظام الإنسان الحيوي مع البيئة الحديثة.
للإنسان نظام بيولوجي معين يستطيع تخزين قدر محدد من الدهون. فإذا حاول الشخص إنقاض الوزن فإن الجسم يعمل بقوة لضمان استعادة ذلك القدر من الدهون.
أثبتت دراسة الأشقاء والتوائم الأثر الكبير للجينات في تحديد القابلية للسمنة، حيث نجح بعض الباحثين في جامعة كولومبيا في تحديد بعض الجينات التي تؤثر على طريقة تنظيم المخ لتناول الطعام. حيث نجح التحليل الجيني في تحديد عدة جينات تدخل في هذه العملية. علم الجينات وحده لا يجزم بأن يكون شخص ما سميناً، ولا يفسر الزيادة الدراماتيكية في عدد البدناء في العقود الحاضرة، ولكن الجينات تساعد في تفسير لماذا يكون بعض الناس أسمن من البعض الآخر حينما يشتركون في نفس الظروف.
نفس الآليات المساعدة على السمنة تمنع في نفس الوقت من فقدان الوزن بسهولة. وقد سبقت الإشارة لدور هرموني الجوع والشبع. وقد أجريت دراسة أثبتت أنه حتى بعد سنة من إنقاص الوزن بالحمية، فإن مستويات هرمون اللبتين تبقى منخفضة، ومستويات القريلين (هرمون الجوع) مرتفعة.
ومما يؤدي لصعوبة إنقاص الوزن أن استثارة البدين بمنظر الطعام تزيد بعد إنقاص وزنه أكثر، ولهذا تفشل الحمية، وهذا ليس ناجماً عن ضعف الإرادة، ولكنه رد فعل بيولوجي صقل على مدى آلاف السنين. فأدت عملية النشوء والارتقاء إلى تجمع جينات مصمم للدفاع عن وزن الجسم لئلا ينقص عن حدٍ أدنى معين، ولكنه لا يمنع اكتساب الوزن. لكن كل معلومات علم الأحياء هذه لا تستطيع تفسير ظاهرة مميزة في وباء السمنة وهي علاقة السمنة بالتعليم.
الأغنياء والمتعلمون تعليماً جيداً نجحوا في ان يظلوا نحيفين أو على الأقل أقل بدانة من الأفقر منهم.
في أمريكا معدل السمنة لدى الأطفال أبناء خريجي الكليات العليا أقل من نصف معدلها لدى الأطفال الذين لم يتحصل آباؤهم على شهادات مدارس عليا.
هناك بحث أثبت العلاقة العكسية بين التعليم واحتمال الإصابة بالسمنة في أستراليا، وكندا، وإنجلترا.
في الدول الفقيرة تختلف الصورة قليلا: حيث يكون سكان الحضر الأكثر ثراءً أول من يسمن. ومع نمو الاقتصاد يصير الفقراء بدناء بأعداد كبيرة وعلى نحو غير متكافيء. تفسير ذلك ريما يكون اطلاع المتعلمين أكثر من غيرهم على الأمور الصحية، إضافة إلى أن لهم فرص وصول أفضل للأطباء والصالات الرياضية والحدائق والغذاء الصحي. وربما يكون الفقراء تحت ضغط عظيم يصعب عليهم مقاومة الطعام الرخيص اللذيذ المريح ذي الإعلانات القوية المؤثرة. وبغض النظر عن السبب، هناك الكثيرون من الفقراء وغير المتعلمين البدناء أيضاً. إذا توفر حل طبي سهل للبدانة فسيكون نعمة عظيمة للفقراء والأغنياء، ولكنه إذا توفر سيخلق رغبات أخرى.
3) وسائل التخسيس: جدل الحراجة والأدوية ونمط الحياة
الدكتورة لبنى إسلام ولدت في الإمارات العربية المتحدة، كانت تعاني من السمنة، وصارت نحيفة عندما كانت تدرس الطب بالباكستان، ولكن سريعاً ما “اكتسبت” وزنها مرة أخرى بعد عودتها لأبي ظبي، وهي تعزو ذلك لنمط الحياة المريح: الجلوس طوال الوقت تحت جهاز التكييف واستخدام العربات.
ولما بلغ مؤشر البدانة (مؤشر كتلة الجسم) لديها 38، وبلغ وزنها 109 كيلو جرام قررت إجراء عملية بالمعدة لإنقاص وزنها، ولكنها عانت من آثار جانبية كريهة بعد العملية، فقررة إجراء عملية ثانية صارت بعدها أكثر ارتياحاً، وهي الآن تزن 77 كجم. فصارت توصي مرضاها بالحل الجراحي.
جراحة البدانة هي تدخل دراماتيكي في الآلية الطبيعية للجسم البشري، وهي الإجراء الأقصى لحالة يمكن لمعظم المرضى الوقاية منها. ولكن مستشفى النور حيث تعمل الدكتورة لبنى شهد تزايداً في الطلب على مثل هذه العلميات. حيث يقوم جرّاح البدانة بإجراء سبع عمليات في الأسبوع. معظم المرضى تحت سن 35 سنة.
في مدينة (بيلو هورايزونتي) سادس أكبر مدن البرازيل سعى 15 ألف مريض للجراحة للتخلص من البدانة بمستشفى (سانتا كاسا) منذ عام 2008م وأجريت العملية لأقل من ألف منهم. المقلق هو الأقبال الكبير على الجراحة هناك. هناك سببان لهذا الإقبال:
الأول تفشي السمنة، والثاني فشل شركات الأدوية في التخلص من السمنة رغم نجاحها في علاج الأمراض الناجمة عنها. هذا الفشل ليست لنقص سوق الأدوية حيث يفضل الأمريكيون النحافة، ففي عام 2010م دخل أكثر من نصف الأمريكيين في نظام الحمية الغذائية، ولذلك إذا تم توفير دواء فسيحظى بإقبال فائق. ولكن الجهات المنظمة للدواء حظرت أدوية الحمية الغذائية أكثر مما سمحت بها. وفي 1977م طلبت إدارة الأغذية والدواء الأمريكية سحب دواء ناجح في مكافحة السمنة بسبب تأثيره على صمامات القلب. وكذلك ألغت فيما بعد أدوية أخرى خوفا من مخاطر قلبية أخرى. آخر دواء تمت إجازته هو دواء (أورليستات) كان في 1999م رغم آثاره غير المحببة على الجهاز الهضمي.
هناك ثلاثة أدوية جديدة:
الأول: يتكون من مواد تكبح الشهية، وأخرى تشعر المريض بالشبع.
الثاني: يجعل المريض يشعر بالشبع.
الثالث: يجمع بين دواء مضاد للاكتئاب وآخر مضاد للإدمان.
تبلغ نجاعة الدواء الأول أن استعماله لمدة سنة مع الحمية والرياضة يفقد المتعاطي 10,9% من وزنه، بينما يفقد الذين يتناولون دواءً وهمياً 1,6% من وزنهم.
وتبلغ نجاعة الدواء الثاني أن الذين يتناولونه مع الحمية والرياضة يفقدون 5,8% مقارنة مع 2,5% للذين يأخذون دواء وهمياً.
ومن الواضح أن مفعول هذه الأدوية ليس سحرياً.
أولاً: يتطلب استعمالها الالتزام بحمية غذائية وبالرياضة، وحتى مع هذا فإن الوزن المفقود قليل.
ثانياً: هناك أيضاً مخاوف بشأن السلامة، حيث رفضت بعض الجهات المراقبة للأدوية في أوربا السماح للدواء الأول بسبب مخاوف من تأثيره على القلب والجهاز العصبي المركزي.
ثالثاً: هذه الأدوية باهظة التكاليف لدرجة فاحشة، وليس من الواضح من سيدفع: أشركات التأمين، أم المستهلكون؟ حيث يكلف الدواء الأول 160 دولاراً في الشهر (أي ما يقارب 2 ألف دولار في السنة). وترى الشركة المنتجة أن خمس المرضى المحتملين هم ممن تشملهم مظلة التأمين.
جراحة المعدة:
جراحة علاج السمنة هي إجراء أكثر جذرية بنتائج أكثر دراماتيكية، حيث يربط الجزء العلوي من المعدة بشريط معدي ليقلل كمية الغذاء التي يستطيع المريض تناولها دون الشعور بالضيق. وفي النوع الأكثر شيوعا يتم تقسيم المعدة إلى كيس كبير وكيس صغير يتم توصيله مباشرة لمنتصف الأمعاء الدقيقة، حيث يعجّل الكيس الصغير شعور المريض بالشبع بينما يقلل المرور المباشر للطعام إلى الأمعاء الدقيقة من امتصاصه.
وهناك طريقة جديدة يقوم فيها الجراح بقطع ثلاثة أرباع المعدة ويستغني عنها، ويقوم بتثبيت الباقي، ويتم توصيل المعدة الجديدة الصغيرة بالأمعاء الدقيقة. ومن مخاطر هذه العملية سوء التغذية، وتسرب محتويات المعدة للتجويف البطني. أجرت د. لبنى عملية الشريط المعوي، ولكن الألم والقيء دفعاها لإزالته، وفي مايو 2011م أجرت عملية تثبيت المعدة والتي تمكنها فقط من أكل ربع مقدار الطعام الذي اعتادت على أكله.
الدلائل على فعالية علاج البدانة بالجراحة آخذة في الازدياد:
ففي دراسة حديثة نشرت في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية، فقد المرضى الذين أجروا جراحة المعدة للبدانة 28% من وزنهم في فترة 6 سنوات بعد العملية، بينما زاد وزن المجموعة التي سعت للجراحة ولكن لم تجرها بنسبة 2%.
وكان احتمال الإصابة بالسكري وارتفاع ضغط الدم أقل لدى مرضى العملية الجراحية.
وفي دراسة امتدت مدى زمني أطول على مرضى سويديين ظهر أن معدلات الإصابة بالسكري وأمراض القلب والسرطان لدى الذين خضعوا لعملية التخسيس بالجراحة أقل من معدلاتها لدى الذين خضعوا لأشكال أخرى من العلاج.
ومع ذلك يرى د. إدوارد ليفنغستون، جرّاح البدانة ومحرر مجلة الجمعية الطبية الأمريكية ضرورة إجراء دراسات أكثر وأكبر ولمدى أطول قبل تعريض ناس أكثر لجراحة تتضمن تغييرات أساسية في التركيب الطبيعي للجسم. وخلافاً للرأي السابق ففي بعض الأقطار هناك تساهل في معايير أهلية المرضى لجراحة البدانة. ففي العام الماضي أذنت الجهات الرقابية الأمريكية باستخدام أشرطة المعدة لمرضى تعتبر حالاتهم أقل من درجة السمنة الخطيرة.
وسائل أخرى:
وتستمر الأبحاث على الطرق الطبية الأخرى لمحاربة السمنة، حيث يشير فيليب سميث المدير المشارك لأبحاث السمنة بالمعاهد الوطنية الأمريكية للصحة إلى فهم جديد للعلاقة بين السمنة وبعض أنواع البكتريا.
ترتبط بعض أنواع البكتريا بالتسبب بالسمنة، بينما يؤدي البعض الآخر عملاً مفيداً يساعد في هضم الغذاء.
وقد وضّح جيفري غوردون من جامعة واشنطن أن نقل الباكتريا من الفئران السمينة للنحيفة يجعل الأخيرة تصير سمينة. الآن يحاول العلماء عكس الخدعة، هذا العمل يحتاج لتحسينات، ولكن إن نجح ربما كان أفضل من الجراحة الجذرية.
بينما تتحسن وسائل العلاج ينبغي على الحكومات أن تقرر ما إذا كان بوسعها دفع التكاليف. شركات التأمين تبدو غير راغبة في الدفع.
لن نستطيع الأدوية والجراحة التخلص من وباء السمنة لوحدهما لذا فإن الأمر يستحق البحث عن وسائل أخرى، فهناك مرضى يخافون الجراحة وهناك من لا يجدون وقتا للرياضة.
اخبث أثر للسمنة هو إمكانية الاصابة بأمراض مزمنة، انقاص الوزن ولو لدرجة قليلة له آثار كبيرة للغاية فعلى سبيل المثال تقل احتمالية عودة سرطان الثدي للآئي يتعافين منه ويخضعن لحمية غذائية ويفقدن 3 كيلو جرام تقل الاحتمالية بنسبة 24%.
ولكن طالما بقى كثير من الناس بدناء فإن الأمراض المرتبطة بالسمنة تمثل تجارة كبرى لشركات الأدوية.
4) السمنة: عبء تحمله الحكومات وفرصة تقتنصها الشركات
في وقت ما في الماضي لم يكن الغذاء متوفراً للجميع فكان ينظر للسمنة كآية من آيات الغنى. الآن صارت السمنة مشكلة، إذ أصبح من المعروف أن البدانة واتساع الخصر يرتبطان بارتفاع ضغط الدم وارتفاع السكر وزيادة الكلوسترول والدهون في الدم وهذا ما يسميه العلماء متلازمة خلل التمثيل الغذائي التي تزيد من مخاطر الاصابة بالسكري وأمراض القلب واسقام أخرى.
والسمنة ليست عبئا يحمله الأفراد فقط ولكنها أيضا عبء على الحكومات التي تصرف على الرعاية الصحية.
تقاس السمنة بمؤشر هو (مؤشر كتلة الجسم) وهو صيغة رياضية يتم فيها قسمة الوزن بالكيلو جرام على مربع طول الفرد بالمتر، وهو مقياس ليس مثالياً إذ ربما كان وزن الفرد ناجما عن كتلة العضلات مثلما هو الحال عند الرياضيين وليس بالضرورة عن كثرة الشحم.
وجد الباحثون أن أماكن تخزين الشحوم أكثر أهمية من كميتها ووجدوا أن أكثر هذه المناطق أذىً حيث تتخزن حول البطن.
وهناك دراسة اجريت في جامعة تكساس اثبتت ارتباط كمية الدهون الكلية بالسكري على عكس الدهون المتراكمة في الاحشاء.
والانسجة الدهنية ليست مستودعا خاملا للدهون ولكنها تفرز هرمونات تزيد الالتهابات التي تؤدي إلى تعطيل كثير من الأعضاء، وتفرز كذلك احماضاً دهنية فتذهب للكبد حيث تتراكم فيها مما يؤدي لتليفها وفشلها في النهاية في أداء وظيفتها.
ومن السمنة نشأ مرض جديد لم يكن معروفا وهو (مرض الكبد الدهني اللاكحولي) حيث صُك المصطلح في عام 1986م والآن تبلغ الاصابة به ثلث السكان في أمريكا.
كذلك تؤثر السمنة على مستويات الانسلين في الدم. وكما هو معلوم فإن الانسلين يفرزه البنكرياس وله عدة وظائف أهمها توصيل السكر لخلايا الجسم لمدها بالطاقة.
يحول التخزين الخاطئ للدهون دون استجابة الخلايا للانسلين مما يحث البنكرياس على ضخ المزيد منه. وفي النهاية ترتفع مستويات السكر في الدم- نتيجة لعدم الاستجابة للانسلين- وتخرج عن السيطرة مسببة السكري.
ومن مضاعفات السكر العالي في الدم الاصابة بالعمى بسبب تورم الاوعية الدموية أو نموها على الشبكية، كما يؤدي لاصابة الكلى حيث تغمر الكلية وهي المصفاة الطبيعية للجسم بكمية من السكر أكبر من طاقتها. وكذلك يؤدي ارتفاع السكر لفقدان الأطراف نتيجة لتدمير الأعصاب والاوعية الدموية الطرفية.
أما زيادة الانسلين فهي الأخرى ذات أضرار، حيث يكون المصابون بالسكري والبدناء أكثر عرضة للاصابة ببعض أنواع السرطان، ويعزى هذا لزيادة الانسلين الذي يمد الخلايا السرطانية بالجلكوز اللازم لتكاثرها.
أكدت دراسة كبيرة اجريت على فترة زمنية طويلة (منذ السبعينيات) أن الذين زاد وزنهم في تلك الفترة من 5 إلى 11 كيلو جرام أكثر عرضة للاصابة بأمراض السكري وضغط الدم وأمراض القلب بمعدل يفوق 3 اضعاف الذين حافظوا على أوزانهم خلال نفس الفترة.
وقد ثبت أن نوع الطعام أهم من عدد السعرات الحرارية الموجودة فيه حيث وجد أن معظم المشاكل المتعلقة بالسمنة تسببها الوجبات السكرية ومشاكل زيادة الانسلين.
وبغض النظر عن الآلية فإن تزايد معدل السمنة له علاقة وثيقة بزيادة مرض السكري، تتسبب السمنة في 44% من حالات السكري و23% من الذبحات القلبية وأكثر من 40% لبعض أنواع السرطان. ومن هنا يقع العبء على الحكومات في توفير وتقديم الرعاية الصحية.
أما الوضع في الدول النامية اصعب حيث أن 80% من الوفيات بمرض السكري تحدث في الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل. فقد يتوفر العلاج ولكن لا تتوفر القدرة المالية في الحصول عليه.
يموت المرضى بالأمراض المزمنة في الدول الفقيرة في سن أصغر من نظرائهم في العالم الغني.
وترتبط بدانة الأمهات – في أفريقيا جنوب الصحراء بمعدلات عالية لوفيات الأطفال.
كذلك للأيدز ولأدويته مضاعفات من ضمنها تسريع الاصابة بالسكري.
ويمثل السكري مشكلة كبرى بالصين حيث يبلغ عدد المصابين به 92 مليون صيني بالغ، 40% منهم مشخصون والبقية تحمل المرضى دون علمها!.والرقم آخذ في الازدياد. وكذلك ارقام المصابين بالسمنة في الصين نتيجة لتسارع شيخوخة السكان والنهم للسجائر وعوامل أخرى.
تقوم خطة الحكومة الصينية على حث الناس على التمارين الرياضية وتقليل معدلات السمنة وتحسين رعاية مرضى السكري وضغط الدم وحث الناس على الأكل الصحي.
هذا العدد الكبير من المصابين يشكل فرصة لشركات الدواء والفحص الطبي، حيث يقدر “سوق” السكري اليوم بما قيمته 35 مليار دولار وسيصل إلى 58 مليار دولار عام 2018م (بزيادة 66%).وسيرتفع عدد مرضى غسيل الكلى بأكثر من 6% سنويا بين 2011-2020م .وكذلك الحال في تاثير السمنة على أمراض القلب بالنسبة لشركات ادوات القلب المصنعة للصمامات ومنظمات ضربات القلب والدعامات.
وهناك أدوية الكوليسترول وأدوية مساعدة الجسم على الاستجابة للانسلين وتصنيع الانسلين وغيرها، وفي هذا الصدد فقد تعاقدت فرنسا مع شركة أمريكية لتقديم الرعاية لمرضى السكري الفرنسيين.
وقد أبدت كثير من الشركات رغبتها في المساعدة لتحقيق المنفعة المتبادلة حيث تقوم بعض الشركات الغربية بتدريب الاطباء في الصين وإجراء الفحص المجاني وفي النهاية يسهم مثل هذا في تحقيق مبيعات أعلى لأدوية الشركة مع تقديم خدمات أرخص للمرضى.
ومثال آخر هو شركة (نوفو نورديسك) الدينماركية التي قررت اعطاء أعمالها في الصين أولوية حيث يقال أنها ستنفق 100 مليون دولار لانشاء مركز بحثي جديد في بكين وقد ساعدت في تدريب أكثر من 220 الف طبيب ونتيجة لذلك فهي تستحوذ على 62% من السوق الصيني لأدوية السكري، ومثل هذا العمل يتم لشرطات أخرى في الهند وجنوب افريقيا وغيرها.
تنظر هذه الشركات لهذه البلاد كسوق بديلة حيث قلت الأرباح في الغرب تتجه لانتهاء فترة احتكار الامتياز بموجب قوانين براءة الاقتراع.
هذا الامر دفع بعض المنظمات العاملة في حماية حقوق المرضى والمستهليكن للتخوف من مثل هذه الشراكات لأنها تقوم على الترويج لمنتجاتها حتى ولو كانت أغلى من غيرها. ويشكل سعر الأدوية هاجسا في الدولة النامية حيث تتوفر الأدوية نفسها ولكن التخلص من المسؤول الأول عن تلك الأمراض (السمنة) يحتاج لمساعدة شركات أخرى هي شركات الأغذية التي لن تتعاون في هذا الأمر!.
5) أبوظبي: صغيرة، غنية، وزائدة الوزن
كيف عالجت أبوظبي مشكلتها مع السمنة
في أبي ظبي، وهي أكبر إمارة في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتم اتخاذ إحدى أكثر الخطط طموحاً لمكافحة الأمراض المزمنة. ما يقارب واحد من كل خمسة من سكان دولة الإمارات العربية المتحدة مريض بالسكري. وأبو ظبي صغيرة بما يكفي وغنية بما يكفي لمعالجة هذه المشكلة بصورة شاملة. يساعد على ذلك وجود نظام سياسي من الأعلى إلى الأسفل.
في عام 2006 وظفت الإمارة أوليفر هاريسون، وهو طبيب نفساني وكان حينها خبيرا استشاريا في (شركة) ماكينزي، وظفته في هيئتها الجديدة للصحة للمساعدة في معالجة الأمراض المزمنة. وعندما دشنت الحكومة مشروع التأمين الصحي في عام 2008، أتاحت لكل المواطنين البالغين فحصا شاملا. بحلول مايو 2010 التحق بالبرنامج 92٪ منهم. وكانت النتائج مثيرة للقلق.
خمسة وثلاثون بالمائة من الذين تم فحصهم كانوا يعانون من السمنة و32% منهم كان وزنهم زائداً. كانت هذه الأرقام مشابهة لتلك التي في أمريكا، ولكن ما يثير القلق أن الإماراتيين كانوا أكثر بدانة في الأعمار الأصغر. حوالي 18٪ من المفحوصين كانوا مرضى بالسكري، و27٪ آخرون كانوا مهددين بخطر الإصابة به.
ظل الدكتور هاريسون وزملاؤه يعملون على تحسين الرعاية المقدمة. تم إعطاء المرضى بطاقات للأداء فيها عدد من المؤشرات، بما في ذلك مؤشر كتلة الجسم BMI، وخطر مرض السكري، وعادات التدخين. اختبرت شركة التأمين في أبي ظبي “ضمان” برامج للمساعدة على إبقاء حالة المرضى تحت السيطرة. ومن مقر شركة التأمين، تدعو ميثاء آل خليفة المرضى طوال اليوم للتأكد من أنهم يتبعون تعليمات أطبائهم بشأن النظام الغذائي (الحمية) والأدوية.
ولكن حتى في أبي ظبي فإن الأمور لم تسر وفقا للخطة تماماً. في تجربة ضمان الأولي فإن أقل من نصف المستحقين للدخول في برنامج مرض السكري والسمنة وقّعوا للدخول فيه. ويقوم الدكتور هاريسون وزملاؤه الآن بإعداد خطة أكثر شمولاً. إنهم يتوقعون إطلاق منصة متحركة جديدة في مايو المقبل، فيها مجموعة من الأدوات لربط المرضى بأطبائهم ورصد اتباعهم للحمية وممارسة الرياضة. سيتم تسجيل المرضى الذين يعانون من الأمراض المزمنة تلقائيا في برنامج معين ويتم إعطاؤهم شهر واحد فقط للانسحاب منه. وسوف تقوم السلطات الصحية بالدفع لمديري البرامج فقط إذا حسنوا صحة المرضى. ويأمل الدكتور هاريسون أنه في الوقت المناسب سوف يصير نهج أبي ظبي العلمي نموذجاً لحكومات أخرى.
6) شركات الأغذية: الفكر مقابل الغذاء
شركات الأغذية تلعب دورا متناقضاً في مكافحة الشحم
لدى نستله، أكبر شركة غذاء في العالم، طرق مبتكرة في الوصول إلى أركان العالم البعيدة. إحداها العمل عبر أشخاص مثل فلافيا ميديروس، وهي موزعة بالقطاعي في ساو باولو. إنها تبيع للبرازيليين الذين لا يبدو من الوهلة الأولى أن لديهم المال أو الميل لشراء منتجات نستله. مخزن السيدة ميديروس مكدس جداً بمنتجات نستله من الحبوب، الزبادي، والحلويات والحليب والشوكولاته وحليب الأطفال. موظفوها المحليون يبيعون منتجاتها بالطواف على البيوت، غالبا مع سندات دين توفرها الشركة. وفي برنامج مماثل، لدى الشركة قارب كبير يمخر الأمازون صعوداً وهبوطاً، يبيع المواد الغذائية المعلبة والآيس كريم للسكان الذين يعيشون على ضفافه. وتفكر نستله في إضافة قارب آخر. مثل هذه التقنيات في البيع تصيب بعض دعاة الصحة بالسكتة.
بالنسبة لشركات الأغذية والمشروبات، فإن ارتفاع معدلات البدانة تشكل معضلة.
الشركات لديها واجب إزاء مساهميها بكسب المال. كل شركات الأغذية الكبرى تعمل جاهدة لبيع المزيد من المنتجات لمشترين أكثر في العالم. الكثير من المنتجات غير الصحية مربحة جداً. ولكن الشركات لا تريد أن تتعرض للتشهير لمساهمتها في جعل الناس أكثر بدانة ويلوح شبح الضوابط الحكومية بشدة. العديد من الشركات الآن متناقضة، حيث تستمر في بيع المنتجات غير الصحية، ولكن أيضا تروج لخطط مفصلة لتحسين التغذية. إنهم يصرون على أنهم سوف يساعدون على خفض نسب السمنة، وليس رفعها، ولكن هناك مجال للشك في ذلك.
قدرت مؤسسة البحث “يورومونيتور” أنه وعلى مدى العقد الماضي قفزت مبيعات الأغذية المعلبة في جميع أنحاء العالم بنسبة 92٪ لتصل إلى 2.2 تريليون دولار هذا العام. وبلغت المبيعات في البرازيل والصين وروسيا ثلاث إلى أربع أضعاف مستواها في عام 2002. وتقدم العديد من شركات الأغذية المنتجات المخربة والصحية على حد سواء، كما في زبادي نستله اليوناني.
أما المشروبات الغازية فمسألة أخرى إذ تسيطر شركتا الكوكا كولا وبيبسي كولا على ما يقارب 40٪ من سوق المشروبات الغازية في العالم.
قد زادت مبيعات المشروبات الغازية في جميع أنحاء العالم إلى أكثر من الضعف خلال العقد الماضي، لتبلغ 532 مليار دولار؛ وفي الهند والبرازيل والصين فإن مبيعات المشروبات الغازية زادت لأكثر من أربعة أضعاف. هذا أمر مثير للقلق، نظراً لأن المشروبات السكرية تسببت في ما لا يقل عن 20٪ من زيادة الوزن في أميركا بين عامي 1977 و2007، وذلك فقا لغيل وودوارد لوبيز وزملائها في جامعة كاليفورنيا، بيركلي.
أرقام المبيعات اللافتة هذه تبدو آخذة في مزيد من الارتفاع. تشتري نستله شركات محلية في الصين وتقوم بتكييف أعمالها على السوق الصينية. العديد من الصينيين يجدون القهوة مرة جداً على مذاقهم، لذلك تقدم شركة نستله مشروب قهوة يشبه طعم الآيس كريم المذاب. وقسمت “كرافت”، شركة الغذاء العملاقة، نفسها إلى قسمين في أكتوبر. موندليز الدولية، الشركة الجديدة التي تنتج الآن بسكويت أوريو المحبوب، تضغط من أجل الهيمنة على سوق الوجبات الخفيفة في العالم. فهي تخطط لزيادة استثماراتها في الأسواق الناشئة، التي تحصل منها على 44٪ من عائداتها.
سلسلة مطاعم الوجبات السريعة، أيضا، انتشرت جداً الآن في الأسواق النامية.
ماكدونالدز الآن موجودة في 119 بلداً. يم براند Yum! Brand، وهي صاحبة كنتاكي KFC، وتاكو بيل وبيتزا هت، تستمد 60٪ من أرباحها من العالم النامي، وتظل الكثير من إمكانات النمو باقية. ويوضح ديفيد نوفاك الرئيس التنفيذي ل”يم YUM!” أن الشركة لديها 58 مطعماً لكل مليون من الأميركيين، مقارنة بمطعمين فقط لكل مليون من الناس في الأسواق الناشئة.
ولكن حتى وهي في توسع مستمر، فإن شركات الأغذية حريصة على إظهار أنها تأخذ مشكلة السمنة على محمل الجد. أعطى التحالف الدولي للأغذية والمشروبات (IFBA)، وهو مجموعة تجارية من عشرة عمالقة بما في ذلك شركة كوكا كولا، وشركة مونديليز، ونستله، وعوداً عالمية بصنع منتجات أكثر صحية، وبالإعلان عن الطعام بمسؤولية، والترويج لممارسة الرياضة. وتُبذل تعهدات أكثر تحديدا في البلدان الغنية، حيث معدلات السمنة أعلى والتفتيش أكثر دقة. ووقعت 21 شركة في انكلترا “اتفاق مسؤولية” مع وزارة الصحة، يلزمها بمساعدة الناس على استهلاك سعرات حرارية أقل. وفي أمريكا، حيث أكبر وأكثر سوق مراقب عن كثب، وعدت 16 شركة بخصم 1.5 تريليون من السعرات الحرارية من معروضاتها بحلول عام 2015 (وهو رقم يعتمد على حساب تقريبي لكمية السعرات التي يجب على الأمريكي العادي خفضها من غذائه ليصير صحياً. لكل شركة خطة خاصة بها لتحسين التغذية، بعضها أكثر قوة من غيرها.
هناك ثلاثة طرق لذلك: إزالة المكونات السيئة، إضافة مكونات جيدة أو طرح منتجات جديدة. كرافت تقول انها قد جاءت ب 5،000 من المنتجات الصحية منذ عام 2005، إما عبر تحسين وصفة المنتجات الموجودة بالفعل في السوق أو إطلاق أخرى جديدة. وخفضت شركة كوكا كولا متوسط عدد السعرات الحرارية في مشروباتها بنسبة 9٪ منذ عام 2000 وتستمر في دراسة أنواع جديدة من المُحلِّيات منخفضة السعرات الحرارية، بالإضافة إلى تلك التي تستخدمها بالفعل. جوناثان بلوم، الذي عين رئيسا لضباط التغذية في “يم براند” يقول إنه يراجع بشكل منهجي عروض مطاعم الشركة يسميه أركانها الثلاثة: الاختيار، والشفافية، والمحتوى الغذائي. نستله، على وجه الخصوص، تريد أن ينظر إليها باعتبارها شركة تنتج غذاءً صحياً. ويوضح فوت جانيت رئيس الشئون العامة في نستله، والذي كان يعمل في منظمة الصحة العالمية “بأنها إستراتيجية جوهرية للعمل”. وقد أقامت الشركة معهداً جديداً للجمع بين بحوث التغذية والطب الحيوي، على أمل خلق أطعمة ذات فائدة طبية. إن نستله تدرس مشروعها التجاري بالكامل للتأكد من أن منتجاتها أكثر صحية وألذ من منتجات منافسيها المباشرين.
هناك عاملان رئيسيان يقيدان مجهود تقديم منتجات صحية: أولاً، ليس هناك اتفاق على كيفية تعريف الغذاء الصحي على التوالي. واضح أن الجزرة صحية وأن المشروب الغازي الحلو ليس صحيا، ولكن الفرق ليس دائما واضحا على هذا النحو. ويمكن أن تقلل الشركة محتوى السكر من البسكويت، ولكن هذا لا يجعله صحياً. وقد يكون الهمبرغر “كثيف الطاقة” كما يراه اختصاصيو التغذية، بما فيه من سعرات حرارية كثيرة، ولكن له بعض القيمة الغذائية. وحتى مخبوزة الأوريو المقلية، جلّة الدهون والسكر، فإنها لن توقع المستهلك في السمنة إذا كان لا يأكلها إلا لماماً.
إن حالة عدم اليقين بشأن ما هي الأطعمة الصحية وغير الصحية تجعل من الصعب قياس مدى التقدم الذي تحقق في صناعة الأغذية. نستله لديها نظام مفصل ب”التصنيف الغذائي” لتحديد ما إذا كان المنتج مكوناً مناسباً في الغذاء الصحي، وتفتخر أن 74٪ من عروضها تجتاز الاختبار. ويتأهل لذلك قضيب صغير من شوكولاتة كيت كات.
اجعلني فاضلاً، ولكن ليس الآن
المشكلة الثانية لصناعة الأغذية هي التوقيت. ربما تقول الشركات العامة إنها تريد تقديم أغذية صحية على المدى الطويل، ولكن لديها مسؤولية أمام المساهمين فيها لزيادة الأرباح على المدى القصير. وحتى بينما تطور الشركات منتجات مغذية، فسوف تظل تسوق المشروبات الغازية ورقائق البطاطس حتى يتوقف المستهلكون عن شرائها. لقد تضاعفت مبيعات المنتجات المسماة “الأفضل لك” إلى أكثر من الضعف خلال العقد الماضي، وهي المنتجات التي تعرفها يورومونيتور بأنها الأطعمة التي تم تعديلها لتحتوي كمية أقل من السكر والدهون أو الملح من تلك الموجودة في منتجات مماثلة. وحتى مع ذلك، بلغت نسبة هذه المنتجات 7٪ فقط من مبيعات المشروبات المعلبة والمواد الغذائية في العام الماضي. لقد حذر السيد بلوم من شركة “يم” من إجراء العديد من التغييرات بسرعة كبيرة جدا. وكما يقول فإن “هذه ليست حلبة سباق سريع،” “المستهلكون يقولون إنهم يريدون تناول طعام صحي، ولكن سلوكهم لا يتغير كثيرا ويضيف: “إننا نفتخر بالمحمّر، ونحن مفتونون بالطوة (المقلاة)”.
لقد شهدت شركة بيبسي كولا التجربة الأكثر صخباً في هذه الصناعة. إندرا نويي، التي أصبحت رئيسة الشركة التي تعمل في مجال المشروبات الغازية، ورقائق البطاطس في 2006، قررت بيع منتجات صحية. استأجرت ديريك ياش، الذي كان يعمل في مجال التبغ والنظام الغذائي في منظمة الصحة العالمية، وحددوا أهدافاً جريئةً للحد من الملح والدهون المشبعة والسكر المضاف في منتجات الشركة. في عام 2010 تجنبت شركة بيبسي كولا الإعلان عن مشروباتها السكرية في أميركا خلال الدوري الأمريكي لكرة القدم (السوبر بول)، وأطلقت حملة تسويقية لقضايا اجتماعية بدلا من ذلك. بدأ المساهمون في الثورة. لقد أرادوا من شركة البيبسي كولا أن تعطي دعمها الكامل لصنع المنتجات التي تأتي بالمال سواء أكانت صحية أم لا.
وبالتالي اضطرت السيدة نويي للتراجع. وفي فبراير لم تكتف شركة البيبسي كولا بالإعلان في السوبر بول وحسب، بل ورعت عرض السوبر بول بين الشوطين. وفي سبتمبر ظهرت السيدة نويي على السي إن بي سي CNBC، وهي شبكة أمريكية متخصصة في التجارة مظهرة نفسها على أنها من عشاق كرة القدم. قائلة “لا يمكنك مشاهدة المباراة من الديوان بدون تناول رقائق بطاطس دوريتوس، وبيبسي، وليز”.
غادر الدكتور ياش شركة البيبسي كولا في أكتوبر لقيادة مؤسسة فكرية في “مجموعة الحيوية”، التي تدير برامج للحوافز الصحية. وقال بعد أسابيع قليلة من مغادرته، إن كلا من المستثمرين والمدافعين عن الصحة عليهم أن يتحلوا بالمزيد من الصبر. لقد ظل البحث الغذائي لمدة عقود يركز على المذاق، وليس التغذية، وبالتالي “فإننا نتحدث عن تغييرات جذرية جدا.” ولكي تحقق الاستثمارات في الأطعمة الصحية النجاح، فإن التنفيذيين بحاجة لمنحهم الوقت الكافي والدعم التسويقي.
البعض يريد أن يرى التقدم أسرع والتنظيم أقوى. كيلي برونيل من جامعة ييل يعتقد أن شركات الأغذية ستواصل في ضخ الأطعمة غير الصحية. إنها تتعرض لضغوط لبيع أكبر كمية ممكنة من الطعام، والبحث في جامعة ييل يظهر أن الأطفال أكثر إقبالا على التهام الأطعمة السكرية من تلك الأطعمة المفيدة. ماريون نستله من جامعة نيويورك (ليس له علاقة بشركة نستله) يعتقد أن شركات الأغذية لن تتغير ما لم تطالبها الحكومات بذلك. ” فأيديها مغلولة. ويمكنها أن تتغير بشكل محدود جداً بسبب القلق على أرباح المساهمين في المدى القصير”. ويقول الدكتور براونيل إن صناعة المواد الغذائية اتبعت أسلوب شركات التبغ، بالتأكيد على المسؤولية الشخصية وتمويل البحوث الصحية. لقد ساعدت وعود تقديم منتجات صحية والحد من الإعلان حتى الآن على درء التشريعات المنظمة ولكن هذا لا يسعد الجميع. يقول باري بوبكين من جامعة كارولينا الشمالية: ويقول أية قضية للضوابط الذاتية ونجح في حلها.
هناك قلق خاص تجاه الدور البارز الذي تلعبه شركات الغذاء في تشكيل خطط السياسيين لمكافحة السمنة. وكانت عدة وكالات حكومية في أمريكا تدرس مبادئ توجيهية طوعية للحد من تسويق الأغذية غير الصحية للأطفال، ولكن الضغط القوي تسبب في تأجيل الفكرة. وشركات الأغذية من بين الذين يقدمون وجهات نظرهم لمنظمة الصحة العالمية، التي تقدم المشورة للدول بشأن التغذية والسياسات الغذائية، وذلك عن طريق عملية “الحوار العام” التي تجريها المنظمة. على سبيل المثال، شجعت الشركات منظمة الصحة العالمية على تقديم قائمة تحتوي عدة خيارات لسياسات تسويق الأغذية، بدلا من وصفة محددة واحدة. كذلك أعطت شركات الأغذية المال لمنظمة الصحة العالمية فرع أمريكا، والتي على عكس رصيفاتها في أجزاء أخرى من العالم ليست لديها قواعد ضد هذه التبرعات.
هذا يجعل البعض في مقر منظمة الصحة العالمية في جنيف يرتعد. ولكن السيدة فوت من نستله تعتقد أن معظم شركات الأغذية تتصرف بشكل مناسب. المدافعون عن الصحة يريدون تغيير النظم الغذائية والشركات الكبيرة يمكنها المساعدة في ذلك. وتقول “نحن نقر أن هناك مناطق يوجد فيها تضارب مصالح، ولكن هناك أيضا المناطق التي يوجد فيها تلاقي في المصالح.” لقد أعلنت نستله والاتحاد الدولي للسكري (IDF) في أبريل أنهما سوف يتعاونان في التثقيف الصحي بشأن مرض السكري والوقاية منه. “هذا النهج هو بمثابة وصفة لاستمرار الأوضاع على ما هي عليه، والمزيد من السمنة والمزيد من السكري،” صاح الدكتور سوينبيرن و14 أكاديمي بارز آخر في مجلة لانسيت الطبية البريطانية. وردت آن كلينغ من الاتحاد الدولي للسكري بغضب قائلة “هذا ليس تبغاً”، “هذا شيء فعلناه بكثير من المراعاة”.
السؤال الكبير لصناعة الغذاء هو ما إذا كان يمكنها أن تستمر في كسب المال مع خفض السعرات الحرارية. تقرير الأداء الأول حول تعهد شركات المواد الغذائية بإزالة 1.5 تريليون سعرة حرارية من الغذاء الأمريكي يتوقع صدوره العام المقبل. المقيّم الذي تم تعيينه من قبل مؤسسة مستقلة، الدكتور بوبكين سوف يصدر حكمه حول أي المنتجات صارت أكثر صحة، وبأي مقدار، وعما إذا كان المستهلكون تحولوا ببساطة من منتجات أكثر فائدة غذائية إلى أخرى أقل صحية. ولكن “تعريفهم للصحي ليس مطابقا لتعريفي للصحي”، كما يقول.
الدكتور بوبكين قلق أيضا من أن صناعة الغذاء قد تغير ممارساتها في الدول الغنية ولكن ليس في البلدان الأفقر. تشكل المشروبات الغازية الخاصة بالحمية 22٪ من مبيعات كوكا كولا من حيث الحجم في أوروبا وحوالي الثلث في أمريكا الشمالية، ولكنها فقط 6٪ في أمريكا اللاتينية. وسوف يلقي تقرير آخر موعد تقديمه العام المقبل بعض الضوء على ذلك. وترعى يلكوم ترست ومؤسسة غيتس دراسة حول دور شركات الأغذية “في مكافحة زيادة الوزن وسوء التغذية في كل من البلدان الغنية والفقيرة. وإذا تباطأت الشركات في العمل فسيكون ذلك حافزاً قوياً للحكومات لأخذ زمام الأمور بأيديها.
7) ماكدونالدز: مؤشر البيج ماك Big Mac
يمكن لشركة البرقر أن تكون مقياسا للصناعة
ربما وصلت أقواس الماكدونالدز الذهبية إلى 119 دولة، لكن الشركة الأمريكية الأصل لا تزال تقيم في إحدى الضواحي الأمريكية الأصلية. وفي مقرها الرئيسي في أوك بروك، إلينوي، ترتبط مبانيها المنخفضة من الطوب بالمسارات الرعوية. ويتعلم الإداريون في جامعة الهامبورغر حكمة وطريقة ماكدونالدز في ممارسة البزنس. وتتم تسمية الممرات باسم الأصناف المدرجة في قائمة الأغذية؛ قد تجد نفسك في ممر المك نقت McNugget 2. وحتى الروائع الفرنسية تمت أقلمتها على مصطلحات الماك، ففي استنساخ للوحة جورج سيورا “الغراند جات”، لا تحمل المرأة في المقدمة مجرد شمسية ولكن كيس (حقيبة) الطعام المحمول الخاص بماكدونالدز.
لم تجسد أية شركة التحول في النظام الغذائي في أميركا بالدرجة التي جسدتها الماكدونالدز، ولم تٌشتم شركة من قبل المدافعين عن الصحة مثلها، ولكن حتى وقت قريب لم تتفوق عليها أية شركة للوجبات السريعة. في العام الماضي كانت ماكدونالدز أول مطعم للوجبات السريعة في أمريكا، بمبيعات بلغت أكثر من 34،2 بليون، أي أكثر من مجموع مبيعات سب واي، وستاربكس ويندي مجتمعة. ولكن في نوفمبر أعلنت الشركة أول انخفاض لمبيعاتها الشهرية منذ تسع سنوات، بعد ذلك سرعان ما أعلنت انها استبدلت رئيسها الأمريكي. وأمام زعيمها الجديد، جيف ستراتون، مهمة حساسة مقبلة.
تعودت ماكدونالدز على التعرض للهجوم. في عام 2004م، سجَّل الفيلم الوثائقي “اجعلني فائق الضخامة”، النتيجة المقززة للأكل في مطاعم ماكدونالدز لوحدها لمدة شهر. (ومنذها ألغت ماكدونالدز مبيعاتها فائقة الحجم من البطاطس المقلية والمشروبات الغازية.) في يناير قالت الشركة إنها توقفت عن استخدام لحوم البقر المعالجة بالأمونيا، المعروفة أيضا باسم “الوحل الورديpink slime “. لقد كانت هدفا لعدد من الدعاوى القضائية. في الآونة الأخيرة كان معظمها مرفوع بشأن الاستخدام المغري للعب في الوجبات السعيدة، وهي حزمة ماكدونالدز لوجبة الأطفال. رفض قاض الدعوى في أبريل. لكن على الرغم من هذه الجلبة فإن 25 مليون أمريكي يزورون ماكدونالدز كل يوم.
وبرغم ذلك، قدمت الشركة دفعة كبيرة لتعطي نفسها صورة أكثر صحة. لقد قللت مستويات الصوديوم في عروضها بنسبة 11٪ منذ العام الماضي. في مارس أعلنت أنها ستقدم التفاح وشرائح بطاطس مقلية أصغر حجما في وجباتها السعيدة. وقد استقدمت أيضا أصناف صحية أخرى، مثل (سلطة) الفاكهة والشوفان الخاصة بها. وتفسر سيندي جودي، خبيرة التغذية بالشركة، أن ذلك يساوي وجبتين من الحبوب الكاملة (الحكومة توصي بثلاثة على الأقل في اليوم). في سبتمبر قالت الشركة إنها ستبدأ بنشر السعرات الحرارية على قوائم الطعام، قبل الوقت الذي حدده قانون جديد قدمه باراك أوباما.
ولكن هل يشتري المستهلكون الوجبات الصحية التي يزعمون أنهم يريدونها؟ هناك القصة التحذيرية المتعلقة بماكلين ديلوكس، البيرقر قليل الدهن الذي اختبر بشكل جيد في التسعينات ولكنه فشل فشلا ذريعا في السوق. قال قريق واطسون نائب رئيس ماكدونالدز للتجديد في قائمة الطعام: “قالوا إنهم يريدونه، فأعطيناه لهم ولم يأكلوه”، ما يزال المستهلكون يحبون قائمة ماكدونالدز الأساسية. عندما ذهب المديرون التنفيذيون في جولة استماع في وقت سابق من هذا العام للتعرف على أفكار المستهلكين، طالبت أمهات كثيرات ماكدونالدز بتحسين التغذية ولكن طالبن أيضا الشركة عدم تغيير وصفات الأطعمة المفضلة مثل البق ماك أو الفرنش فرايز البطاطس المقلية، قال السيد واتسون “بعض الأصناف تحتاج فقط إلى أن تترك وحدها”.
والآن يدخل ماكدونالدز أصناف جديدة بحذر، يجربها فقط في مطاعم وأسواق قليلة ولفترة محدودة. إن تجربة إضافة العنب البري إلى وجبة دقيق الشوفان لن تتكرر في العام المقبل.
ويتفاءل دان كودريوت، رئيس الطباخين، بشأن ساندويتش بياض البيض أكثر منه بشأن كعكة الحبوب الكاملة.
ويوضح السيد واطسون بأن إحدى فوائد الأصناف الصحية هي أنها تجعل العملاء يشعرون بالارتياح تجاه علامة الماكدونالدز التجارية. بعضهم سوف يطلبون طعاما صحيا بينما يظل البعض يطلب بيرقره المفضل ولكنهم سيكونون أكثر سعادة بشأنه، مع العلم أن الشركة تقدم السلطات أيضا.
ويجري إدخال تغييرات أخرى، ببطء. تقول السيدة جودي إن الشركة قد تقلل من حجم عبوة الصودا الاكبر من 32 إلى 30 أوقية. في العام الماضي اختبر مطبخ السيد كودريوت برقر خضروات أحدث وأفضل. ويقول واطسون إنه “كان لذيذا”، و”لكن ليس من سبيل لأن يطلبه عملاؤنا اليوم.” لذلك لم يخرج البرقر أبدا من مطبخ الاختبار.
في مطعم موظفي ماكدونالدز، يشير رئيس الطباخين بفخر إلى برقر جديد تم إطلاقه في السوق الأميركية. بيرقر لحم الخنزير بالبصل الذي يتضمن حوالي 41 جم من الدهون، أي 62٪ من كمية الدهون التي يوصى بتناولها للبالغين يوميا.
8) تدخل الدولة: الاختبار الأكبر للدولة الدادة
هل ينبغي للحكومات أن تجعل مواطنيها يتريضون أكثر ويأكلون أقل؟
لقد ظلت نيويورك في طليعة المعركة ضد الانتفاخ. ويعتقد رئيس بلديتها مايكل بلومبرغ، أنه الأكثر معرفة، وهو ثري بحيث لا يهمه اعتراض الآخرين. وقد واجه معارضة كلامية عندما اقترح الصيف الماضي حظر بيع المشروبات السكرية في حاويات ضخمة. وفي جلسة استماع أجراها مجلس مدينة نيويورك للصحة، شهد مارتي ماركويتز، رئيس حي بروكلين، ضد خطة السيد بلومبرج قائلا “أنا لا أعاني من زيادة الوزن لأنني أشرب المشروبات الغازية بالعبوة الكبيرة، ولكن لأني بصراحة آكل المعكرونة كثيرا، وسندويشات البسطرمة، والبيتزا والخبز مع جبنة الكريمة، واللوكس (مقليات السالمون)، وكيكة المخمل الأحمر، وكعكة الجبن، ولا أمارس الرياضة كما ينبغي، وجيناتي تعمل ضدي. لقد كنت طفلا أعاني من زيادة الوزن وأنا الآن شخص بالغ أعاني من زيادة الوزن، وواصل معطيا حيثيات جديدة لفيلسوف القرن التاسع عشر جون استيورات مل الذي كتب حول حدود تدخل الدولة. قال السيد ماركويتز إن الحكومة “يمكنها أن تقوم بالتعليم، والإعلام والدعوة والإلهام، ولكنها لا ينبغي أن تكون صانعة القرار النهائي عندما يتعلق الأمر بخياراتي المفضلة.” كانت هناك ضجة، ولكن مجلس الصحة وافق على حظر السيد بلومبرج. وسوف يصبح نافذ المفعول في مارس ما لم توقفه المحاكم.
ويواجه السياسيون في جميع أنحاء العالم بنفس أسئلة السيد بلومبرج. كيف يمكن للحكومات أن تجعل مواطنيها يتعاطون سعرات حرارية أقل ويتريضون أكثر؟ وهل عليها المحاولة حتى؟ في الماضي ركزت الحكومات على علاج الأمراض بدلا من منعها. ولكن بينما تكبر أعمار العالم وتستدير أجسامه، تجذب الأمراض المزمنة اهتماما جديدا. لا مفر من الشيخوخة ولكن السمنة يمكن الوقاية منها، والتغيرات في السلوك يمكنها أن تجعل الناس الأكبر سنا أكثر صحة. في العام الماضي خصصت الأمم المتحدة اجتماعا كاملا لجمعيتها العمومية للأمراض المزمنة، بما في ذلك تلك الناجمة عن السمنة. ولكن كان هناك التباس حول ما يمكن للدولة أو ينبغي عليها القيام به. وقد وضعت منظمة الصحة العالمية منذها هدفا للحد من الوفيات الناجمة عن الأمراض المزمنة بنسبة 25٪ بحلول عام 2025. وعلى الحكومات الآن إيجاد سبل لتحقيق هذا الهدف.
يعتقد البعض ألا دخل للحكومات لتحدد للناس ما يأكلون وكيف يتحركون. أولئك الذين يبالغون في الأكل، مثل السيد ماركويتز، يستمتعون بذلك. ووفقا لميل فإن”الفرد ذو سيادة على نفسه، وعلى أجزاء جسمه وعقله.” ولكن ميل سمح لتدخل الدولة إذا كانت أفعال الفرد قد تضر بالآخرين. وكلما أكل كل شخص بكثرة، لا سيما اللحوم، كلما زاد الضغط على الإمدادات الغذائية. وحينما يتحول الأطفال زائدو الوزن إلى بالغين بدينين، يقلق الاستراتيجيون العسكريون بالفعل حول صحة جنود المستقبل وأصحاب العمل يتذمرون حول الإنتاجية.
وأكبر التكاليف تقع على الرعاية الصحية. وتتفاوت التقديرات بشدة، ولكن المعهد الأميركي للطب يعتقد أن الأميركيين ينفقون ما بين 150 بليون دولار و190 بليون $ سنويا على الأمراض المرتبطة بالسمنة. إن تكاليف الرعاية الصحية للمرضى البدناء أعلى بحوالي 40٪ من ذوي الوزن الطبيعي. وهذا ما جعل العديد من الحكومات أكثر ميلا للقيام بفعل. ولكن ماذا يمكنها أن تفعل؟
النموذج الواضح الذي يمكن الاقتداء به هو المعركة ضد التدخين، والتي حققت نجاحا على نطاق واسع، على الأقل في البلدان الغنية. بدأت الحملة في ستينيات القرن العشرين، غالبا بجهود رامية إلى تثقيف الناس حول المخاطر. في السبعينيات تم تعزيز حجة الوقف بتقديم الدليل على أن السجائر قد تضر بالأشخاص المجاورين. وتبعت ذلك تدابير أشد، بما في ذلك فرض حظر على إعلانات السجائر، وزيادة الضرائب والقيود المفروضة على الأماكن التي يمكن للمدخنين إشعال سجائرهم فيها. وحيثما تم اعتماد هذه السياسات، فقد انخفضت معدلات التدخين.
لكن محاربة السمنة أصعب بكثير من التدخين، كذلك فإن صناعة الغذاء تجد مقاومة الضوابط والقوانين أكثر سهولة. وحجمها ثلاثة أضعاف حجم صناعة التبغ. وليس للسجائر أي مكان في نمط حياة صحي، ولكن تناول الوجبات السريعة باعتدال، لا يزال يلعب دورا في الوجبات المتنوعة.
ولعل الأهم في ذلك، أن ما يتطلبه التوقف عن التدخين من الأفراد هو القيام بشيء واحد فقط: مقاومة إشعال سيجارة. ولكن الشخص الذي يريد أن يصير رشيقاً عليه أن يغير باستمرار مجموعة أوسع من العادات، بما في ذلك ممارسة الرياضة أكثر، وتقليل الأكل، واختيار أطعمة مختلفة. إن الشخص الذي أقلع عن التدخين لا يحتاج لالتقاط سيجارة مرة أخرى، ولكن الشخص الذي يحاول انقاص وزنه سوف يُغرى بالإكثار في الطعام مع كل وجبة. ويقول الدكتور سوينبيرن من جامعة ديكين إن “الفرق مع وباء السمنة هو عدم وجود سياسة واحدة يمكن التوصية بها تستطيع أن تخبرني كيف يجب أن أتصرف”.
لذلك تحاول الحكومات تكتيكات مختلفة. أحدها هو معاقبة البدناء على أحجامهم الزائدة. على سبيل المثال فإنه وفي محاولة لتقليل تكاليف الرعاية الصحية، يتوجب على أرباب العمل اليابانيين تقديم بيانات لقياس الخصر لجميع موظفيهم الذين يبلغون 40-74 سنة. فإن لم يقللوا من عدد العمال البدناء في كشف مرتباتهم، قد يغرّموا على ذلك. مثل هذا البرنامج لا يمكنه أن يصبح قانونا إلا في بلد نحيل. ولكن الشركات الأمريكية تعتمد بالفعل تدابير تشير لنفس الاتجاه، والحكومة تشجعهم عليها. على سبيل المثال، فإن السيفوي، وهي شركة بقالة كبيرة، تعطي الموظفين الذين لا يعانون من زيادة الوزن خصما على التأمين الصحي الخاص بهم.
ومع ذلك، ينصح كيفن فولب من جامعة ولاية بنسلفانيا بالحذر. فالعقوبة المصممة بفجاجة لا تقدم شيئا يذكر لتغيير السلوك. ما يجدي أكثر هو الحوافز المستمرة، وليس العقاب لمرة واحدة في السنة. إن العقوبات الصارمة تفترض أن البدانة ترجع إلى عدم وجود قوة إرادة، بينما تشير البحوث إلى أنها تتعلق أكثر بالبيولوجيا والظروف الاجتماعية والاقتصادية.
إن النهج الذي يفضله السياسيون هو دفع المواطنين إلى السلوك الصحي بجعله أسهل من السلوك البديل. “الأبوية الناعمة” أصبحت رائجة بشكل متزايد في جميع مجالات الحكومة. لقد كتب كاس سستين، (مدير البيت الأبيض) لباراك أوباما في فترة ولايته الأولى، كتابا حول الموضوع (التنبيه، مع ريتشارد ثالر). وقد كون رئيس وزراء بريطانيا، ديفيد كاميرون، “فريق تبصرة سلوكية” أو “وحدة إيعاز” لاقتراح استراتيجيات لمعالجة المشاكل الاجتماعية. إن التنبيه يحمل بشريات بالخير خاصة لمكافحة السمنة. بعض الشركات تحاول بالفعل القيام بذلك. على الحكومات أن تجد سياسات قوية لدرجة فعالة، وناعمة لئلا تثير الناس.
تشجيع ممارسة الرياضة هو أحد تلك السياسات. على سبيل المثال، أدخلت أبو ظبي، كجزء من حملة أوسع من أجل صحة أفضل، نظم جديدة في تخطيط المدن لإبطاء المرور وجعل الأرصفة أكثر جاذبية للمشاة. وأطلقت بريطانيا سلسلة من برامج التدريب المرتبطة بالاولمبياد. إن الخطة الأكثر طموحا في العالم لتعزيز ممارسة الرياضة في سبيلها للتنفيذ في البرازيل. ففي كل صباح في بيلو هوريزونتي فإن مجموعة من النساء يجرين حول ملعب لكرة السلة ويرفعن مجموعات متغيرة من الأثقال في “أكاديمية للصحة”. وبحلول عام 2015 سوف تكون دروس التمارين المجانية هذه متاحة في 4،000 موقعا في جميع أنحاء البلاد.
لكن، وبرغم بعض قصص النجاح، فإن الأكاديميين ما زالوا متشككين في أن ممارسة الرياضة وحدها يمكنها عكس اتجاهات السمنة، وذلك لأن السعرات الحرارية المحروقة عادة ما يتم تجديدها بوجبة أكبر في وقت لاحق. وكان يُعتقد في الماضي إن التمارين تقوم بتسريع عملية التمثيل الغذائي، مما يتسبب في حرق مزيد من السعرات الحرارية بالكامل. للأسف تشير الأبحاث إلى أنه لا يوجد شيء من هذا القبيل. يتفق معظم الخبراء الآن أن التغيير في النظام الغذائي هو السبيل الوحيد الأكثر فعالية لإنقاص الوزن.
ماذا تعرف؟
مرة أخرى، تحاول الحكومات كل أنواع الأشياء لاقناع الناس بالأكل الصحي بشكل أكثر. إن تزويدهم بمزيد من المعلومات، مثلما حدث مع التدخين يبدو بداية جيدة. كانت نيويورك أول مدينة في أمريكا تطالب سلسلة المطاعم بكتابة عدد السعرات الحرارية لكل وجبة. وسوف يمدد قانون أوباما الصحي الجديد هذه القاعدة إلى جميع أنحاء البلاد. ولكن الأدلة متضاربة على تأثير وضع العلامات على قوائم الطعام. وجدت دراسة في المجلة الطبية البريطانية أن 15٪ فقط من العملاء استخدموا معلومات السعرات الحرارية في نيويورك لاتخاذ خياراتهم، ورغم ذلك فإن أولئك الذين استخدموها اختاروا وجبات تحتوي على سعرات تقل في المتوسط ب106 سعرة حرارية عن الباقين.
دراسة أخرى، في المجلة الأمريكية للطب الوقائي، قارنت المشتريات في مطاعم تاكو تايم، في الأماكن التي كانت فيها معلومات السعرات الحرارية إلزامية، وفي تلك التي لم تكن كذلك. ولم يبد أن لقانون قائمة الطعام أثرا كبيرا. يوضح دليل كانيمان، الحائز على جائزة نوبل والخبير العالمي الأول حول الموضوع: إنك إذا أردت تغيير السلوك بشكل عام، فإن “المعلومات لا تعمل، وبالتأكيد أنها لا تعمل بسرعة”.
كذلك فإن قواعد التسويق قد لا تعمل أيضا. في عام 2007 أصبحت بريطانيا أول دولة تفرض قوانين صارمة على تسويق الوجبات السريعة للأطفال، لكنها لم تحسن الوضع فيما يبدو. لقد وجدت ورقة حديثة في “بلوس ون”، وهي مجلة علمية، أن تعرض السكان لإعلانات الغذاء غير الصحي قد ازداد.
إن تغيير الطعام الذي يقدم في المطاعم المدرسية أكثر وعداً، والقيام به ليس صعبا للغاية. في البرازيل يشترط أن يكون ما لا يقل عن 70٪ من المواد الغذائية المدرسية طازجا أو في أدنى درجات التصنيع. اتخذت أمريكا قواعد جديدة لوجبات الغداء المدرسية في عام 2010، فيها إرشادات مفصلة عن كميات الدهون، الحبوب الكاملة، الفواكه والخضروات التي ينبغي أن تحتويها. وطالبت المكسيك المدارس بتقليل الوجبات، وخفض الأطعمة المقلية والملح، واستبعاد المشروبات السكرية. ولكن المدارس لا تلتزم دائما، فيما قال خوان ريفيرا من المعهد الوطني المكسيكي للصحة العامة.
أمريكا لديها مشكلة عكسية، حيث يحقق التنفيذ الصارم للقواعد نتائج غبية. قالت خبيرة التغذية المدرسية في كلينتون، ميسيسيبي، إنها وبسبب القيود المفروضة على الدهون تقوم أحيانا بإضافة مخبوزة لتلبية الحد الأدنى من محتوى السعرات الحرارية لليوم. واحتج طلاب في كنساس ضد قانون الغداء بعمل شريط فيديو بعنوان “نحن جائعون” ارتدت نجمته قميصا (تي شيرت) مكتوبا عليه “أحب اللحم”.
ميشيل أوباما، زوجة الرئيس الأميركي، هي أبرز قادة الحملات ضد السمنة في العالم. لقد ساندت قانون الغداء المدرسي جنبا إلى جنب مع مبادئ توجيهية غذائية جديدة. ولكن حملتها بعنوان “دعنا نتحرك!” كان لها عموما لمسة خفيفة، في محاولة للإقناع بدلا عن التنظيم. في نهاية المطاف فإن عملها ربما يدفع الطلب على المواد الغذائية الأكثر صحة. حكومات أخرى تتخذ نهجا مماثلا، بعضها وضع بعض الأهداف الطوعية.
ومع ذلك فإن بلومبيرج، يريد ان يتحرك بسرعة أكبر بكثير. جلبت نيويورك عشرات التغييرات لتعزيز الصحة. عربات الفاكهة منتشرة في المدينة. مسارات الدراجات الجديدة شجعت مجموعة أوسع بكثير من الناس على ركوب الدراجات. كل هذا قد يكون جبدا، كما يقول توماس فارلي، مفوض الصحة في المدينة، ولكن ما يمكنه أن يحدث فرقا حقيقيا بالنسبة للحكومة هو التقليل من استهلاك الطعام غير الصحي.
يدٌ أقوى
يتعرض ركاب مترو الانفاق في نيويورك لإعلانات تظهر المشروبات الغازية تتحول إلى شحم، مما قد يثني البعض منهم عن شراء العلبة القادمة. ولكن الطريق الأبسط والأكثر إثارة للجدل في اتجاه خفض استهلاك الغذاء غير المرغوب فيه هو جعله أكثر تكلفة. إن رفع الدعم عن الذرة هو الحل الذي يرًّوج له كثيرا. ولكن تقول ورقة كاتبها ريكارد برادلي من جامعة كورنيل إن إزالة الدعم الأمريكي للذرة وفول الصويا سوف ينتج فقط تراجعا صغيرا في استهلاك السعرات الحرارية.
الطريقة الأكثر فعالية لرفع الأسعار تكون من خلال فرض ضريبة. تفرض فرنسا الضرائب على المشروبات السكرية وتدرس فرض ضريبة على زيت النخيل. وتعاقب خزينة المجر ليس فقط على المشروبات الغازية بل وكذلك السكرية والأطعمة الدهنية.
لكن حتى الآن كانت هذه التدابير غير مدروسة أو خجولة جدا. ووفقا لورقة في المجلة الطبية البريطانية فإنه ولكي يكون لها أثر كبير، فلا بد من أن تكون الضرائب المفروضة من هذا النوع بنسبة 20٪ أو أعلى. وقد أعلنت الدنمارك مؤخرا أنها ستلغي ضريبة عمرها عام واحد على الدهون المشبعة وكذلك ضريبة سكر مخطط لهاد أدت ضريبة الدهون لتذمر الشركات وعربد تسوق الدهون بالخارج.
حاول السيد بلومبرج فرض ضريبة ثقيلة على الصودا، لكنها فشلت في المجلس التشريعي لولاية نيويورك. ومنذ ذلك الحين أصبح أول سياسي يحاول الحد من حجم عبوات المشروبات السكرية المباعة. ويقول ان الناس الذين يريدون أكثر من 16 أوقية من السائل (473 مل) من الصودا يمكنهم ببساطة شراء قارورتين. وليس من المستغرب أن سلسلة مطاعم الوجبات السريعة ليست سعيدة بذلك. ويقول السيد بلوم من شركة يم Yum! والذي سوف يكون على سلسلة مطاعمه: كنتاكي KFC، وبيتزا هت وتاكو بيل إلغاء مشروباتها بالحجم الأكبر. “أعتقد أن هذا نهج خاطئ تماما”، “إنه يقول لك إنك لست ذكيا لتعرف الأقل الصالح لجسمك. لقد صرف لوبي المشروبات الأمريكي أكثر من 2.5 مليون دولار لسحق ضريبة الصودا في مدينة صغيرة بولاية كاليفورنيا.
دعوات التغيير يجب أن تكون فعالة وإلا فسوف يستمر السياسيون في التجريب لمعرفة ما يصلح.
9) اختيارات السياسات: الإيعاز، الإيعاز:
أدوات جديدة لتشجيع السلوك المعقول
وبينما يستمر ازدياد عدد الناس زائدي الوزن، يزيد كذلك عدد الذين يحاولون تخسيسه. وفقا لبنك أمريكا ميريل لينش فإن سوق تخسيس الوزن الأمريكي البالغ 4 بليون دولار هو الأضخم في العالم. ويُعتقد أن مجمل صناعة الحمية تصل إلى نحو 65 مليار دولار. وفي المتوسط يحاول متبع الحمية الأمريكي انقاص وزنه أربع مرات في السنة. والحميات ليست في الغالب علمية بقدر ما تتبع هواجس ثقافية، هذا الجنون يسمح لصالات التمارين الرياضية أن تطالب ب 35 دولارا أو أكثر مقابل التمرين لمدة ساعة. علاوة على ذلك، ينتشر الهوس عالميا: فقد استنسخ “الخاسر الأكبر”، البرنامج الأمريكي المسلسل الذي يعرض المتسابقين وهم يتحملون قسوة التدريبات والحميات الغذائية، استنسخ مقلدين من ألمانيا إلى بروناي. وبرغم ذلك فإن إحصاءات السمنة تشير إلى أن أياً من ذلك لم يؤثر كثيرا على مساعدة الناس في إنقاص وزنهم. وهناك عدد قليل من الشركات تأمل في تغيير ذلك.
ظل أعضاء “مراقبو الوزن” ولسنوات يحصون ما يأكلون ويجتمعون أسبوعيا ليتلقون النصح والسند من قبل قائد من مراقبي الوزن ومن الأعضاء الآخرين. ويبدو أن لكل فعالية مقبولة. لقد وجدت ورقة نشرت العام الماضي في مجلة “لانسيت” أن الأشخاص الذين شاركوا في دورات مراقبي الوزن فقدوا ضعف الوزن الذي فقده أولئك الذين أوتوا المشورة من قبل أطبائهم.
ويحاول السيد كيرشوف الآن وضع الدروس المستفادة من الاقتصاد السلوكي. وفي برنامج جديد أطلق في وقت سابق من هذا الشهر سوف يقوم الأعضاء فيه بتسجيل وجباتهم وتمارينهم كالمعتاد، ولكن يقدم “مراقبو الوزن” أيضا أدوات جديدة لضمان أن تصبح القرارات الصحية هي الأساس .
أولا، سوف يطلب من الأعضاء استخدام تطبيقات الشركة لمتابعة ثلاثة مسارات صحية، مثل اتخاذ الفاكهة والخضروات كوجبات خفيفة. وسوف يرسل (مراقبو الوزن) رسائل تشجيع تلقائية.
ثانياً، وهو الأكثر صعوبة، سوف يحاول (مراقبو الوزن) مساعدة الأعضاء على إنشاء بيئة صحية. مثلا، وضع المخبوزات على الرف وليس الطاولة، أو استخدام تطبيقات (مراقبي الوزن) في إيجاد فنادق بخدمات غرف تقدم طعاما صحياً.
وبالفعل فإن شيئا مماثلا دعمته (ديسكفري)، أكبر شركة تأمين صحي في جنوب أفريقيا. أطلقت الشركة “برنامج الحيوية” الخاص بها في عام 1998، على أمل حماية المرضى من الإصابة بالأمراض. ويربح أعضاء برنامج الحيوية نقاطا على غرار نقاط إير مايلز (برنامج لتجميع النقاط التي اكتسبها وجمعها العميل تتيح له استخدامها لشراء تذاكر السفر) وذلك في كل شيء من الكشف عن ارتفاع السكر في الدم، إلى الذهاب لصالة الألعاب الرياضية.
ويقدم (مراقبو الوزن) عضويتهم بسعر مخفض. في سوبرماركت بك ان باي Pick'n'Pay، وهي سوبر ماركت متعاونة، تكسب العربة التي تحمل مواد بقالة مغذية المزيد من النقاط لدى بوابة الخروج، والمتسوقون أيضا يحصولون على خصم على الطعام. ويمكن لأعضاء برنامج الحيوية استخدام نقاطهم لشراء الالكترونيات والمجوهرات أو تذاكر الطيران. ووفقا لدراسة نشرت في المجلة الأميركية لتعزيز الصحة، قضى الذين شاركوا في برنامج الحيوية وقتا أقل في المستشفى وكان علاجهم أرخص.
في العام الماضي أعلن برنامج الحيوية التابع لديسكفري شراكة مع هيومانا، وهي شركة تأمين أمريكية. كما أن لديها مشاريع في بريطانيا والصين. وأحدث موظفيها هو ديريك ياش، وكان يعمل سابقا في منظمة الصحة العالمية وشركة البيبسي كولا. وسيقود “معهد حيوية” جديد، وهو عبارة عن مستودع فكري استشاري حول الصحة وتغيير السلوك. وكما يقول “فليس من شأنه فرض أي شيء على أي شخص، إنه بشأن جعل الخيار الصحي هو الخيار السهل.”
10) إحتواء السمنة: الدرس الأخير
ما المطلوب لجعل العالم أقل استدارة؟
غالبا ما سوف تكون ميشيل أوباما مسرورة إذا كان كل الأطفال مثل الطفلة بريشوس موور من كلينتون، بولاية ميسيسيبي. فبريشوس أتمت التاسعة للتو وطعامها المفضل هو الهمبرغر. ولكنها تحب الفواكه أيضاً. وتقوم هي وأمها بالمشي السريع معاً كل يوم. وتشرح ذلك بفخر “نحن دائماً نتريض، منذ أن كنت في الرابعة من العمر”. شقيقتها ذات السنوات السبع دائما ما تطالبها بالذهاب إلى ماكدونالدز، ولكن بريشوس لا توافق. تقول وهي تحك أنفها: “أنا لا أحب طعامهم على الإطلاق”.
قد تكون بريشوس وأمثالها هم أحد الأسباب في خفض معدلات البدانة في ولاية ميسيسيبي عن ارتفاعاتها الشاهقة. ففي عام 2005 كان حوالي 44٪ من تلاميذ المدارس الذين تتراوح أعمارهم بين 5-18 يعانون من زيادة الوزن أو السمنة، في العام الماضي انخفض الرقم إلى 41٪. في 2010م بدت معدلات البدانة في جميع أنحاء أمريكا، بين الأطفال والكبار على السواء، وكأنها تنخفض. ليس واضحا لماذا. ربما تكون المبادرات الأخيرة المضادة للبدانة قد ساعدت. يعتقد الدكتور ليبل من جامعة كولومبيا أن الأميركيين ربما يكونوا قد بلغوا أقصى الحدود البيولوجية للسمنة المتاحة لهم في بيئة الغذاء فيها رخيص والرياضة اختيارية. فأولئك الميالون للسمنة قد أصبحوا بالفعل بدناء.
وأيا كان التفسير للتحسن الطفيف، فإن المشكلة الأكبر لم تنجل بعيداً. في ولاية ميسيسيبي ينحفُ الأطفال البيض بينما الأطفال السود في استدارتهم الماضية. ولا تزال أحجام الصبيان والرجال الأمريكان تزداد، وكذلك النساء الأمريكيات السوداوات ومكسيكيات الأصل. وفي معظم بقية أنحاء العالم يبدو أن الناس لا يزالون يزدادون بدانةً بشكل أسرع.
وفقا لما ذكره الدكتور ستيفنز من منظمة الصحة العالمية، والدكتور عزتي من كلية امبريال في لندن، فإن معدلات البدانة تضاعفت تقريبا في جميع أنحاء العالم في الفترة من 1980 وحتى 2008، إلى 12٪. وتركزت نصف الزيادة في غضون ثماني سنوات فقط، من عام 2000 إلى عام 2008. كان الارتفاع الأسرع للنساء في أوقيانوسيا وأجزاء من أمريكا اللاتينية، وللرجال في أمريكا الشمالية وأستراليا. وحتى لو ظلت معدلات البدانة عند مستوياتها الحالية، وهو ما يبدو أملاً بعيد المنال، فإن العواقب لا تزال خطيرة ليس فقط بالنسبة للأفراد المعنيين، ولكن أيضا لتوفير الإمدادات الغذائية العالمية، والإنتاجية، ومالية الحكومات. مما يتطلب عملا.
ونظراً لمدى صعوبة إنقاص الوزن، يتعين على الحكومات تركيز جهودها على محاولة منع الناس من زيادة أوزانهم بداية. والأطفال هدف واضح لذلك. الأطفال السمان غالبا ما يصبحون كباراً سماناً، لذا فإن الأمر يستحق الإمساك بهم قبل أن يفعلوها. وبنفس المنطق فإن البلدان النامية التي لا تزال نحيفة في الغالب في الوقت الراهن (على الرغم من ازدياد معدلات البدانة فيها)، لا تزال لديها فرصة لوأد المشكلة في مهدها.
والسؤال هو كيف. من وجهة نظر عالم الاقتصاد، فإن أفضل وسيلة لثني الناس عن تناول الطعام غير الصحي هو جعله أكثر تكلفة. لقد قام فرانكو ساسي من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD بتخطيط الجدوى الاقتصادية لتدابير منع السمنة المختلفة، ويعتقد أن التدابير المالية هي الوحيدة التي من شأنها أن توفر أكثر مما تكلف.
ولكن الطلب على الطعام والشراب لا يتأثر كثيراً بتغيرات الأسعار، وإذا صار أحد أنواع الطعام غير الصحي أكثر تكلفة فإن المستهلكين قد يتحولون ببساطة لنوع آخر بدلا عنه. فرض ضرائب على الدهنيات حلا سهلا كما يبدو. بعض الأطعمة الدهنية تحتوي أيضا على البروتين الصحي، والاندفاع نحو الأطعمة قليلة الدسم في ثمانيات القرن العشرين لم يؤد لانخفاض السمنة. المشروبات السكرية، التي ليست لها قيمة غذائية، هي أفضل هدف. ومن شأن الضرائب المصممة تصميما جيدا أن تكون مرتفعة بما يكفي لردع المستهلكين، وواسعة بما يكفي لمنعهم من التحول إلى شراب آخر غير مرغوب فيه. ولكن ذلك يثير مشاكل سياسية. فمن شأن الضرائب العالية أن تؤثر تأثيرا غير متناسب على الفقراء، الذين قد يغضبوا.
الحقيقة المؤسفة هي أنه لا توجد سياسة واحدة تخفض معدلات السمنة لوحدها. لقد سمنت المجتمعات لمجموعة متنوعة من الأسباب، وعلى الأفراد والشركات والحكومات أن تبدأ في التعامل معها كلها لتعكس هذه العملية. فمن السهل القول إنه إذا التزم البدناء فقط بوجباتهم الغذائية، واتخذوا المزيد من التمارين الرياضية، فإن المشكلة سوف تختفي، ولكن عوامل بيئية ونفسية وبيولوجية تجعل إنقاص الوزن أكثر صعوبة مما يبدو.
وسوف يعتمد الكثير على ما إذا كانت شركات الأغذية ستواصل ضخ الطعام غير الصحي أو تسريع التحول لمنتجات صحية. ليس لديهم أي حافز لوقف انتاج الطعام غير الصحي ما لم يتوقف المستهلكون عن شرائه، ولكن المستهلكين لن يتخلوا عن مثل هذه الأطعمة حتى تجعل الشركات الوجبات الصحية أكثر جاذبية.
شركات التأمين والحكومات، من جانبهما، سوف يحتاجان لإيجاد طرق جديدة لدفع الناس نحو سلوك أفضل. لدى صناع السياسة الآن فهم أفضل لما يجعل الناس يتخذون قرارات سيئة بشأن صحتهم، وتكنولوجيا الهاتف النقال يمكنها أن تساعدهم على اتخاذ قرارات أفضل منها. وبينما تستمر هذه التجارب، سوف تكون هناك المزيد من الأدلة حول ما يجدي، وما إذا كان يمكن أن يكون مقبولا سياسيا. ومن ثم يمكن أن تنتشر مثل هذه الأفكار في أماكن أخرى.
إذا كان على الأمور أن تستمر كما هي، فإن الآثار ستكون مدمرة. الشيخوخة أصلا تزيد من معدل الأمراض المزمنة. والسمنة يمكنها أن تجعل العبء أثقل بكثير، ساحقا للخدمات الصحية، لا سيما في البلدان الفقيرة. والامدادات الزراعية أصلاً ممدودة لطاقتها القصوى. وفقا لأحد التقديرات فإنه لو صار كل فرد في العالم بثقل الأميركي العادي، فإن الكتلة الحيوية الإنسانية في العالم سوف تقفز بنسبة 20٪، أي ما يعادل إضافة حوالي 1 مليار نسمة من الحجم العادي.
لحسن الحظ فإن السمنة هي هذا الشيء النادر، وهي مشكلة يمكن الوقاية منها تماما. لقد كانت زيادتها سريعة ومتطرفة. والآن يجب على العالم وبسرعة العمل على عكس هذه الزيادة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.