*سواءً كانت شعبيةً…أم عسكرية ؛ تُسمى – كذباً – ثورة.. *وجنون الثورة الفرنسية أدى إلى تهاوي رؤوس عديدة من على منصة المقصلة.. *وثورة روسيا البلشفية كان جنونها مجنوناً.. *ولم يسلم من جنونها هذا حتى أطفال القيصر الذين أُعدموا معه رمياً بالرصاص.. *وثورة يوليو المصرية أكلت أبيها…وبنيها……ومصر.. *وفي بلادنا هنا يبدأ أي انقلاب – يُطلق عليه اسم ثورة مجازاً – بجنونٍ مخيف.. *وجنون (مايو) دفع بها إلى التأميم…والتطهير…والمصادرة.. *ثم بعد أن تعقلت – وعاد إليها بعض رشدها – تراجعت عن ذلكم الجنون كله.. *و(الإنقاذ) كان جنونها فريداً من نوعه.. *فهي أحالت ثلثي العاملين بالدولة إلى الصالح العام…لأغراض التمكين الثوري.. *واستعدت أقوى دولتين في العالم…دونما سبب.. *وطفقت في تجريب نظريات سياسية – واقتصادية – لم يسمع بها العالم من قبل.. *وشرعت فيما سمته (إعادة صياغة الإنسان السوداني).. *وأحلت قتل النفس في وقفة يوم عيد رمضان ؛ دون محاكمات…ولا إنسانيات.. *وأعدمت نفراً في حر مالهم ؛ باسم الدين…والثورة.. *فكان جنوناً ثورياً دموياً ؛ فضلاً عن شذوذه…وشبقه…وهياجه…و غرابته.. *والآن تعيش بلادنا أجواء جنون ثوري شعبي.. *وهو جنون لذيذ رغم انبثاقه من بين الدماء…وركام الأحزان…ورحم المعاناة.. *وتحفه ثوريات انتهازية ألذ…تريد ركوب الموجة.. *فقد طمع في نصيبٍ من كيكتها بعض الذين أكلوا من كيكة الإنقاذ إلى حد التخمة.. *وأتى مهرولاً من الخارج نفر ممن لم يكتووا بنار الداخل.. *ويحملون بين جوانحهم طموحاً ذا سقف أعلى…وهو رئاسة الوزراء (حتة واحدة).. *ونفض بعض كسالى الأحزاب ثياب النوم من على أجسامهم.. *وارتدوا – على عجل – ثياب الثورية ليلحقوا بالركب ؛ فقد (جاءتهم باردة).. *ولكن ما يهمنا هنا ثورة الشعب اللذيذة…الأصيلة.. *ويكفي أن ميدان القيادة صار جامعةً لتعليم الشعوب المقهورة أدب الثورات.. *ثم ؛ أدب التكاتف…والتلاحم…والتراحم.. *ولكنا نخشى أن يؤدي التمادي في الأشواق الثورية إلى أن يصير جنونها مؤلماً.. *وشتان ما بين ألم اللذة…ولذة الألم…وبين الألم عقب لذة.. *فجنون الثورة يأخذ بخناق المجلس العسكري الانتقالي حتى ليوشك أن يخنقه.. *ومعلوم أن حياة الثورة من حياة هذا المجلس.. *فإن مات ماتت…وتنقض على الجميع (ثورة مضادة) تتربص بهم هذه الأيام.. *ولعلمنا بأدوات هذه الثورة طالبنا بتعطيل بعضها.. *طالبنا بإعفاء مدير هيئة الإذاعة والتلفزيون فوراً…محمد حاتم سليمان (الدباب).. *فاستجاب المجلس العسكري مشكوراً…في اليوم ذاته.. *ثم في اليوم التالي طالبنا بترحيل الرئيس المخلوع إلى (كوبر)…بأعجل ما يمكن.. *فهو محور الحراك المضاد…وتحت يده مالٌ لا حصر له.. *فاستجاب المجلس أيضاً في اليوم نفسه…فهو يستمع إلى النصائح المنطقية الهادئة.. *ولكن دعونا لا نرهقه من أمره عسرا…فتتعسر.. *ولنُبق على جنون ثورتنا لذيذا !!. صلاح الدين عووضة صحيفة الإنتباهة