دكتورة فاطمة بابكر محمود : علينا ان لانستهين ....التغيير يتطلب اساليب جديدة وتغلغل وسط قاعدة المجتمع. النخب فى الشمال والجنوب القت بعبئ الانفصال على عاتق المواطنين. الحكومات الرأسمالية استغلت قوة عمل العمال والنساء وتلجأ الان للاحلال من دول الجوار. الاحلال والابدال وسيلة الرأسمالية لجنى الارباح لكن الصمت سيقود للانفجار. شعب السودان قادر على التغيير وبقيادات شبابية تأكل النار. فى زيارتها كل شتاء للوطن احرص على لقاء دكتورة فاطمة بابكر محمود .. انها امرأة دافقة بالحب والود ... كاتبة وباحثة تملك القدرة على شحذ الهمم المعنوية والفكرية , وهى بذلك ثير الجدل بما تطرح من افكار وابحاث , وفى حالة الاتفاق او الاختلاف معها لانملك الا ان نكن لها الاحترام والتقدير , فهى فى صدام دائم مع المسلمات ومع المرض ومع الغربة والشوق للبلد والاسرة والبيت العامر بالمحبة من الشقيقات والاشقاء والاصدقاء من الجنسين ...اختارت وزوجها الدكتور محمد سليمان محمد وابنتها عزة الاستقرار فى المملكة المتحدة منذ العام 1988 لكنها تمد اواصر الصلة بالوطن بابحاث حول الاقتصاد والسياسة وقضايا المراة ...فصدر لها :البرجوازية السودانية اطليعة للتنمية ؟ المرأة الافريقية بين الارث والحداثة , الاتجاهات الفكرية فى الحركة النسائية السودانية , الجنس والجنسانية واستغلال المرأة السودانية ...اضافة لمجموعة ابحاث حول قضايا الاسكان فى السودان . فى هذا الحوار دار الحديث حول قضايا السودان هموم الحاضر وامكانيات التغيير ... حوار: مديحة عبدالله الانفصال ازمات اقتصادية واجتماعية : يمثل انفصال جنوب السودان الحدث الذى لايمكن تجاوزه عند الحديث حول حاضر ومستقبل الوطن كيف تنظرين للامر ؟ انفصال جنوب السودان وتأسيس دولة جنوب السودان حدث اثاره بعيدة المدى وعميقة ستظهر ملامح ذلك وتتشكل كل يوم , السودان كان بمساحته مليون ميل مربع وتعدد مناخاته وبموقعه الاستراتيجى طوال تاريخه القديم والحديث له تأثير فى محيطه العربى والافريقى , الان السودان الشمالى وبعد انفصال الجنوب تراجع تأثيره فى افريقيا جنوب الصحراء , وتأثير الانفصال لن يكون على شمال السودان بل على جنوبه ايضا فمن ناحية اقتصادية كان البترول بمثابة ( مسند جعل حكومة الشمال تتوهطد فى مقعد السلطة ) تضاءل هذا المورد ادى الى ازمة اقتصادية تتعمق كل يوم ودفعت الاسعار لاعلى معدل فى الارتفاع واصبحت الخرطوم اغلى من لندن , كل المواد الضرورية ارتفعت اسعارها بما لايقل عن100% وتزداد معدلات التضخم بوتائر سريعة اضافة للفساد وحماية المفسدين وتجنيب الاموال لصالح قلة اصبحت تشكل مراكز قوى . وفى الجنوب احدثت الازمة الاقتصادية مجاعة معلنة رغم توفر مورد البترول لكن المشاكل السياسية حالت دون ان يستفيد البلدين من مورد البترول , ودفع الثمن الشعبين لان النخب الحاكمة فى البلدين القت بعبئ الازمة الاقتصادية على كاهل المواطنين . اضافة لذلك فأن تأثير الانفصال لم ولن يقف على مستوى الموارد الاقتصادية وانما احدث اثرا سالبا على مستوى الموارد البشرية والقوى العاملة فى دولة شمال السودان فقطاع البناء شهد هزة كبيرة بعد تقلص الايادى العاملة من ابناء جنوب السودان خاصة من قبيلة النوير الذين يملكون الحرفية العالية والقدرة على العمل فى الشمس الحارقة , وهنا لابد من الاشارة لدراسة دكتور الواثق كمير حول دور ابناء النوير فى صناعة البناء فى السودان , كما ان النساء الجنوبيات اضطررن للعمل كعاملات فى المنازل فى مدن الشمال وبيع قوة عملهن للنساء فى الشمال وتعرضن لشتى انواع الاستغلال دون قدرة على التنظيم لحماية مصالحهن بعد ان حرمتهن الحرب الاهلية من العمل الزراعى واضطررن للنزوح ومواجهة عدم توفر فرص عمل تتناسب وخبراتهن فى مجال الزراعة واتاح ذلك لعدد كبير من النساء فى الشمال توفير وقت للعمل فى مواقع مختلفة وبيع قوة عملهن للدولة بمرتب يتيح الاستمرار فى توفير عمالة المرأة للدولة ... الان انحسرت نسبة استغلال النساء الجنوبيات بواسطة نخب النساء الشماليات وكل تلك عوامل ستؤثر على الاقتصاد السياسى فى الشمال , اضافة الى تأثر القطاع الزراعى بنقص الايدى العاملة فى المشاريع الزراعية خاصة فى شرق السودان رغم ظاهرة الاحلال والابدال باستخدام عمالة زراعية وعملات منازل من دول الجوار ... الاحلال والابدال ....ازمة صامتة : وهل يمكن ان تمثل عملية الاحلال تلك حلا لمشكلة النقص فى الايدى العاملة ؟ كلا .... الرأسمالية فى مناطق الزراعة الالية تسعى لتحقيق اعلى معدلات ربح عن طريق الاحلال والابدال بأقل النفقات لكن التعقيدات الاجتماعية ستنعكس اثارها فى مناطق الانتاج , الاثر ربما يبقى صامتا لفترة لكن سينفجر يوما ما ... ماذا عن اتفاقيات التعاون بين دولتى السودان الا يمكن ان تمثل مدخلا لحل المشاكل بين الدولتين ؟ اعتقد انها يمكن ان تحل مشاكل انية فكلا الدولتين تواجهان ازمة اقتصادية خانقة وتوجد رغبة فى الحصول على عوائد البترول ولكن الثقة غير متوفرة بين النخب فى البلدين , لذلك قد تنجح الاتفاقيات على المدى القصير لكن على المدى الطويل قد لا تتوفر الفرص لتنفيذها لطبيعة القوى الحاكمة .. كيف ومتى يحدث التغيير ؟ الازمات تحيط بالنظام وهناك قناعة بضرورة التغيير حتى داخل صفوفه لكن يبرز السؤال لماذا يتأخر هذا التغيير ؟ صحيح النظام فى ازمة شاملة لكن سقوطه تأخر ويرجع ذلك لاسباب كثيرة منها ان هذا النظام جاء بانقلاب قام به حزب منظم , الجبهة الاسلامية اسست لنفسها بعمل سياسى منذ الفترة المايوية وهيأت الارضية بقوانين سبتمبر وبالتغلغل فى المؤسسات الاقتصادية وفى البنوك واستلفت اشكال العمل المنظم من الحزب الشيوعى السودانى , الجبهة الاسلامية استولت على السلطة وورائها رأسمالية واعية بنوك فيصل الاسلامية وشركات كبرى , اى بنية سياسية واقتصادية قوية مكنتها من الوصول للسلطة وللتسرب لجذور الواقع السودانى مستغلة الدين كرأسمال رمزى وكا يديولوجية رأسمالية قوية , واستطاعت وعن طريق الامكانيات المالية والقروض قصيرة الاجل وطويلة الاجل وعبر نشاط التنظيمات الشبابية والطلابية والنسائية الوصول لشرائح اجتماعية واسعة واستثمرت فى حالة الفقر والعوز الناجمة من سياستها , مع استغلال كامل لروح التدين بفرض الحجاب على النساء واستغلال الجوامع الزوايا لتعميق وجودهم بالاستفادة من ثقافة المجتمع وحساسية كل ما يتعلق بالدين الاسلامى , مع استقطاب المجموعات الدينية المحتلفة بأساليب متعددة , اضافة الى ان الحكومة الرأسمالية تعاملت مع الحكومات الرأسمالية فى الشرق الاوسط واسيا من الصين حتى ماليزيا , ان الاستهانة بهذا النظام امر غير سليم لاننا نواجه نظاما متجذرا تأسس على بنية امنية وسياسية واقتصادية ... لكن ورغم مظاهر القوة تلك النظام الان يواجه حالة من التأكل من الداخل بسبب الازمة الاقتصادية وبسبب التجاذب داخل قاعدته الاجتماعية بما فيها المجموعات الدينية التى دعمته ( النظام الان اصبح كويمات كويمات ) النظام لم يحسب حساب التجاذب بين الفرق الدينية والاختلاف بينها حتى فى تفسير النصوص القرانية , اضافة لاختلاف مناهجها فى الدعوة ...محاولة النظام الان لاحتواء الخلافات بينها لن تنجح لان الدين حمال اوجه ولكل مجموعة دينية جماهيرها ... لكن اسقاط النظام وعبر العمل السياسى السلمى يتطلب نهج مختلف من قبل المعارضة ...شخصيا لا اثق فى النخب التقليدية لوجود لغة مشتركة ومصالح متداخلة بينها وبين النظام .. هل تستطيع الاحزاب الرجعية الرأسمالية ان تتنازل عن الرخص التجارية والسعى للحصول على جزء من الكيكة وتقترب اكثر من الحزب الشيوعى وتقدم تنازلات لاجل التغيير ذلك هو السؤال.... وفى تقديرى ان قاعدة الاحزاب التقليدية ستتمرد على قيادتها وحينها سيحدث فرز (للكيمان ) وسيحدث التغيير .... تاريخ السودان الحديث شهد ذلك عدة مرات المطلوب الان التغلغل فى قاعدة المجتمع والشعب سيصل لنقطة من الغضب لن يرجع بعدها حتى يحدث التغيير يوجد حد لاحتمال الشعب وصبره وستبرز قيادات جديدة وسط الشباب ( تأكل النار حواء والدة ) شخصيا لدى ثقة فى الشباب سيخرجوا ولن يرجعوا حتى يحدث التغيير الجذرى .