من النظريات الإعلامية التي وجدت رواجا في الأوساط العلمية والإعلامية نهاية السبعينيات الماضية نظرية وضع الأجندة أو ترتيب الأجندة الصحفية Agenda setting of the press وجاءت هذه النظرية بافتراض أن الوسائل الإعلامية تعمل على وضع الجدول الذي يتناقش عليه الناس يومياً فكما تذهب الى مؤتمر حول قضية ما من القضايا أو إجتماع أو حلقة دراسية أو ورشة عمل وتجد على طاولات جمهور الحاضرين جدول الأعمال ويمكن لك أن تختار منه ما تشاء من القضايا أو الإستماع لبعض المتحدثين دون الآخرين كانت افتراضات هذه النظرية التي ترى أن لوسائل الاعلام قدرة وفاعلية في أن تجذب متلقيها حول ماذا يفكر وأن نوع العرض الذي تقدمه وسائل الاعلام بالتركيز والابراز لقضية ما من القضايا يؤدي الى بروزه والاهتمام به عند الجمهور المتلقي أي أن العرض بالابراز أو الاهمال هو رسالة ذات تأثير بغض النظر عن المحتوى واتجاهات التناول . واستخدام مصطلح «الأجندة» في الوسط الصحفي والسياسي بما يفيد الغرض والمصلحة وفي الفن الصحفي الذي يقوم على سهولة القراءة واراحة عين القارئ وقواعد الإخراج الصحفي التي تقوم على الابراز والتركيز تتوزع المواد الصحفية حسب الأهمية على المسطح الورقي للصحف المطبوعة أو على الصفحات الإلكترونية التي يسرت لها التقنيات الجديدة وسائل جذب عديدة كالجرافيك والفيديو والحروف والصور المتحركة. أردت بهذا التقديم والاستطراد أن أصل الى أن بيد الصحفيين القدرة على وضع الأجندة للجمهور وحضهم وتحريضهم على ما ينبغي أن يعلموا به وما لا ينبغي أن يعلموا به وفي يدهم أيضاً إبراز قضايا وتجاهل قضايا وهذا الحق لو أسيئ إستخدامه لأدى الى فساد المجتمع وألحق الضرر بالناس ولكن هذا الحق مقيد بالقوانين العامة والقوانين الأخلاقية التي تؤكد أن العمل الصحفي يقوم على الدقة والنزاهة والحياد فالصحفي وحسب القواعد المهنية والالتزامات الأخلاقية عليه ألا ينتحل ولا يبتز ولا ينحاز إلا الى الحقيقة ولا يفبرك وأن يعرض ما يكتب بالتوازن والأمانة وغيرها من القواعد المقدسة التي تؤكد عليها كل الهيئات والاتحادات والجمعيات الصحفية وتحض أعضاءها على وجوب الالتزام الصارم بها والصحافة تفسد وتضر المجتمع عندما يضع لها الآخرون أجندتها وتستسلم لإغرائهم وتفتح جيوبها لعطاياهم بل ويكون فتح فمها بقدر ما يضعه هؤلاء في جيبها كما عبر عن ذلك أحدهم والذي سماها بالصحافة التي يسيل فمها لدفتر الشيكات عندما يضع الآخرون للصحافة أجندتها تختفي الحقيقة وتتوارى وينال من الشرفاء ويفلت اللصوص ويتربع على عرشها المفسدون والراشون ويديرها الصحفيون المستغلون لا المستقلون بإرادتهم الأحرار في تناولهم . انظروا الى القضايا التي تشغل بها هذه الأيام صفحات الصحف وأعمدة الكتاب الصحفيين وستكتشفوا أن بعض هذه القضايا وبروزها والاهتمام بها من ورائها مصالح تتضارب وجماعات تتضرر وأن الإنحياز الى هذه الجماعة أو تلك إن لم يكن من أجل الحقيقة سيعلق الجرس في رقاب بعض الصحف والصحفيين والجمهور أذكى وحكمه أمضى في أن يقبل على هذه الصحيفة أو تلك أو يعرض. الصحافة المحترمة هي التي تبحث وتستقصي حتى تصل الى الحقيقة فهي حين تعلم تفضى بالحق. الصحافة السودانية تاريخها وحاضرها فيه من الصحفيين من جعلوا منها مهنة لم يعد في امكان الحكام والناس الإستغناء عنها أو تجاهلها ولا يستجيبوا لإغراءات المال ولا لتقريب السلطان فوجدت صحفهم وكتاباتهم الإقبال والاحترام من كليهما .