بقلم: محمد سليمان أحمد – ولياب [email protected] في السابع من يناير 2013م يكون قد مضى نصف قرن على مجريات أحداث أول تهجير قسري منظم (غير مدروس) اقترفتها سلطات دولة عابثة بمقدراتها . لا تحترم آدمية مواطنيها وبمشاركة جهات ومنظمات ودول كانت لا ترى ولا تهتم إلا بمصالحها في المنطقة . فاقترفوا جميعهم بذلك خطيئة وجرائم تحاسب عليها القوانين والنظم الدولية . الضحية كانت منطقة ذاخرة بمقتنيات وارث تاريخي وتراث وحضارة وإنسان ممتد ارثه الحضاري إلى أكثر من ثمانية ألف سنة ضُرب بعرض الحائط لتمر الواقعة التي كانت مشهودة ومرصودة من عدة جهات دون أن يكون لهم دور ايجابي في منع وقوع الكارثة . فكان لذاك الأمر أن يترك في نفوس الكثيرين منا نحن النوبيون بعض الغبن والشعور بالظلم المقدح من فئة كانت لا تعرف أن تقدر الأشياء والحقوق حق قدره . ومما لا شك فيه أن أعظم شيء على الانفس الهجرة ، ومفارقة الديار ، وقد كتب الشعراء والأدباء عن ذلك باستفاضة . فدواوين الشعر والمأثورات والبكائيات وغيره من كتب الأدب والمنقولات المروية زاخرة بالكثير ومن الهجرات ما هي طوعية اختيارية ، ومنها ما هي قسرية إجبارية ، وبينهما ما هي اضطرارية لمجابهة ظرف طارئ ، أو كارثة متوقعة . ولو افترضنا أن هنالك استثناء قد يميّز بين تلكم الهجرات وأنواعها ، وفرضيات وقوعها ، نجد أن غياب عنصر الإرادة في اتخاذ القرار يزيد الموصوف سوءا ويضيف إلى ما تقدم من وصف صورة القهر . لتكتمل الصورة فتكون هجرة النوبيين قد جمعت كل ما هو سيءُُ في( الفرضية والمضمون والمحتوى ) وجاءت قهرية قسرية اضطرارية . و لم تكن العملية في مجملها ( تهجيرا قسريا ) وبترتيبات أمنية مدروسة فحسب .. بل كانت العملية في مضمونها الإجمالي بمثابة إعدام أثنية ، أو إبادة عرقية كانت مستهدفة في الأصل . فالقتلٌ المعنوي كان واردًا و واضحًا حتى ولو عاشت الأجساد بعيدة عن مألاتها ،أو سابحة في بحور أمنيات العودة . ولا غرابة مطلقًا لو قارن النوبي بين ( القتل والتهجير) فقد وردت المقارنة من قبل في القرآن الكريم . حيث قرن الله سبحانه وتعالى بين القتل والإخراج من الديار في سورة النساء الآية 66 . وبواو عطف ظاهر (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) صدق الله العظيم .. فسبحانه تعالى العليم بشدة ذلك وقسوته على البشر يخبرنا وبإشارة واضحة في محكم تنزيله … أنه لو كتبه على جماعة لما انصاع منهم إلا القليل. يقول حسن دفع الله ( معتمد التهجير ) في كتابة هجرة النوبيين انه تلقي في 17 اغسطس 1958 تعليمات بالسفر الى وادي حلفا…. وهذا يعني أن أمر الهجرة (مجازا ) أو التهجير كان قد اتخذ من قبل السلطات قبل ذاك التاريخ بفترة كافية . والأرقام والتواريخ في المراجع والمستندات الأرشيفية المحفوظة في كل من الخرطوم والقاهرة وفي ذاكرة من عاصروا الفترة تؤكد أن هنالك جهات كانت تتدارس الموقف وتفاوض.. ولكن بدون مشاركة المعنيين بالأمر .. لذا يحق لنا ولكل منصف أن يطلق على تلك العملية رسميا ( التهجير القسري ) ومن يقول غير ذلك. إما يريد أن يلطف الجو ..أو يخادع . فالعملية كانت واضحة في معالمها ، وفي ما اتخذتها السلطات من إجراءات حيال تنفيذها . تؤكد أنها كانت ( قسرية قهرية اضطرارية ) إلى جانب ممارسات غش وخداع وتدليس مصاحب كان يفوق تصور ومدارك إنسان ريفي بسيط استهدف بدون ذنب.