بعد انتهاء شهر رمضان الفضيل الذي أراده الله لتهذيب النفوس وترويضها على التقوى والعمل الصالح والإحساس بآلام الفقير ومعاناة المحروم يحق لنا أن نتساءل: هل حققت دراما رمضان على كثرتها شيئًا من تلك الغايات النبيلة التي تبني المجتمعات وتصون القيم وتنمي مكارم الأخلاق.. وإذا كانت الإجابة بالنفي.. فما الذي أراده صناع الدراما من مسلسلات كثيرة العدد، قليلة النفع؟ فهذا مسلسل يروج لنموذج يستمرئ الفاحشة لأن أمها مريضة أو لأن الظروف دفعتها لذلك.. ومسلسل آخر يقدم امرأة تخون زوجها لأنه أكبر منها سناً، أو لأنها تزوجته غصباً عنها.. وأخرى تعصي والديها وتهرب مع عشيقها لأن الحب أقوى من كل شيء.. وتلك تختلي بحبيبها دون علم أهلها وتسلمه نفسها له دون زواج لأنها تثق به.. وذاك يعق أباه لأنه لم يهتم به في صغره.. فإذا اجتمعت كل هذه النفايات البشرية في مسلسلات شتى تعرض على الشاشات في وقت واحد.. فماذا يفعل شباب ضاقت أمامه سبل العيش بما يعانيه من بطالة أو تدنى في الأجور والقوة الشرائية وانخفض في عينيه منسوب الأمل تحت وطأة الغلاء الفاحش وصعوبات الحياة التي لا ترحم؟ وماذا أراد صناع الدراما بشبابنا وأطفالنا الذين يعتادون رؤية هذه النماذج المنحطة إلا أن يتماهوا مع الخطايا ولا يجدون غضاضة في ارتكابها لكثرة ما تعرضه الدراما من نماذج سافلة حتى صارت للأسف وسيلة هدم وإفساد لا بناء وترقية للذوق؟! ويبدو أن القائمين على هذه المسلسلات لا يتورعون عن ترويج مثل هذا العفن الخلقي في شهر الصيام الذي فرض الله على عباده أن يمتنعوا عن الحلال في نهاره والتخفف منه في الليل.. الأمر الذي يجعلنا نقول بضمير مرتاح إن تكرار مثل هذه الشخصيات كثيراً في المسلسلات لا يترك مجالًا للاطمئنان إلى سلامة النيات والأهداف؛ حتى لو سلمنا بأن نقل الكفر ليس بكافر.. فوظيفة الدراما ليست رصد سلبيات المجتمع وسقطاته لتجسيدها على الشاشات بما تنطوي عليه من عنف وعري وانحلال خلقي، وإحلال الحرام والبحث عن مبررات له لدرجة تدفع ضعاف العقول والإرادة للتعاطف مع المجرم والسارق والزانية والعاق لوالديه لأن الظروف والأسباب دفعتهم لذلك.. أي ظروف تلك التي تلتمس الأعذار للانحراف والسقوط في بئر الرذيلة؟! فهل يمكن الاطمئنان لمثل تلك الدراما أن تبنى البيوت وتصون الأخلاق.. أم أن ترويج مثل هذا القبح ينضوي تحت قوله تعالى:"إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"؟ ينبغي أن نتوقف مع أنفسنا بعد شهر كامل من الصيام والقيام والصدقات لنسأل أنفسنا: هل تمثل المسلسلات المحلية أو المستوردة؛ المترجمة أو المدبلجة قيم ديننا أم أنها تكرس لحالة دياثة في بيوتنا؟! لا نملك إلا أن نقول لكل أسرة: احذروا مما يعرض في ثوب الفن من دراما خادشة للحياء.. واحرسوا بيوتكم منها.. وتدبروا قول الله تعالى: "وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا".. ولست في حاجة للقول إن المجتمعات تبنى بالأخلاق والعمل والإنتاج والفضيلة وليس بالشهوات والخطايا.. فانتبهوا يا أولى الأبصار؟!