لجنة التسيير الهلال قدمت دروساً في الواقعية الإدارية ومباراة اليوم نتيجة جهد وليست صدفة أبوعاقله أماسا لم تحلق لجنة تسيير نادي الهلال بأنصار الفريق في سماوات الوعود، ولم تطلق لخيالات عناصرها العنان لتصطحب الأنصار في رحلات من الوهم، بل استقرت على أرض الواقع وفكرت بشكل صحيح ثم بدأت بمعالجة واحدة من الملفات التي تهدد بخطورتها كينونة النادي ومستقبله وبشكل مباشر، وأقصد ملف الديون وكل ما قيل عن أرقام كانت قد قاربت الأربعين ملياراً، وهو رقم مخيف للغاية، خاصة إذا نظرنا إلى أننا نتحدث عن أندية ماتزال مسألة الموازنة بين الدخل والمنصرف عندها في غاية الغموض، أو لا تدار بشفافية تجعل الأعضاء يقفون على كل صغيرة وكبيرة فيها، لذلك جاءت البداية صحيحة تماماً، وكنت قد أشرت من قبل إلى أنها بداية عبقرية أن تفتح اللجنة هذا الملف وتعمد إلى أزالة كل ما علق بالديون، تسدد ما يصنف من قبيل الدين المستحق والمثبت بالمستندات، وتطالب من يزعمون بأن لديهم مديونيات على نادي الهلال أن يبرزوا المستندات التي تثبت تلك الديون حتى تضم إلى قائمة الديون المستحقة لسدادها أو جدولتها، وبالفعل.. رأينا الإعلانات المنشورة في الصحف اليومية موجهة لكل من يملك ديوناً على هذا النادي لأن يأتي ويبرز ما يثبت، وفي تلك طريقة متحضرة للتعامل مع المال العام، وفي نفس الوقت كانت من وجهة نظري أضخم عملية إنقاذ نفذتها مجموعة التسيير برئاسة الأستاذ الحاج عطا المنان قد لا يعرف أنصار هذا النادي العملاق أهميتها إلا بعد أن يروا أثر الديون على الأندية الأخرى.. وعلى رأسها المريخ.. وشتان ما بين هذه الطريقة التي جاء بها عطا المنان منقذاً وما بقي بها الوالي لأكثر من عشر سنوات. المجال هنا ليس للمقارنة بين أسلوب الرجلين في إدارة القمة السودانية، ولكنني أريد أن أؤيد المدرسة الواقعية في إدارة كرة القدم، وأثبت تمردي على الأسلوب الخيالي الذي يحلق بالجماهير إلى ارتفاع ناطحات السحاب قبل أن يهوي بهم إلى لجج الإحباط كما نرى في المريخ، وكذلك إثبات أن ما وصل إليه فريق الهلال من نجاحات ليس وليد صدفة، أو نتيجة إنتصار إعلامي، وإنما هو نتاج عمل حقيقي، وعلينا أن نعيد قراءة ما كان في الهلال في الموسم الماضي، وكيف سيطرت الصراعات على كل شيء، وبدأ الناس يلوحون بعشرات المليارات من الديون التي كادت أن تخنق طموحات أنصار النادي في امتلاك فريق كرة قدم قوي يصارع ويصرع الجبابرة، وبعد تسلم لجنة التسيير مقاليد الأمور بدأت الأوضاع تتغير شيئاً فشيئاً بدءً بالسياسات المالية والإدارية بتسمية المناصب والأسماء والإختصاصات، حيث لم نر متطفلين يحلقون حول الفريق ليتقمصوا شخصية عاطف النور والفاضل حسين كمديري كرة، وكذلك رأينا العقيد حسن محمد صالح كمدير علاقات عامة يتحرك بحرية مغطياً كل ما يتعلق بمنصبه في العلاقات العامة في نادي الهلال، وهي المهام التي نرى فيها كل الزحام الذي يصنع الخلل في المريخ، وتدور حوله المعارك الخفية والظاهرة، وتشهد حروبات الضرب تحت الحزام. المهم أن الأمور سارت كما ينبغي أن تكون عليه في أي نادٍ كبير، وهو ما أدى إلى خلق بيئة مثالية حول فريق كرة القدم الذي غادر مربع المعاناة، وودع الوضع البائس الذي كان عليه في الموسم الماضي بسبب المشكلات التي صنعتها الإدارة، أو افتعلتها، وبهذه المناسبة نثبت فكرة أنها نسخة طبق الأصل من المشكلات التي يعانيها فريق كرة القدم بنادي المريخ الآن.. حيث كل شيء فيه متروك لمحاسن الصدف، ولأن لجنة التسيير الهلالية قد فكرت بشكل واقعي ومنطقي ينسجم مع مجريات الأحداث ومتطلبات التفوق والنجاح كان لابد لنا أن ننتظر الهلال ليخوض مباراة مثل التي يقبل عليها عشية الأحد أمام ليوبار الكنغولي، وما يسعدنا كسودانيين أن الفريق يدخلها بكعب عالي بعد أن كان قد خطف نقطة التعادل من خارج الأرض، والأهم من ذلك أن الجو العام في النادي وما يحيط بفريق كرة القدم الأزرق يظهر شغفاً بأداء كرة قدم حقيقي، وشغفاً أكبر بالإنتصارات والإنجازات، وهي على كل حال أحلام وطموحات لها أدواتها التوفرة في هلال اليوم أمام ليوبار. أعود إلى الوراء قليلاً.. وبالتحديد إلى ذلك اليوم الذي أعلنت فيه قرعة دوري الأبطال فعلقت الصحف بأن القرعة (تقسو) على الهلال وتبتسم لغيره من الفرق، وكيف احتج الإعلام المريخي على أن الفريق يستحق أن يعفى من اللعب في الدور التمهيدي، وأنه ما من منطق يجعل المريخ يخوض التمهيدي وهو بطل الدوري الممتاز بينما يلعب الهلال الدور الأول وهو وصيفه محلياً، لم أخض في الجدل وقتها، لأنني كنت أعلم أن المعيار هنا ليست النقطة التي تبدأ منها، بقدر ما يجب أن يكون في النقطة التي ستتوقف فيها، والأهم من كل ذلك: ماهي الإستعدادات لتقديم ما يثبت أن لدينا عقلية تؤهلنا لخوض مثل هذه البطولات بطموحات كبيرة نصل بها إلى أدوار متقدمة، فالعراقة وحدها لا تكفي.. كما أن التحديات الإعلامية فقط تساعد على التشويش أكثر من المساعدة على تقديم أية رسالة إيجابية يمكن أن نتناولها ونقارع بها، فالفارق الكبير الذي جعل المريخ يغادر من التمهيدي والهلال يلعب اليوم على مرحلة دور المجموعات (من وجهة نظري الشخصية).. ونتيجة لمعايشتي لبعض الأوضاع في المريخ منذ عشرين عاماً تقريباً، أن الروح الجماعية مفقودة في المريخ على مستوى الإدارات أولاً.. ففي منصب واحد فقط تجد زحاماً من الناس يؤدون وظيفة هي في الأصل لشخص واحد، ولكن يأتي التعدد في ظل المجاملات، وبناء على ذلك تتعدد أسباب الصراعات ومراكز القوى.. والأعجب من كل ذلك أن كل ذلك الزحام يتنافس ويقاتل لسواد عيون الرئيس جمال الوالي، وتجد لأي منهم طريق يوصله برئيس النادي متخطياً كل المحطات التي كان يجب أن يمر بها حفاظاً على التسلسل والهرم، بينما يتجاهل الجميع حقيقة مهمة جداً، وهي أن جمال الوالي نفسه لا يثق في مصدر للمعلومات الصحيحة إلا من فم الأستاذ سليمان بشير.. عامل المعدات الأسبق.. وأكتب كلمة (الأسبق) هذه لأن سليمان الآن قد أصبح مؤهلاً من الناحية الأكاديمية أكثر من غالبية أعضاء المجلس، وهو المترجم الأساسي الذي يعتمد عليه كل المدربين خاصة كروجر ومواطنه أوتوفيستر، وقد اقتنع الوالي بهذه الحقيقة قبل فترة وجيزة وقرر تعيينه مديراً للكرة، غير أنه رفض المبدأ لأنه لا يريد الإصطدام بأي من الإداريين الذين يعرفهم.. فهو شخص محبوب وبسيط.. وأكثر من أجاد وما زال يجيد تحليل نفسية هؤلاء الإداريين.. وأعتبره الصندوق الأسود لكل أسرار هذا النادي.. ومع ذلك لا يجد مكاناً في زحام المصالح.. وكثيراً ما يضيع تحت أرجل المتزاحمين على القصعة الكبيرة من أفيال وعمالقة ونمور من ورق تصنعهم لنا صفحات الصحف وأحبار الأعمدة يومياً. الهلال سيبلغ مرحلة المجموعات لأن قيادته قد تجاهلت الأمور المظهرية وركزت على إنجازات حقيقية، بينما ركز المعسكر الآخر على الشكليات، وعندما يطلق حكم المباراة صافرة النهاية بفوز وتأهل الهلال، يكون ذلك بمثابة إعلان عن بداية حقبة سيطرة زرقاء جديدة، وضعت لجنة التسيير لبنتها الأولى من ملامح عمل مؤسسي حقيقي لم يعتمد على الشكليات والمجاملات، ولكي يعود المريخ من جديد ويخلق منافسة على القمة كما كانت فإن الأمر لا يعتمد على كل الذي يستهلك وقت الوالي الآن من صراعات ومجاملات، ومساحات شاسعة للتأويل والتهويل بعيداً عن القرارات الشجاعة.. لذلك فضلنا كتابة هذا المقال اليوم قبل فوات الأوان.. فمن عافية الكرة السودانية أن يكون هنالك سباق متكافيء بين طرفي القمة.. ولكن إذا استمر الوضع على ما هو عليه.. يلعب الهلال على الملعب بتركيز.. بينما يلعب المريخ على صفحات الصحف بتركيز أكبر.. فليس هنالك ما يمكن التفاؤل به على الأفق الأحمر إلا لمعان يحسبه الظمآن ماء..!