في صبيحة اليوم الثالث لاعتصام مواطني كوستي، فُوجئ الذين حضروا مبكراً بإغلاق مبنى رئاسة المحلية، في حين تمركزت سيارة للشرطة جوار مكتب الاستقبال، وهي المرة الاولى التي تتدخل فيها الشرطة وبدا أن الامور على وشك الانفجار، فالمطالب بالإبقاء على المعتمد مازالت قائمة، فيما بقيت الأجهزة الأمنية تراقب الموقف دون تدخل مباشر ، اذ لم يشهد الاعتصام حالة اعتقال كما جرت العادة في مثل هكذا مواقف. وبينما تواصل إصدار البيانات وبقي المعتصمون خارج سور المحلية في انتظار ما ستسفر عنه الساعات المقبلة وسط جملة من الخيارات التي كانت قائمة ومنها إغلاق السوق وإضراب شامل للمواصلات، كان الاجتماع الذي عُقد في منزل المرحوم الأستاذ الشاعر حامد علي الخير مستمراً بين أعضاء لجنة الاعتصام ومعتمد كوستي العقيد شرطة أبو عبيدة العراقي ووزير التخطيط العمراني اللواء الطيب الجزار ووزير الصحة د. عبد الله عبد الكريم ومبعوث المركز لاحتواء الأزمة د. الفاتح محمد سعيد، يأتي هذا في وقت تلقى فيه الصحفيون الذين شاركوا في تغطية الاعتصام وبشكل مفاجئ، اتصالاً لحضور المؤتمر الصحفي للوالي في أمانة المؤتمر الوطني بربك للإعلان عن الحكومة، تزامن ذلك مع معلومات أشَارت الى أن الوالي يوسف الشنبلي قابل ضغوطاً ممن بات يطلق عليهم (الكباتن) لإبعاد معتمد كوستي عن منصبه بعد أن ضيّق عليهم الخناق وأوقف عمليات الفساد التي كانوا يمارسونها وخطى خطوات انتهت بفتح بلاغ ضد أحد قيادات المؤتمر الوطني بالمحلية. وفي يوم الجمعة الماضي، دعا أئمة عدد من المساجد لمقاومة أي اتجاه لإعفاء المعتمد ومواصلة الاعتصام إلى أن تتحقق المطالب، فيما عزا الكثيرون اتجاه تعيين معتمد كوستي معتمداً لربك لصراع مراكز النفوذ داخل المؤتمر الوطني. من جهته، أكد يوسف أحمد نور الشنبلي في المؤتمر الصحفي الذي أعلن خلاله عن حكومة الولاية، أن تشكيلة الحكومة الجديدة جاءت وفقاً لموجهات المركز، وقال إن أهم الموجهات عدم الإبقاء على أبناء المحليات من المعتمدين في مناصبهم منعاً لترسيخ القبلية والجهوية، وزاد بالقول: (نحنا قصدنا من كدا إنو مافي زول يقول دا ولدنا)، ومضى الشنبلي إلى طرح سؤال مقابل سؤال ل (الرأي العام) عن كيفية تعامل الولاية مع أزمة اعتصام كوستي بقوله: (وما الذي جرى في كوستي)، مقللاً بذلك من شأن الاعتصام الذي دخل يومه الثالث وقتها، وقال: (نحنا ما ظلمنا كوستي وما عاقبنا معتمدها بتعيينه معتمداً لربك)، وأشار إلى أن تعيين العقيد شرطة أبو عبيدة العراقي في ربك هو بمثابة الوفاء لكوستي التي ضمت سبعة من أبنائها في حكومة الولاية بمن فيهم وزيري التخطيط العمر اني والصحة، وقال الشنبلي في ختام تصريحاته: (سأرعى كوستي رعاية شخصية). بالمقابل فإن حالة الترقب وسط المعتصمين خارج مبنى المحلية التي حاصرتها الشرطة من كل الجهات تحسباً لأيِّ طارئ، تحولت لحالة من التحفز بعد أن بلغ المعتصمين تعيين معتمد كوستي متعمداً لربك، في هذه الأثناء كانت لجنة المعتصمين التي اجتمعت في منزل الأستاذ المرحوم حامد علي الخير صاغت مذكرة لرئيس الجمهورية والوالي وغادرت لمنزل الأخير في ربك لتسليمه إياها، وفي الاجتماع الذي ضَمّ أعضاء اللجنة والوالي جرى نقاش مستفيض حول دواعي إعفاء معتمد كوستي رغم القبول الكبير الذي حُظي به وسط المواطنين، وأعلن الوالي لأعضاء اللجنة تضامنه معهم، وأكد لهم أنه بذل قصارى جهده للإبقاء على معتمد كوستي في منصبه ولكن توجيهات المركز كانت واضحة، وأشار الشنبلي الى أن من دواعي تأخير الإعلان عن الحكومة هو توفيق وضعية معتمد كوستي، وقال إنه سيعمل مع معتمد ربك معتمد كوستي الأسبق ووزير التخطيط العمراني بالاضافة لمعتمد كوستي الجديد على تنفيذ مشروعات المعتمد والاعتناء بكوستي على أحسن ما يكون. ولكن رجل الأعمال القيادي بالمؤتمر الوطني، عضو المكتب القيادي الأمين علي الأمين رفض مبررات الوالي التي ذهب فيها إلى أن الهدف الأساسي من التنقلات الكبيرة للمعتمدين تفادي الدخول في معمعة القبلية والجهوية، وأكّد أنّ هذا المنطق يتنافى تماماً مع ما يحدث في ولايتي الشرق والغرب، حيث يحكم أبناء المنطقة منطقتهم، وأضاف: (نرفض التذرع بالقبلية لإزاحة معتمد كوستي من منصبه)، وقال إن تعيين معتمد كوستي معتمداً لربك جاء في إطار صراع النفوذ بين (الكباتن) وأبناء المدينة، وقال الأمين علي الأمين إن مطلبهم الرئيسي بالإبقاء على العقيد شرطة أبو عبيدة العراقي لم يكن منطلقاً انطلاقاً ذا بُعد قبلي أو جهوي، وزاد بقوله: (الجيلي أحمد الشريف وهاشم هارون لم يكونا من كوستي ومع ذلك تمسك بهما أبناء المدينة وفاءً وعرفاناً لما قدماه). من جهته، أكد عبد الله الناير عضو المكتب التنفيذي، القيادي بالمؤتمر الوطني بمحلية كوستي، أن من أهم أسباب تمسك أبناء كوستي بمعتمدها أنه بدأ يحرك القطاع ويتفاعل مع المجتمع من حوله بما يفيد المنطقة كلها، وقال: (حتى بعض الناس الما قدرت تنال من المعتمد أخذت بسفاسف الأمور لتشويه سُمعته)، وأشار الى أن ما تم في كوستي من إنجازات كبيرة شارك فيه الجميع (من ست الشاي للغرفة التجارية)، ونفى أن يكون المعتمد عمل لصالح المدينة على حساب الريف كما يتهمه البعض زرواً وبهتاناً، وأضاف: (للأسف بعض أعضاء المكتب القيادي عملوا على تنفيذ مُخطط إبعاد المعتمد وهذا هو الإعوجاج الموجود في المؤتمر الوطني)، وفيما يلي إعلانهم تقديم استقالات جماعية من المكتب التنفيذي قال عبد الله الناير إنّ المعتمد اثناهم خلال مخاطبته المعتصمين عن هذه الخطوة نزولاً عند رغبة المركز. وكان وفد بقيادة د. الفاتح محمد سعيد مبعوث المركز للولاية لاحتواء الأزمة، وهو من أبناء كوستي، خاطب المعتصمين عقب الإعلان عن حكومة الولاية. وفيما حمل المعتصمون مبعوث المركز مذكرتهم لرئيس الجمهورية، دعا اللواء الطيب الجزار وزير التخطيط العمراني المعتصمين لفض اعتصامهم، وأكد أن رسالتهم وصلت المركز بصورة قوية سلمية وحضارية، وأكد أن تضامن أبناء كوستي يُعد مؤشراً على بلوغهم درجة من الوعي والنضج السياسي. وثمّن وقفتهم مع المعتمد، وأضاف: (أنتم ارتبطتم مع أبو عبيدة ارتباطا وجدانيا وسيظل هذا الارتباط باقياً). من جهته، ناشد العقيد شرطة أبو عبيدة العراقي، المعتصمين بالتعاون مع المعتمد الجديد الذي قال إنه يعرفه جيداً وتربطه به علاقة شخصية، وأكد: (ما يجب أن تعرفوه هو أن المعتمد الجديد نسخة طبق الأصل مني، انفض الاعتصام دون حدوث صدامات مع قوات الشرطة التي حاصرت موقع الحدث من جهاته الاربع، فيما تحولت لجنة الاعتصام للجنة تعمل على تنفيذ أهداف الاعتصام القائمة على استكمال النهضة التنموية، ولكن الحزن الذي ترسخ في النفوس وعودة الشعور بفقدان الثقة في أي مسؤول بعد المعتمد الأسبق تبقى من أعظم التحديات التي ستواجه المعتمد الجديد.. فإن كسب ثقتهم نجح وإلا فإن الفشل سيكون مصيره منذ الوهلة الأولى..