قال رئيس حزب المؤتمر السوداني، عمر الدقير، في مؤتمر صحفي عقده قبل يومين، إنه يشعر بالمرارة والخذلان؛ بسبب موقف عبد الله حمدوك العائد إلى منصبه رئيساً للوزراء، استناداً على قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر الانقلابية. وانتقد الدقير خيار رئيس الوزراء بالعودة بالتزامن مع اعتقال وزراء في حكومته، لكن الرجل بدا حصيفاً، وهو يردد أنه لن يتجه نحو تخوين الرجل، الذي وصفه بأنه أصبح رئيس وزراء الانقلاب، مستبدلاً صعوده على أكتاف الإرادة الجماهيرية، بالصعود على الدبابة، وصار موظفاً لدى الانقلابيين. نبرة الغضب التي بدت في خطاب الدقير، قابلتها نبرة غضب، تم التعبير عنها هذه المرة ب(أضحكني)، على صفحات رئيس الوزراء بالمواقع الافتراضية، وإن بقيت حقيقة واحدة مفادها أن حمدوك في مرمى النيران . تفاصيل ما حدث يوم الحادي والعشرين من نوفمبر، الشارع يخرج مرة أخرى، ممتشقاً شعارات مقاومته للانقلاب العسكري، ومطالباً بالتحول المدني الكامل، وحاملاً صور رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، باعتباره رمز المدنية، في وقت بدا فيه الهمس جهراً حول اقتراب عودة رئيس الوزراء إلى منصبه عبر التوافق بينه ورئيس مجلس السيادة، ثمة من يحمل لافتة كتب عليها (حمدوك لا تصالح ولو منحوك الذهب)، وآخرون استبعدوا العودة برمتها، لكن سرعان ما تكشف الأمر، حيث تم رفع الإقامة الجبرية عن الرجل الذي حملته سيارة إلى القصر الجمهوري من أجل التوقيع على الإعلان السياسي، وهو أمر أصاب الكثيرين بخيبة أمل، وهم الذين كانوا يرغبون في إعادة الرجل بقوة دفع الجماهير، خيبة أمل لم تستمر طويلاً، وسرعان ما أعادت الجماهير ترتيبات هتافاتها لاستعادة المدنية، وبمنتهي البساطة كان أحدهم يضع علامة (كروس) على صورة المؤسس الذي تحول إلى انقلابي، وفقاً لتعبيره. عقب توقيعه على الاتفاق مع رئيس مجلس السيادة، وتبريره الخطوة بأن الهدف منها هو قطع الطريق على انهيار البلاد، ومن أجل إيقاف إراقة الدماء في الشوارع، ومعه بالطبع المحافظة على البلاد من الانزلاق نحو السيناريوهات الكارثية، وظهور النموذج اليمني أو السوري، كما قال رئيس الوزراء، في اللقاءت الصحفية عقب عودته إلى منصبه، ورغم وجاهة ما طرحه رئيس الوزراء، إلا أن الشارع رأى في القرارات امتداداً لنظرية الانقلاب المخطط لها منذ فترة، وأن رئيس الوزراء كان جزءاً من هذا التخطيط، كما أن التوقيع إنابة عن الشعب خوفاً عليه وعلى البلاد تكريس لذات نهج الوصاية الذي قال به في وقت سابق رئيس مجلس السيادة، معتبراً أن القوات المسلحة وصية على الشعب السوداني، وما عزز من فرضية توصيف حمدوك بالانقلابي تصريحات قيادات المكون العسكري، وآخرهم نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول حميدتي، الذي قال إن ما حدث تم بمباركة حمدوك.
الشعب والشعبية بالنسبة لحمدوك فإن القرار الذي اتخذه بضرورة التوافق مع المكون العسكري الذي اعتبر في تصريحات صحفية أخيرة له أن إبعاده من المشهد السياسي وهمٌ لا يمكن تحقيقه، افترضته المسؤولية الملقاة على عاتقه في حماية أرواح السودانيين، وأنه لم يكن ليتخذ هذه الخطوة، رغم مترتباتها الكبيرة على صورته في الشارع، لكن الرجل سرعان ما أضاف أنه غير مهموم بالشعبية، لأنه لا يرغب في البقاء في المشهد بعد إكمال المرحلة الانتقالية، وإنجاز عملية الانتقال الديمقراطي في سودان ما بعد الثورة، وانه غير مشغول بتحول عبارة (شكراً) إلى (تسقط بس)، لكن عدم انشغال حمدوك بشعبيته سرعان ما فنده البعض من خلال لجوء الرجل إلى الظهور الإعلامي باحثاً عن التبرير لخطوته، وبالطبع باحثاً عن دعم له في الشارع، وهو الدعم الذي حضر ولكن من مجموعات محسوبة أنها ضد الثورة، هي من رفعت شعار (شكراً حمدوك)، وكأنها تدفع فاتورة عودتها للتأثير بالشباك، عقب أن طردتها الثورة بالباب، وهو أمر كان كافياً لأن تتراجع شعبية حمدوك الذي وصفه البعض بأنه وقع على اتفاق مع الانقلابيين، متنازلاً عن حاضنته الحزبية، وعن الشارع في الوقت نفسه، وهو أمر يجعل من عملية الانقلاب عليه أكثر سهولة مما حدث في المرة السابقة.
رئيس وزراء الانقلاب في المؤتمر الصحفي قال رئيس المؤتمر السوداني إن التوصيف الحقيقي لدكتور عبد الله حمدوك في الوقت الراهن، هو نعته برئيس وزراء الانقلاب، بينما مضى آخرون في نعت الرجل بأنه مجرد سكرتير للعساكر؛ وذلك استناداً لتفسيرات البعض للإعلان الذي تم التوقيع عليه، الذي يجعل من المجلس السيادي مشرفاً على مجلس الوزراء، وهو أمر يجرد رئيس الوزراء من السلطات الممنوحة له بواسطة الوثيقة الدستورية المنقلب عليها، ويحوله إلى مجرد أداة لتنفيذ ما يطلبه العسكر وحاضنتهم الجديدة، المتمثلة في منسوبي النظام المخلوع، متبوعاً ذلك بالقرارات التي أصدرها قائد الانقلاب، والإحالات في المؤسسات والخدمة المدنية، لكن حمدوك قال إن هذا الأمر لن يحدث، ولو شعر بأنه غير قادر على القيام بأداء دوره كرئيس للوزراء سيتقدم باستقالته، وسيغادر المنصب وهو الأمر ذاته الذي قال إنه سيفعله في حال طلب الشعب منه ذلك.
لجان مقاومة ولكن نشر مكتب رئيس الوزراء عن لقاء جمع رئيس مجلس الوزراء بممثلين للجان المقاومة، وبحسب الخبر المنشور، فإن رئيس الوزراء قدم تنويراً حول الاتفاق السياسي الذي تم التوقيع عليه يوم 21 نوفمبر الحالي، موضحاً في هذا الصدد أن ما دعاه للتوقيع على هذا الاتفاق أسباب أساسية تتمثل في حقن دماء الشباب والشابات، والدم السوداني الغالي، رغم إدراكه للقدرة غير المتناهية والاستعداد العالي للتضحية؛ مضيفاً: "ولكن الدم السوداني غالٍ"، ومن ضمن الأسباب التي دعته للتوقيع المحافظة على المكتسبات التي تحققت في العامين السابقين، وأمن رئيس الوزراء على المقترحات التي قدمها أعضاء لجان المقاومة من العاصمة والولايات، باعتبارها مقترحات عملية. وأكد الحضور من أعضاء لجان المقاومة بالعاصمة والولايات دعمهم للفترة الانتقالية، بجانب التأمين على مواصلة مثل هذه اللقاءات بصورة دورية. المفارقة أنه وعلى غير العادة لم يتم نشر صور لقاء لجان المقاومة التي حضرت لقاء رئيس مجلس الوزراء، قبل أن ينتهي الأمر بأن من حضر لا يمثلون لجان المقاومة في الأرض، التي اعلنت موقفها الرافض لكل الإجراءات التي تمت عقب الانقلاب، وبالطبع رفضها لشرعنته بواسطة رئيس الوزراء واتفاقه، وأن من حضروا يمثلون أنفسهم.
في مرمى النيران وفي أعقاب ما تم تداوله من أنباء تتابعت بيانات لجان المقاومة على منصاتها المعترف بها في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث نفت بشكل قاطع لقاءها مع رئيس الوزراء الذي نعته البعض بالانقلابي، ونعته آخرون بالسكرتير، معتبرين ما تم تزويراً لإرادة الشارع، وسلوكاً يشبه سلوك النظام البائد في شراء الحشود المصنوعة، وما رشح من بيانات لجان المقاومة فإن حتى الذين شاركوا في اللقاء شاركوا بصفاتهم الشخصية، وأنه لا توجد علاقة لهم باللجان التي أعلنت تنسيقياتها، وفي بيانات متتابعة، رفضها لقاء رئيس مجلس الوزراء، باعتبار أن أوان اللقاء فات، حيث إنه كان يجب أن يكون قبل اتخاذه قرار الانخراط في العملية الانقلابية وشرعنته، وأن رئيس الوزراء في وضعه الراهن ينطبق عليه ما ينطبق على منفذي العملية الانقلابية، فهو معهم إلى أن يثبت العكس، خطوة اللقاء مع من قيل إنهم ممثلو لجان مقاومة وجدت انتقادات حادة من كثيرين، واعتبروا ما حدث فيها تعبيراً عن سلوك لا يشبه الثورة، ولا مبادئها، ويتقاطع حتى مع ما يؤمن به المنخرطون في مكتب رئيس الوزراء المحسوبون في صف كونهم ثواراً. لقاء المواكب لجان المقاومة التي قيل إنها أعلنت دعمها لخيارات رئيس الوزراء واتفاقه، بحسب الخبر، لم تكن كذلك، حيث أعلنت عن تسييرها لموكب الثلاثين من نوفمبر الذي هدفه تحقيق ذات الشعارات في إنجاز الانتقال المدني، والمحافظة على قيم الثورة، والمطالبة بإسقاط المجلس الانقلابي، فهو الطريق الوحيد لإيقاف نزيف الدم، وقررت لجان المقاومة، بحسب بيانات لها، عن تسيير موكب الثلاثين من نوفمبر إلى القصر الجمهوري، وكان منسوبوها يحددون مكان اللقاء في الشارع، فهو مصدر الشرعية الثورية، وليس المكاتب، بل إن بعض منسوبيها دعوا رئيس الوزراء للقائهم هناك من أجل تسلم مطالبهم التي من المؤكد ستحتوي على مطلب إسقاط الانقلاب ومنفذيه، وما ترتب عليه، بما في ذلك اتفاق (حمدوك البرهان) المرفوض جملة وتفصيلاً، وهو ما يؤكد على فرضية واحدة مفادها أن حمدوك في مرمى النيران. تقرير: الزين عثمان