أدلى ملايين من أبناء جنوب السودان بأصواتهم يوم الاحد 9 يناير في استفتاء طال انتظاره بشأن الاستقلال من المتوقع أن يؤدي إلى فصل اكبر دولة افريقية إلى دولتين وحرمان الشمال من مصدره الاهم للنفط. واصطف المقترعون في طوابير لساعات تحت الشمس المحرقة في جوبا عاصمة الجنوب امام مراكز الاقتراع وابعد كثيرون منهم بعد انتهاء اليوم الاول للتصويت في الاستفتاء الذي يستمر اسبوعا. رئيس حكومة الجنوب سلفا كير أعطى إشارة الانطلاق للاستفتاء عندما حرص على أن يكون في الساعة الثامنة صباحا بمركز اقتراع يقع إلى جانب ضريح الزعيم التاريخي لجنوبيي السودان مؤسس الحركة الشعبية، جون قرنق، حيث أدلى بصوته. وقال كير وهو يرفع أصبعه وعليه علامة الحبر بعد الاقتراع، وإلى جانبه السيناتور الأميركي جون كيري: «إنها اللحظة التاريخية التي طالما انتظرها شعب جنوب السودان». وأضاف: «أقول للدكتور جون (قرنق) ولكل الذين قتلوا معه إن جهودكم لم تذهب سدى». وكان قرنق وقع عام 2005 اتفاق السلام الذي فتح الباب أمام إجراء هذا الاستفتاء قبل أن يلقى حتفه في حادث تحطم مروحية كانت تقله من أوغندا إلى جنوب السودان، في يوليو (تموز) من العام نفسه. وجثت ربيكا قرنق، أرملة قرنق، على ركبتيها أمام مقبرة زوجها وقامت بالصلوات، ومن ثم أجهشت بالبكاء واحتضنها وزير التعاون الإقليمي دينق ألور الذي بكى أيضا ونساء أخريات. وقالت ربيكا وكانت ترتدي «تي شيرت أبيض» كتب عليه «نحن نفتقدك يا قرنق»، إنها سعيدة بأن الجنوبيين يدلون بأصواتهم ويتحقق حلمهم، واضافت في تصريحات صحفية «لكني حزينة لأن هناك الكثيرين من المهمشين في شمال السودان ما زالوا يعانون من التهميش»، وتابعت: «قلبي الآن مع جبال النوبة ودارفور والنيل الأزرق». وقالت ربيكا «هذه فرصة عظيمة للذين فاتهم النضال أن يدلوا بأصواتهم لاستقلال الجنوب» : «في هذه اللحظة تتحقق رؤية جون قرنق والقادة العظماء الذين استشهدوا معه»، وخصصت تحية لقائد جبال النوبة، الراحل يوسف كوة مكي، وقالت: «كنت أطبخ لهم في فترة وجودنا في الغابة أيام الحرب والنضال، وفي غمرة هذه السعادة يجب ألا ننساهم لأنهم ضحوا لأجل هذا اليوم ليجعلونا سعداء»، وأضافت: «علينا أن نعمل بقوة لحل قضية شعب النيل الأزرق وجبال النوبة وأبيي، إلى جانب حل مشكلة دارفور، ولنوقف معاناة السكان هناك». و شدد جون كيري على «الالتزام الأميركي غير المحدود بدعمكم في بناء دولتكم الجديدة». وقال في كلمة اقتبس فيها من الكتاب المقدس لدى المسيحيين بضع مرات: «الإيمان هو الذي جمع الجنوبيين كأمة، وسيستمر هذا. هذه نهاية كفاح وبداية آخر لبناء أمة تعكس القيم المسيحية، وإصلاح أخطاء الماضي». وبعدما نوّه ب «الحماس الذي لا يصدق» للجنوبيين في إقبالهم على التصويت، شدد على ضرورة التركيز في «بداية العهد الجديد» على «حل القضايا العالقة مع الشمال، وتسوية القضية الإنسانية في دارفور». اما الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي أنان، الموجود في جوبا بصفة «مراقب»، فقد اعتبر أن المشاركة الكثيفة في الاستفتاء يجب أن تدفع «الجميع إلى القبول بنتائجه». كما قال الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، الذي كان يرافق أنان: «إن المعلومات التي تصل إلينا من الشمال كما من الجنوب تفيد بأن الوضع هادئ ومسالم»، داعيا إلى احترام خيار الجنوبيين عبر هذا الاستفتاء. وأقر الاستفتاء ضمن بنود اتفاقية السلام الموقعة عام 2005 التي أنهت حربا اهلية بدأت عام 1955 واستمرت منذ ذلك الوقت باستثناء سنوات قليلة بسبب النفط والنزاعات الدينية والعرقية بين الشمال ذي الاغلبية المسلمة والجنوب ذي الاغلبية المسيحية والوثنية. وخلفت الحرب نحو مليوني قتيل وأجبرت اربعة ملايين اخرين على النزوح عن ديارهم. وقال نهيال وير أحد قدامى المحاربين في الحرب الاهلية بين الشمال والجنوب التي أفضت الى اجراء الاستفتاء “أنا أعطي صوتي لصالح الانفصال. هذا اليوم يمثل نهاية كفاحي. في الجيش كنت أقاتل من أجل الحرية. كنت أقاتل من أجل الانفصال.” وقالت مفوضية الاستفتاء ان لجان الاقتراع أغلقت أبوابها الساعة 1400 بتوقيت جرينتش يوم الاحد على أن يستمر التصويت يوم الاثنين الى الساعة 1500 بتوقيت جرينتش. ولا تتوفر الكهرباء في أغلب مراكز الاقتراع ولذلك تغلق أبوابها مع غروب الشمس. وبينما من المتوقع أن يصوت الجنوبيون لصالح الانفصال يخشى جيران السودان ان يؤدي الانقسام الى تشجيع الانفصاليين لديهم كما انهم يشعرون بالقلق تجاه كيفية عمل اليات الانفصال. ويجري الجانبان مفاوضات منذ شهور بشأن كيفية تسوية نقاط خلاف شائكة محتملة تتضمن الحدود المتنازع عليها والمواطنة واقتسام عائدات النفط الذي يمثل شريان الحياة لاقتصاد الجانبين بعد الانفصال. وبعد ساعات من بدء التصويت تعكر صفو الجو الاحتفالي اثر ورود تقارير عن تجدد القتال بين رعاة رحل من العرب ورجال القبائل المرتبطين بالجنوب في اقليم ابيي المتنازع عليه. وأصدرت النرويج وبريطانيا والولاياتالمتحدة التي شكلت لجنة ثلاثية لدعم اتفاقية السلام الشامل بيانا ترحب فيه ببداية التصويت واعتبرتها خطوة تاريخية لكنها أضافت “الموقف في ابيي ما زال مقلقا للغاية.” وحذر الرئيس الامريكي باراك أوباما من اي محاولة لعرقلة الاستفتاء قائلا “كل الاطراف يجب أن تنأى بنفسها عن الخطاب المهيج او التصرفات المستفزة التي يمكن ان تزيد التوتر او تعوق الناخبين عن التعبير عن ارادتهم.” وكان أوباما قد قال يوم السبت ان استفتاء ناجحا من شأنه ان يساعد السودان على العودة الى مسار العلاقات الطبيعية مع الولاياتالمتحدة بعد سنوات من العقوبات. وفي جوبا اندمج الممثل الامريكي جورج كلوني والسناتور جون كيري مع الجماهير التي أخذت تغني وترقص. وظل الناخبون المنتظرون أمام أحد مراكز الاقتراع يرددون أنشودة “انه اليوم الذي خلقه الله.” وقال كلوني لرويترز “انه لامر عظيم حقا ان نرى الناس يصوتون فعلا من أجل حريتهم. هذا ليس امرا تراه كثيرا في حياتك.” وشارك الاف الجنوبيين في الخارج في التصويت واصطفوا في طوابير طويلة امام مراكز الاقتراع في اثيوبيا ومصر وكينيا واوغندا في انتخابات منحتهم فرصة العودة الى الجنوب اذا ادى التصويت الى الانفصال. وقال لي ايفارستو (48 عاما) القادم من العاصمة جوبا في القاهرة ومن خلفه تردد صدى قرع الطبول والغناء “انه يوم تاريخي. اليوم الذي سيضع نهاية لمأساتنا… انا مستعد للعودة بأسرع ما يمكن.” وعما اذا كان هناك ممثلون عن احزاب معارضة للانفصال، مثل حزب المؤتمر الوطني بزعامة الرئيس السوداني، في المراكز للتأكد من مصداقية الاقتراع، اكد المراقب انهم غير موجودين، كما لا يوجد ممثلون عن اي من الاحزاب الشمالية الاخرى مع ان لبعضها انصارا في الجنوب. جوان التي كانت تقف مع مجموعة تعمل في تلفزيون جوبا قالت «لا تتعب نفسك، فلن تجد احدا هنا معارضا للانفصال». وسيتعين على الجنوب ايضا مواجهة الضغائن العرقية داخله التي سلطت عليها الاضواء الاشتباكات التي وقعت بين جيش الجنوب وميليشيا في ولاية الوحدة الغنية بالنفط. وعرض كير العفو عن المتمردين لكن العفو لم يحظ بقبول الجميع. وفي الشمال قوبل احتمال فقد ربع اراضي البلاد ومصدر معظم نفطها بالاستسلام الممزوج بقدر من الاستياء. وأدلي الرئيس السوداني عمر حسن البشير الذي دافع عن الوحدة في الفترة السابقة للاستفتاء بتصريحات تميل الى المصالحة بشكل متزايد وفي الشهر الحالي وعد بالانضمام الى الاحتفالات بالاستقلال. والبشير هو رئيس الدولة الحالي الوحيد المطلوب امام المحكمة الجنائية الدولية التي تتهمه بالتدبير لجرائم حرب وابادة جماعية في دارفور. وفي الشمال بدا كثيرون وقد استسلموا لفكرة فقدان جنوب السودان. وقالت سارة نقد الله المسؤولة بحزب الامة وهي تبكي انها تشعر بحزن عميق لانفصال جزء محبب من السودان وأضافت أنه يجب العمل على الا يلحق الاذى بالشماليين في الجنوب والجنوبيين في الشمال والقبائل في المنطقة الحدودية.