ضد التيار هيثم كابو من قبر هذه الأغنية ؟؟ * حالة من الصمت المهيب تسيطر على الجمهور الذي تقاطر من كل فج عميق لتمتلئ مدرجات وجنبات المسرح القومي بأم درمان عن بكرة أبيها في تلك الأمسية الإستثنائية وذاك اليوم الموعود .. عدسات المصورين الصحافيين تتنقل ما بين الخشبة وتلك الجموع الغفيرة التي تقف على أقدامها بعد فشلها في العثور على مكان للجلوس عليه، ولم نكن – نحن الجالسين في المقاعد الأمامية – أفضل حالاً منهم، فمشاعرنا قد سبقتنا وسبقتهم على الوقوف..!! * فرادة تلك الأمسية وتميزها عن سواها من الليالي تمثل في أن مطربا عملاقا بحجم الراحل محمد وردي ذلكم القامة الشاهقة والمنارة السامقة لم يكتف وهو في هذه السن المتقدمة من العمر بأن يلتقي بجمهوره في حفل جماهيري حي (أذناً لحنجرة)، بل سيعيد تقديم (الطير المهاجر) رائعة (صلاح أحمد ابراهيم) بصورة جديدة مع أنها التي لا تزال – أيقونة الحاضر والماضي التليد – رغم كل هذه السنوات الطوال (أجد من كل جديد).. !! * بالفعل جلس وردي على المقعد ومن خلفه فرقة موسيقية شابة الحس والسن وفتية الاحساس قوامها مجموعة من العازفين المهرة .. توالت الروائع تباعاً في أمسية رفعت شعار : (ممنوع اصطحاب الدهشة، فأنت في حضرة حنجرة لا تشيخ وإرادة لا تقهر وعزيمة لا تعرف الانكسار)..!! * ليس مهما أن نتحدث عن نبوغ وردي الفني وعبقريته الموسيقية، فتلك من الثوابت الفلكية والحقائق الكونية .. ولكن المهم حقاً أن نأخذ العظات والعبر ونستخلص الدروس من تجربته الحياتية واصراره على الصمود والمقاومة حتى رحيله عن الدنيا، فالرجل كان حائط صد للأزمات المتلاحقة والمتشابكة، وعنوانا عريضا للتحدي والقفز فوق أسوار الحياة الشائكة ..!! * الحدث الأهم في ذلك الحفل المهم تمثل في تقديم وردي لأغنية جديدة بعنوان (نختلف أو نتفق) صاغها شعراً صديقنا المرهف سعدالدين ابراهيم، وتلك وقتها كانت رسالة لأهل الفن ببلادي إن كانت أجهرة استقبالهم تفك شفرة مثل هذه الرسائل وتعي المقصود منها وتدرك هدف ارسالها .. فشكراً نبيلاً لوردي صاحب السفر الغنائي الضخم وهو يقدم أعمالاً جديدة حتى قبل رحيله بأيام ودونكم رائعة أمل دنقل التي تغنى بها في حفل أستقبال العام الذي شهد رحيله بعد ثمانية وأربعين يوما بالتمام والكمال في الوقت الذي صام فيه الكبار والصغار بالساحة الفنية عن التجديد والتجويد ..!! * وضع الجمهور يومها آذانه على حافة خشبة المسرح وألصقها بمكبرات الصوت، بينما صوبوا أنظارهم وكل حواسهم نحو الفنان الكبير وهو يصدح بأغنية جديدة – بعد مقدمة موسيقية متقنة – شادياً : نختلف أو نتفق .. تقنعيني وأقنعك نختصم أو نصطلح .. تسمعيني وأسمعك المهم إنو الحوار .. يستمر ما ينقطع المهم إنو الجدار .. ما يعلو أكتر ويرتفع ..! * وبينما وردي يردد في الأغنية (الملحمة) والكل يصب تركيزه مع هذا العمل الجديد .. طافت بذهني ذكريات وأحداث مرتبطة بالأغنية ارتباطاً وثيقاً، منذ أن خصني صديقنا سعدالدين ابراهيم باطلاعي على نصها – ظناً منه أني أتمتع بذائقة فنية جيدة وحس عالي النبرة (وإن بعض الظن إثم) – وطلب مني وقتها أن أقول له رأيي في (نتفق أو نختلف) .. وللحقيقة أعجبتني الفكرة جدا، وشدني المضمون، وبساطة التناول، ويسر الطرح الخالي من أية فذلكة أوتقعر وتعقيد ..!! * الأغنية حسب فهمي الخاص تؤسس لخدمة المفاهيم النبيلة، وبإمكاني أن ألخص أبعادها المتجاوزة في نقطتين مهمتين : أولهما : الدعوة للإبقاء على الثوابت، وعدم تأثرها بحركة رياح التغيير السلبي، وعواصف الخلافات التي تهب على الحياة والمعاملات بين الفينة والأخرى ..!! النقطة الثانية : ضرورة استمرار الحوار وسيادة المنطق والمقارعة بالحجة في أحلك الظروف عندما تضطرب العلاقات وتتسع شقة الخلافات وتتفاقم الأزمات في كل مجال ..!! على كل، سأعود لاحقاً للحديث عن (نتفق أو نختلف) في مقال آخر .. لكن ما وددت قوله هنا، أني أعلنت انحيازي السافر لهذه الأغنية منذ أن أستمعت لنصها منذ الوهلة الأولى، وكم تمنيت عندئذ لو تغنى بها مطرب شاب، وبالفعل رشحت لها الراحل محمود عبدالعزيز وكانت في طريقها الى حنجرته، ثم تغنى بها حمد الريح عبر لحن صاغه صلاح أحمد ادريس سريعاً ما وئد – وهذه المرة لم اكن طرفاً في الموضوع من قريب او بعيد – ولو أني استبعدت ذلك الأمر ألا أن الزميل الرشيد علي عمر أكد لي خطأ افتراضي وأصر في ذات يوم قبل سنوات خلت على أن أرافقه بدعوة من صلاح إدريس حتى أستمع إليها بصوت حمد الريح في احدى البروفات ليقنعني بيان النظر قبل السمع، وقد كان ..! * مرت الأيام تباعاً وتفرق دم النص ما بين حمد ومحمود .. حتى جاء يوم أقمت فيه صالونا فنيا جامعا ناقشنا عبره موضوع (الأغنية السودانية وكيفية الخروج من نفق المحلية)، وتشرفت يومها بحضور كل من (محمد وردي – سعدالدين ابراهيم _ د. الفاتح حسين – أنس العاقب – شكرالله خلف الله ووليد زاكي الدين)، وقلت في ختام الجلسة لوردي : (أنك تحدثت الآن عن ندرة النصوص الشعرية الجيدة التي تناقش قضايا آنية .. دعني أرشدك على نص صاحبه بيننا .. فأعجبته الفكرة والمطلع .. وقرأ سعدالدين النص كاملاً.. فكان الاعلان الرسمي عن ميلاد أغنية جديدة لمحمد وردي .. وحينها غمرني فرح بلا حدود، وحاولت أن أبرز ذلك التعاون الجديد والاحقه بالسؤال عنه يوماً بعد الآخر .. ومن يرى اهتمامي بالأغنية يحسبني كاتبها أو ملحنها.. ولا يفوتني أن أقول أن صديقنا سعدالدين كثيراً ما ذكر مناسبة هذا التعاون الفني الكبير في أكثر من منبر إعلامي بشيء من الانصاف والتقدير لأحد أبنائه، وذلك أمر يشرفني جداً.. فما أجمل أن ترتبط بالجمال وأروع الأغنيات والأعمال..!! * سؤال ما بعد الاجترار : ما الذي دفعني الآن لإعادة أحداث وحروف وأحاسيس تلك الأمسية التي مر عليها الآن عدة سنوات؟؟ الاجابة ببساطة شديدة : (لأن وردي ظلم الأغنية في حياته ولم يرددها كثيراً رغم حماسه الكبير لها في لحظة الميلاد الأولى .. واتمنى من مخرج المبادرات الصديق الحبيب شكرالله خلف الله الذي وثق لذلكم الحفل أن يمنح الأغنية حقها من البث ونحن في ذكرى رحيل الإمبراطور الثالثة حتى تفوز بنعمة الرسوخ والتداول لأنها بالفعل تستحق ذلك ..!! نفس أخير * نحرس الأمل الموات والظروف الما مساعدة .. ولا نتحدى السُكات بأغاني جديدة واعدة..!!
حمل تطبيق كورة سودانية لتصفح اسهل لزوارنا من السودان على متجر 1موبايل http://www.1mobile.com/net.koorasudan.app-2451076.html لزوارنا من جميع انحاء العالم من متجر قوقل https://play.google.com/store/apps/details?id=net.koorasudan.app لزوارنا من الصين الشعبية http://www.androidappstore.mobi/EN/displayproduct/112531/playstore