مسامرات محمد إبراهيم الحاج البيت القديم وضعت عن كاهلي حقيبة السفر أمام قمة (جبل البركل) بعد عناء يوم كامل من رهق السفر ضمن البعثة الإعلامية لتغطية فعاليات مهرجان (البركل السياحي العالمي).. كان التحفز لمعرفة تفاصيل المنطقة يزاحم رهق السفر.. ولهذا لم يكن يجول في خاطري وقتها الدخول في حديث مع أي شخص ولكن بعد فترة تناهى إلى مسامعي صوت رجل صاحب شنب كثيف يرمي بطاقيته أعلى رأسه بقليل اكتراث ودون سابق حديث بدأ حديثه معي عن المهرجان والوفود الإعلامية ودور الصحافة في التعريف بالمنطقة ولم أحفل بما كان يدفقه على دماغي وقتها، ولكن عندما وصل إلى الحديث إلى أنه من جماعة (الرجعة للبيت القديم) تحزمت قليلاً لأن ما تفعله هذه المجموعة من إعادة ارث الراحل "حميد" إلى العلن، بالإضافة إلى المشاريع الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة سبق سيرة أفرادها.. دعاني الرجل الذي عرفني بنفسه ب"عبد القادر شديرة" ومضى إلى حال سبيله.. ومضيت أنا مع رفاقي.. وبعد يومين اتصل وعرض علي استضافتي وزملائي في رحلة نيلية إلى منطقة (الكاسنجر السياحية).. ولم أحفل بالأمر كثيراً ولكني حرصت على تلبية دعوته برفقة بعض الزملاء. * عندما وصلنا إلى منطقة (الكسنجر) زرنا ضريح (حاج الماحي) واستقبلنا أحد أبناء المنطقة يدعى "عباس محمد أحمد" بجلبابه الأبيض وملامحه التي تقطر سماحة.. كانت الفرحة تطفر من عينيه كأنه استقبل مولوداً جديداً.. ثم طوف بنا على متن مركبه في (99) جزيرة من جزر (الكاسنجر) التي تعتبر من أجمل المناطق السياحية في السودان إلى الحد الذي قال فيها الصحفي "أحمد طه" إن هذه الجزر من أجمل مناطق العالم… * كانت ملامح "شديرة" و"عباس" تنطق بالسعادة وهما يطلعان الإعلاميين على جمال تلك الجزر ولكن ما سوف يأتي هو ما سيطلق الدهشة من عقارها.. ف"عباس" و"شديرة" تكفلا بكل مصارف الرحلة السياحية الأولى.. وعندما حملنا الصور للزملاء وتم تنظيم رحلات أخرى بلغت أكثر من ثلاثة تكفل هذان الرجلان بكل مطلوباتها من مالهم الخاص.. ولهذا فإن ما قدماه هذان الرجلان للقادمين إلى منطقة "البركل" كان عملاً موازياً لما تقدمه حكومة بحالها.. قدما الحب والابتسامة واضطرا إلى الاستدانة لتغطية بعض مصاريف تلك الرحلات.. وهما يحلفان بأغلظ الإيمان بأن لا يصرف أي شخص من ضيوف المهرجان قرشاً واحداً. * إذا تجاوزنا الملامح والإشارات المهمة التي أطلقها (مهرجان البركل) في إنه لفت انتباه الناس والعالم إلى المناطق السياحية التي تتميز بها الولاية الشمالية، وإلى وضع أساس مبدئي لترسيخ ثقافة السياحة ودورها المهم جداً اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، فإن ثمة أشياء مهمة لا تقل عن سابقاتها تمثلت في أنه أبرز إنسان المنطقة كشخصية سودانية ما تزال تحتفظ بالكثير من القيم التي كادت أن تنزوي وتصبح تاريخاً كجبل البركل.. فإن اكتشاف إنسان المنطقة في هذا المهرجان يعتبر حدثاً مساوياً لجملة الاكتشافات الأثرية في (جبل البركل). * كثير من الرجال تلتقيهم مروراً دون أن تلتفت إلى قيمتهم الإنسانية الكبيرة.. ولكن في حال سنحت لك الظروف معاشرتهم أو معرفتهم عن قرب لن تملك وقتها سوى أن تتحسر على الأيام التي مضت دون أن تلتقي بهم.