يقيمُ خبرٌ تم تداوله بكثافة في مواقع التواصل الاجتماعي؛ دنيا السودانيين ولا يقعدها؛ حيث تثير عجلات عربات اللاندكروزر الغبار حول موقف القادمين الجدد إلى مجلس السيادة في حكومة ما بعد السلام غبارها الكثيف , خصوصاً وأن كل من مالك عقار والهادي إدريس والطاهر حجر لم يؤدوا القسم بعد، من أجل البدء في أداء مهامهم في المجلس الذي وصلت عضويته إلى 14 عضواً بعد إضافة قيادات حركات الكفاح المسلح عقب توقيع اتفاقية سلام جوبا؛ لكن بحسب الخبر المتداول فإن الثلاثي لم يؤدّ القسم نتيجة اعتراضات تتعلق بالمزايا والحوافز التي يجب حصولهم عليها، ومن ضمنها حصولهم على عربات لاندكروزر بديلاً عن سيارات ماركة (اكسنت) بحسب ما جاء في الخبر، لاحقاً ينفي بيان ممهور بتوقيع الأمانة العامة لمجلس السيادة الخبر ويصفه بأنه عارٍ من الصحة. 1 وسيرة المطالب باللاندكروزر تشبه سيرة (سيد البرادو) الذي يتحمل وزر كل الأزمات في واقع سودان اليوم في قائمة المطالبين بسيارات لاندكروزر فإنك ستجد نفسك في مواجهة كلّ من الهادي إدريس رئيس الجبهة الثورية والمسمى عضواً في مجلس السيادة الانتقالي، ومالك عقار رئيس الحركة الشعبية والطاهر حجر. الهادي إدريس يتواجد في دارفور مبشراً بعملية السلام منذ فترة وهو ذات الأمر الذي ينطبق على الطاهر حجر، بينما عاد عقار لتوه من مناطق قواته في النيل الأزرق وهي ذات الدواعي التي قال مجلس السيادة بأنها قد تسببت في تأخير أداء القسم قبل أن يصف الخبر بالسعي لتشويه صورة هذه القيادات وتوصيفه بالعمل على إثارة الفتن والقلاقل. بيانه يطالب مجلس السيادة وسائل الإعلام بتحري الدقة، ويأمل أن يسهم الإعلام ووسائطه المتعددة بدور فاعل وبناء في هذه المرحلة التي تمر بها البلاد، والتي تتطلب تكاتف وتعاون الجميع لخدمة القضايا الوطنية، وفي مقدمتها عملية بناء السلام وتحقيق الأمن والاستقرار للسودان وشعبه. 2 لكن لم يكن إثارة قضية سيارات ومخصصات أعضاء المجلس السيادي في السودان؛ أمراً جديداً فقد سبق وأثارت ذات القضية جدلاً كثيفاً في اغسطس من العام 2019 حين نشرت صحيفة السوداني المحلية خبراً يفيد بتسلم أعضاء المجلس السيادي لعربات (انفنيتي) جديدة، مما اضطر المجلس لإصدار بيان وقتها أوضح من خلاله الحقائق، وكشف عن أن السيارات لم يتم شراؤها وإنما موجودة سلفاً ومملوكة لمؤسسة رئاسة الجمهورية، ويتم استخدامها في المراسم التشريفية، وكان ساعتها عضو مجلس السيادة من المدنيين محمد الفكي قد أصدر تصريحاً قال فيه إن أعضاء مجلس السيادة لن يستخدموا تلك السيارات، وسيتم التباحث مستقبلاً حول كيفية توظيف تلك الأصول الفائضة بما يدعم موازنة الدولة، لكن في نهاية الأمر استخدم أعضاء السيادي السيارات الرئاسية استجابة للمراسم، والتي استحقوها لوجودهم على رأس قيادة الدولة، وهو ذات الأمر الذي ينطبق الآن على الرؤساء الجدد الملتحقين بالمجلس السيادي؛ حيث يوجد قانون خاص ينظم عملية استخدام السيارات لشاغلي المناصب الدستورية. 3 يقول أحد منسوبي الحركة الشعبية بقيادة عقار لليوم التالي إن هذا النوع من الأخبار غير جدير حتى بالتوقف فيه، ناهيك عن مناقشته ويردف أن رئيس الحركة ومعه الهادي وحجر قد أصبحوا أعضاء في مجلس السيادة، وبالتالي فإن الأخير هو الذي يجب ان يتعامل مع مثل هذا النوع من التناول، بينما وصف الطاهر حجر الحديث عن مطالبتهم بنوع معين من السيارات إشاعة يجب عدم التوقف عندها، وبالطبع البحث عن المستفيدين من إطلاق هذا النوع من الشائعات، وما المرامي التي يرغبون في الوصول إليها من خلالها، وهل هم أعداء للحرب ام أعداء للسلام ؟ بالنسبة للكثيرين فإن مثل هذا التناول يشبه لحد كبير المواقف التي تبناها البعض من وصول حركات الكفاح المسلح بجيوشها للعاصمة الخرطوم، ووصفها بأنها عمليات احتلال للمدينة التي هي في الأساس عاصمة بلاد يحملون وثائق الانتماء لها، وأن سياساتها في صناعة الصراع وغياب التنمية هي التي دفعت بهم نحو التمرد. 4 حسناً ثمة من يرى في ما يجري حالياً امتداد لسياسة هدفها الرئيسي خلق فجوة بين قيادات حركات الكفاح المسلح والشارع؛ وتوصيفهم بأنهم مجرد متهافتين على السلطة، وأن عودتهم الهدف الرئيسي منها هو تحصيل أكبر قدر من المكاسب الذاتية، وهي التي جعلتهم يعودون للخرطوم ولا شيء سواها، وبالطبع تتجه أصابع الاتهام هنا نحو المتضررين من الثورة والتغيير الذي يرغب من أنجزوه في صناعة سودان جديد يظلل سماءه السلام ولا يعود أهله مرة أخرى لحالة الحرب إذن بحسب هؤلاء فإن من يحاولون الاصطياد في المياه العكرة هي مكونات النظام البائد، فهي التي تقوم بتوظيف الإعلام في سبيل تحقيق مثل هذه المطالب وبزيادة حدة الفجوة بين الشارع وقيادات حركات الكفاح المسلح او بين الشارع الثائر والحكومة التي يتم توصيفها بأنها حكومة الثورة وحاملة لواء تحقيق غاياتها. 5 استحقاق كل من عقار والهادي والطاهر للسيارات التشريفية وبالقانون يؤكد وبما لا يدعو مجالاً للشك أن عملية رهن أدائهم للقسم والقيام بواجباتهم بهذا الأمر قد جانبه الصواب، وهو الأمر الذي يفتح بدوره الباب واسعاً أمام التاويلات التي تشير إلى أن جماعات بعينها مستفيدة من تداول مثل هذا النوع من الأخبار لتحقيق غايات تخصها، لكن وعلى كل حال فإن قضية سيارات أعضاء السيادي واستخداماتها وبالطبع مزايا الجلوس على المناصب قضية جديرة بالاهتمام والنقاش في سودان ما بعد سقوطهم، خصوصاً وأن الجميع يأمل في أن تتغير صورة السياسي من كونه مجرد مستفيد من منصبه إلى خادم يحقق رغبات الشعب وطموحاته. فالحكومة وشغل وظائفها في العهد الثوري يجب أن تكون مختلفة عن تلك التي عايش السودانيون سلوكياتها في عهد أسقطوه بصمودهم ودمائهم، كما أن التداول الكثيف لخبر لا أساس له من الصحة والتعليق عليه من قبل الشارع يؤكد على أن ثمة اختلال ليست في وسائل الإعلام التي تتناقل الأخبار دون تمحيص وحدها وإنما في معيار الثقة بين الشارع والنخبة التي يستعد منسوبوها للجلوس في كراسي إدارة شأنه.