"يوسف المحيميد" كاتب سعودي مختلف جداً .. يعول في نهوضه بالأحداث والشخصيات على تقنية (الميتا سرد) .. والبطولة المطلقة في نصوصه للغة بكل انسيابيتها وتقلصاتها وثقوبها وانبعاجاتها .. وللسرد بكل صراحته القاسية .. وانعطافاته الجليلة .. وجنونه اللذيذ ونزقه الانساني .. في نصوص "المحيميد" عوالم حرة في غرابتها ونزيهة في قسوتها .. تحاكم شخصياتها كاتبها الذي ألزم نفسه و إياها بالتفرد والاختلاف. في حوار معه قبل بضعة أشهر أخبرته إنني أرى في مشروعه ككاتب (ثورة) على مسلمات القارئ .. ثم سألته إن كان يراهن من خلال نصوصه على تمزيق الصورة النمطية للقارئ العربي .. فقال بأنه لا يكتب للقارئ الذي يبحث عن التسلية .. بل يكتب للقارئ المحترف الذي لا يكف عن البحث والأسئلة ! .. بعد بضعة أشهر من ذلك الحوار كان "المحيميد" على موعد "مُحبِط" مع الصورة النمطية للقارئ العربي الذي شجب وندد بثورته ككاتب على مسلماته كقارئ عندما قبل حضور مهرجان عالمي للكتاب .. كان أحد منظميه "سلمان رشدي" ! .. في ذات سياق الشجب بموقف "المحيميد" استوقفني كثيراً مقال للدكتور "سلمان العودة" في عموده بصحيفة "عكاظ" السعودية استنكر فيه قبول "يوسف المحيميد" الدعوة التي قدمت إليه للمشاركة في مهرجان "أصوات عالمية" الذي أقيم بنيويورك، والذي حضره أكثر من خمسين كاتب كانوا يمثلون ثلاثة وعشرين لغة لذات السبب .. ثم استوقفتني ردود أفعال زوار موقع "العربية نت" على تفاصيل حوار كانت قد أجرته مع "يوسف المحيميد" في أثناء تواجده بمدينة نيويورك لحضور المهرجان .. ردود الأفعال تلك كانت تشجب بدورها حضوره لمهرجان أحد منظميه (سلمان رشدي) صاحب رواية "آيات الشيطانية" التي تضمنت إساءات إلى الاسلام والقرآن والرسول صلى الله عليه وسلم .. وعندما اطلعت على المائة وسبعة وثلاثين تعليقاً التي كتبها زوار الموقع بعد وقوفهم على تصريحات "المحيميد" القائلة بأن الدعوة ليست إلى منزل سلمان رشدي وبأن المهرجان لا يمثل مضمون آياته الشيطانية .. لاحظت أن أكثر من مائة تعليق منها تستنكر وتشجب وتندد بمبدأ استنشاق "يوسف" لهواء ذات القاعة التي يجلس فيها سلمان رشدي! .. ولأني أعرف "المحيميد" جيداً فقد توقعت أن تكون له وجهة نظر مختلفة عن طبيعة تكهنات الشاجبين والمنددين برحلته إلى نيويورك .. وعندما سألته ? على نحو مباشر - قال إن حكاية الدعوة إلى هذا المهرجان بدأت عن طريق دار "بنجون" مؤسسة النشر التي تتولى أمر نشر روايته (فخاخ الرائحة) بعد ترجمتها إلى الإنجليزية.. وكيف أن المؤسسة قد رأت في إلقاءه لعدد من المحاضرات وتوقيعه على عدد من الكتب أمراً جيداً يخدم تسويق الرواية .. فتم الأمر بالتنسيق بين الدار والمنظمة التي تصادف انتماء "سلمان رشدي" إليها باعتباره كاتباً بريطانياً .. فذهب مطمئناً إلى عادية الموقف .. وبعد عودته من نيويورك أدهشه تركيز الإعلام على حكاية جلوسه مع "سلمان رشدي" تحت سقف واحد .. مع تجاهل ماهية و مضمون وتفاصيل المشاركة التي كانت موضوع ذلك (الجلوس) ! . أعادتني تعليقات زوار "العربية نت" إلى حكاية دبدوب "جوليان" الذي ملأ الدنيا و شغل الناس وقيل فيه بما لم يقل به (مالك) في الخمر .. ثم رست الحكاية على أن القصة وما فيها (اختلاف ثقافات) بين مجتمع "جوليان" ومجتمعنا البعيد عن ثقافة الدبدوب أما "سلمان رشدي" فلم تتعد ردة الفعل على إساءته سوى التنديد بالتواجد معه في مكان واحد و إهدار دمه مع وقف التنفيذ عوضاً عن العمل الجاد على اغتيال آياته الشيطانية أدبياً ! .. أما الفكرة برمتها فأعادتني لمقولة برنارد شنو : " .. لو كان محمد حياً .. لحل مشاكل العالم بينما يشرب فنجاناً من القهوة .. " .. وقراءة الواقع تقول إننا لم ننجح في أن يكون لمواقفنا الشاجبة والمنددة وزن حقيقي .. ربما لأن معظمنا لا يتبع هدي رسولنا الكريم في دفاعه عنه ! .. الثورة على طريقة "الأندروس" أسوأ من الصمت .. لماذا لا نتفاعل مع مثل هذه القضايا بعمق وروية حتى يكون لمواقفنا قيمة و أثر ؟! ..