الأمر الذى لا جدال فيه ان عيد الأضحى الأخير كان عيداً غير عادي نسبة للجدل الواسع الذى دار حول الأضحية نتيجة لحمى الوادى المتصدع الذى اشيع انه أصاب القطيع القومي السوداني - حلوة جداً حكاية قومي سوداني دي - وهي من نوع الحميات التى تنتقل من الحيوان للانسان والعكس ليس صحيحاً. من أعراضها النزيف الحاد بكل المخارج العلوية والسفلية، وقيل انه بالسلامة سوف يخرج المصاب منها بفشل كلوي. الأمر المؤكد ان هناك حمى قد اصابت الحيوان في بعض مناطق السودان، قد تكون وادياً متصدعاً أو أي نوع من الحميات الأخرى، وكذلك من الأمور المؤكدة ان عدداً من السودانيين قد التحقوا بالرفيق الأعلى نتيجة حمى من اعراضها النزيف الحاد في النيل الأبيض وفي الجزيرة والمؤكد ثالثاً ان أحد الخراف القادمة للعاصمة مجلوباً للضحية قد أخرج دماً قانياً، اذ قال صاحبه لقناة الشروق الوليدة انه اشتراه بصحة جيدة ولكن بعد ان وصل للمنزل بساعات إلا و«طرش دم» وهذا تعبير مجازي مثل القطيع القومي، والمقصود انه قد نزف فاتصل بالسلطات الصحية فجاءوا واعلنوا حالة الطوارىء في المنطقة. وحكت احداهن انهم يلبسون ثلاثة «جيونتات» مفردها جيونت، هل نقول شُراب يدوي ولا مافي داعي؟؟ وذبحوا الخروف واخذوا الكبد وكل المطايب الداخلية واحرقوا بقية الخروف كل ما قرب اليه من شىء بالمنزل واخذوا «المطايب» وهم يرتجفون من الخوف ومضوا - يا ربي هل سفروها الى جنوب افريقيا أم ان المعامل السودانية قد استيقظت واصبحت على قدر التحدي؟؟ الأمر المؤكد ان قصة الخروف الذى طرش التلفزيونية والتى تم بثها في عشية يوم العيد قد نشرت كميات من الرعب جعلت بعض الناس على الأقل في العاصمة يحجمون عن شراء خروف الضحية. ولولا ان قناة الشروق الوليدة لديها شىء من الاستقلالية لما بثت هذا الأمر، فلو كانت الفضائية السودانية الحكومية هي التى بثت هذا الامر لتعرضت لسؤال «منكر ونكير» لأن سياسة الدولة العامة قائمة على نفي اي مرض وسط القطيع القومى السوداني. وان حملان السودان كلها ينطبق عليها المثل السوداني «يتنقز زي حمل الخريف» عليه تكون قناة الشروق أول المستفيدين من جدل الضحية اذ لفتت اليها الأنظار بذلك السبق الاعلامي. الصحافة السودانية كانت سابقة للقناة في ذلك الأمر ولكن الصورة التلفزيونية اصبحت أصدق انباء من الصحف، وبما اننا اعتدنا في السودان ان «نكرم» لأي شىء جديد بذبيحة، منزلاً كان أم عربة أو وظيفة كنوع من الفأل الحسن فان قناة الشروق تكون قد كرمت بذلك الخروف الذى طرش دم فمبروك!!! وان كان هذا قد تم على حساب الراعي السوداني المسكين فصديقنا الدكتور عصام صديق ارسل لنا رسالة جوالية يحثنا فيها على ذبح الاضحية مراعاة لذلك الراعي البائس الذى انفق عامه كله في انتظار هذا اليوم، علماً بأنه عندما وصلتني رسالة دكتور عصام كنت قد ضحيت وكل اهلى في القرية كذلك وبإصرار عنيد. فبالاضافة للدوافع الدينية والاجتماعية القديمة فهذه المرة اضفنا اليها دافعاً جديداً وهو «مكاواة» السياسة والحداثة والمدنية وتحدي الخوف واثبات التوكل. والحمدلله رب العالمين، أنا اكتب هذا المقال في اليوم الخامس لأيام العيد لم يظهر أي «طراش دم» وسط الناس أو وسط الحيوان. وقد قيل لنا ان العلم يقول ان فترة حضانة فيروس حمى الوادى المتصدع اربعة أيام فقط فإن كان ذلك كذلك فمبروك علينا شبعنا في اللحم والمرارة - أي والله علي الطلاق مرارة عديل كدا - والشربوت، وغداً ان شاء الله نواصل في نفس الموضوع..