قدم لاعبو الهلال ملحمة بطولية جسورة تستحق أن تُكتب بماء الذهب وأحرف من نور وتُعلق على جنبات الإستاد لتكون نبراساً وهادئاً للأجيال القادمة بعد أن أحكم الفريق قبضته على اللقاء ووصل مبكراً لشباك الخصم وأنهى مهمته في الوقت المحدد ، ثم تفرغ في بقية دقائق المباراة لتطبيق تكتيكه الخاص . نعتقد أن المدرب عزف على وتر الروح القتالية لدى اللاعبين ولامس فيهم الجزء الحساس واستطاع إخراج كل ما لديهم ، وفجّر في دواخلهم الشعور بالمسئولية ، فكانت الروح القتالية في أعلى درجاتها ولم نرصد لاعبا بخل و تقاصر عن الأداء الرجولي. قد تكون هناك بعض الإخفاقات بسبب ظروف ولكن ليس لرغبة اللاعب و فتور همته ، فقد كانت كلمات الطاقم الفني ترن في آذان الابطال يدعمها هدير الأنصار الذي شكّل سياجاً متيناً ودرعاً واقياً وحقن شرايين اللاعبين بجرعات معنوية عالية كان لها مفعول السحر في التوهج والإحتراق والقتال حتى الرمق الأخير. ومن وجهة نظر متواضعة أعتقد أن الطاقم الفني حدد التفاصيل الصغيرة ووزع المباراة لأجزاء ولعب على محاور ثلاثة نُجملها في ( القتال والاغلاق والعزل). إستحث الهمم في روح اللاعبين فكان له ما أراد وحوّل كل لاعب إلى أسد هصور يزأر بشراسة ويقاوم بإستبسال ، وقد شاهدنا الغربال ومزمل ومكابي في أدوار دفاعية قتالية ومساندة للطرفين ولعمق الدفاع. المحور الأهم في مجريات المباراة يتمثل في التكتيك العالي والتطبيق بإنضباط أعلى من اللاعبين ، بإغلاق منافذ الخصم وسد الطريق عليه وتركه يتناقل الكرة في وسط ملعبه دون أن تُشكل خطراً على مرمى الأسياد إلا من بعض التفلتات التي حسمها الدفاع ومن خلفه ابوعشرين. سياسة الإغلاق سببت التوتر للاعبي الشباب فصاروا يتلاومون فيما بينهم ، وقد حاولوا استغلال امكانتهم البدنية والفنية العالية ومهاراتهم المعروفة بالاضافة للياقة تنويع اللعب وتجريب اكثر من طريقة لسحب الهلال والضغط عليه والبحث عن ثغرات وإستدراجه للخروج ولكن هيهات. كان الهلال كتلة واحدة عبارة عن جبل أشم تصدى لكل السهام وتكسرت عند صلابته النصال فخرج بشباك نظيفة. نعود بالذاكرة للوراء ونسترجع إستقبال شباك الهلال لهدفين من سان جورج خلال نصف ساعة فقط ، وقتها خرج المدرب بجملة من المكاسب فعاد وأغلق المنافذ بالخرطوم وتأهل بهدف مستفيداً من هدف روفا ببحر دار الذي قلب الموازين وأكد على صحة قراءة وقرار الفنيين. في معسكر الكونغو خسر الهلال فضّجت الأسافير والوسائط ووسائل الإعلام ، ولكن المدرب حقق الفائدة المرجوة ونجح في تدارك الموقف بدار السلام عندما إقحم الغربال ومزمل في الوقت المناسب فكسب التعادل وعاد للتنافس. المحور الثالث وهو الأهم تمثل في عزل الهجوم التنزاني الخطير عن بقية خطوطه ، وهنا نرفع القبعات للاعبي الوسط صلاح عادل وسينغوني وروفا . سحب الثلاثي البساط من تحت أقدام الخصم فلا عرف هل يراقب روفا ويبطل بطارية الصواريخ ؟ أم يتفرغ لإنطلاقات مزمل والغربال ومكابي. العزل تسبب في تخفيف الضغط على الدفاع وإخماد هجمات الشباب وإنهاء المباراة بالنتيجة التي عمل عليها الطاقم الفني ونفذها اللاعبون بإجادة وإحترافية عالية.