* أكثر ما يحزن على طول طريق مدني _ الخرطوم، منظر السيارات المحطمة وملقاة على قارعة الطريق، معظمها كانت سيارات جديدة أو بحالة جيدة، وبعضها كانت كل حيلة أسر وأطفال يتامى يعتاشون من ريعها.. وما بين الكاملين والحصاحيصا فقط ما يقارب خمسين سيارة وذلك خلال فترة لم تتعد الشهر منذ أن بيعت ولاية الجزيرة، فما بالكم بالخرطوم في تسعة أشهر مضت كانت ساحقة ماحقة..!؟ * هؤلاء البشر يتعاملون مع السيارات بقسوة وهمجية مبالغ فيها، وكما يقال: (ما داقين فيها حجر دغش).. وبعدما تتعطل يتركونها ليبحثوا عن غيرها.. وهكذا.. ببساطة..! * صديقي الذي كان يغسلها ثلاث مرات في اليوم دون أن تتحرك من مكانها.. رأيت سيارته تمر أمامي ملطخة كلياً بالطين أو روث البقر لا أعرف، فقد بدت لي أقذر من جامعة القمامة بسوق صابرين .. هذه السيارة التي كانت تقلنا في مشاويرنا.. لم أنتبه يوماً أن في خزانتها (ديمقراطية) تبحث عنها شعوب ياجوج وماجوج..!! * أما في شوارع الخرطوم وفي مدنها الثلاثة، فإن منظر السيارات وهي محروقة ومحطمة قد أصبح من الملامح الرئيسية خاصة في الشوارع الكبيرة، وقد أقسم لي أحد أصدقائي المتواجدين هناك أن السيارات المحطمة والمحروقة من كل الموديلات الحديثة أكثر من المتحركة في الشوارع، وبما أن هذه الحرب اللعينة قد أخذت أرواحاً عزيزة وغالية من الأصدقاء والأحباب والأبرياء فإن هذه السيارات لن تكون أغلى من تلك الأرواح، ولكن.. بعضها كان أغلى ما يملك أصحابها.. وآخرين أرتبطت سياراتهم بذكريات حلوة وعطرة عاشوها ولا تقدر بثمن.. والمؤلم أن من أخذها عنوة وتحت تهديد السلاح، أو سرقة بعد أن كسر الأبوب، تعلم فيها القيادة وصدم بها عمود كهرباء، أو دخل بها في حائط، أو ألقى بها في مصرف.. وكذلك كانت هذه السيارات سبباً في موت الكثيرين من الجنجويد..!! * حكى لي شاهد عيان أن معركة حامية الوطيس شهدها الجزء الشمالي من السوق الشعبي أم درمان والمنطقة الصناعية فيما يسمى ويعرف ب(الخرد)، بين مجموعتين من هؤلاء البشر غير الأسوياء، بعد أن إستكثر الطرف الأول بوكس 2022 في مجموعة أخرى غنمته من أحد تجار السوق الشعبي المساكين في بداية الحرب.. وراح ضحية هذه المعركة الهمجية عدد مقدر منهم.. وهذا غيض من فيض..!! * إذا قدر لهذه الحرب اللعينة أن تنتهي قريباً، فإن العاصمة لن تعود بذات الصخب القديم والمألوف، وساعة الذروة واصطفاف الفارهات على مداخل المدن على الجسور وفي الطرقات الرئيسة، وربما عادت الدراجات الهوائية والنارية لتكون بديلاً والأهم من ذلك سنحاول جاهدين إجراء معادلة حتمية نضع فيها فرحتنا العارمة بإنتهاء الحرب أمام كم الفواجع التي خلفتها، ونواسي بعضنا _ من تبقوا _ بعبارة (البركة في الروح) فما يجري في بلادنا قد تجاوز كل عبارات الإستنكار المألوفة وانفرد بصدارة أسوأ المآسي البشرية في العصر الحديث على الإطلاق..!!