شاءت الاقدار ان اكون شاهدا ومعايشا من داخل التلفزيون القومي للساعات العصيبة خلال الهجوم الذي نفذته حركة العدل والمساواة على مدينة ام درمان بعد ظهر السبت العاشر من مايو الجاري حيث كانت تضع القوات الغازية المدعومة من تشاد مبني الهيئة السودانية للاذاعة والتلفزيون على رأس اهدافها في ام درمان قبل التوجة صوب الخرطوم. وبحكم وظيفتي في قطاع التلفزيون ك(رئيس تحرير) لاحد فرق انتاج الاخبار الاربعة شاءت الاقدار كذلك ان اكون على رأس فريق الاخبار في ذاك اليوم لاطول (وردية عمل) في تاريخ التلفزيون والتي امتدت لنحو ست وعشرين ساعة عمل متواصلة . وبحسب نظام العمل المتبع بادارة الاخبار بالتلفزيون تبدأ الوردية الصباحية عند الساعة الثامنة والنصف صباحا وتنتهي عند الحادية عشرة والنصف ليلا بانتهاء اجتماع (التسليم والتسلم) لوردية المبيت التي تستمر حتى الثامنة والنصف من صباح اليوم التالي. بدأ يوم السبت العصيب (عاديا) عند الثامنة والنصف صباحا لم يكن في الافق ما يشير الى ما سيحدث.. جري توزيع المهام على المحررين بشكل راتب فانطلقوا الى مهامهم وجرت الامور بشكلها الراتب حتى الرابعة عصرا حيث بدأت ترد عبر الهاتف انباء دخول وبعد هاتف من مدير الادارة العامة للاخبار والشؤون السياسية عبد الماجد هارون توجهت لمكتبه كان معه مدير القناة القومية ابراهيم الصديق وحسن فضل المولي مدير قناة النيل الازرق وتشكلت فورا غرفة عمليات ادار دفتها مدير الهيئة السودانية للاذاعة والتلفزيون ورئيس قطاع التلفزيون الاستاذ محمد حاتم سليمان الذي كان في طريقه الى اسمرا لاجراء حوار جرى الترتيب له مسبقا مع الرئيس الاريتري اسياسي افورقي حيث عاد مدير التلفزيون من سلم الطائرة الى التلفزيون عبر الخرطوم بحري واكمل المشوار من هناك الى مقر التلفزيون سيرا على الاقدام بسبب اغلاق جسر شمبات وبقية الجسور التي تربط مدن العاصمة الثلاث ليدير غرفة العمليات التي استمرت لثلاثين ساعة متواصلة لم يذق خلالها احد (طعم النوم) او (لقمة من طعام) وقد انضم الى الغرفة في ما بعد الزملاء مصدق حسن ويوسف عوض الجيد. اول بيانات الغزو تلقاها مدير ادارة الاخبار عبد الماجد هارون حوالي الرابعة والنصف وكانت مهمتي والزميل محمد عبد الله عمر نائب رئيس التحرير استدعاء فريق العمل داخل الاستديو وغرفة الكنترول وقطع البث لاذاعة خبر عاجل وكان المذيعان المناوبان جمال الدين مصطفى ومحمد عثمان الامام وقتها داخل مسجد التلفزيون لاداء صلاة العصر ولم نجد امامنا سوى المذيع كمال سويكت الذي لم يكن ضمن الوردية ذلك اليوم فقرأ البيان الاول الذي تناقلته معظم القنوات الفضائية (صورة وصوت) طوال اليوم. أول الصور التي وصلت لغرفة العمليات جاءت من الزميل المصور عبد الرازق عبد الحليم حوت لقطات حية من المعارك التي جرت في شارع العرضة وحوت اول المؤشرات لدحر العدوان التي شكلت تحولا كبيرا في الرأي العام الذي بدأ يتأثر بتصريحات قادة حركة العدل والمساواة في الخارج باعلانهم انهم احتلوا ام درمان وفي طريقهم الى الخرطوم فأكدت الصور كذب احاديثهم. قررت غرفة العمليات استدعاء محررين لهم خبرة في تغطية العمليات العسكرية فجاء الزميل المعز عباس حيث غطى المعارك التي جرت في شارع العرضة وجسر الانقاذ وشاهده الجميع بجانب احدى سيارات الهجوم المحترقة وهو يتناول الموز الذي خلفه الغزاة ورافقه الزميل صديق ادريس من قسم الانتاج البرامجي، كما جرى استدعاء الاخ الزميل اسامة الخليفة لينضم الى مجموعة المذيعين داخل التلفزيون الذي وصل رغم المخاطر وكذلك انضم لغرفة العمليات الزميل مصدق حسن. بدأت صور دحر العدوان ترد الى غرفة العمليات تباعا وتولى الثلاثي محمد حاتم,وابراهيم الصديق وعبد الماجد هارون عملية تجهيزها للبث مع بقية الفريق العامل فإزدحمت بهم غرفة المونتاج وتحول التلفزيون الى قناة اخبارية تبث الاخبار دون سواها على مدى «16» ساعة متواصلة تقريبا بواقع نشرة اخبارية مدتها ساعة على رأس كل ساعة واضحى التلفزيون المصدر الوحيد لاخبار العدوان لمعظم القنوات الفضائية ووكالات الانباء العالمية.. ولا ننسى هنا عندما انهار زميلنا اسامة الخليفة عند نشرة اخبار السادسة من صباح اليوم التالي خلال تقديم النشرة التي اكملها جمال الدين مصطفي لوحده. ولا ننسى ايضا جهود الطاقم الفني ابتداء من رئيس المخرجين بالاخبار حاتم بابكر، مرورا بشيخ المصورين العم عوض نعيم وفني الكراكنر (مولد الحروف) الوليد حسن الطيب وانتهاء بعامل الديكور ابوبكر، وقد حكى لي العم عوض نعيم بعد إنجلاء سحب المعركة انه شهد غالب الاحداث الجسام التي كان التلفزيون مسرحا لبعض جوانبها منها انقلاب هاشم العطا في عام 1971 وانقلاب حسن حسين عام 1975 والقصف الذي تعرض له مبني الاذاعة والتلفزيون بالطائرات مطلع الثمانينات وغيرها من الاحداث وتلك قصة اخرى ولا ننسي ايضا جهود المهندسين بالمايكروويف كما لا ننسى ايضا جهود السائقين الذين طافوا بالمحررين في اكثر المناطق خطورة خلال العمليات العسكرية عصر ومساء السبت ولا سيما عبدالله صغيرون ومحمد حسين وعبدالله سليم وعلاء الدين وكان من بين المصورين الذين عملوا بلا خوف او وجل الزملاء عبده الامين وشوقي حاج رحمة ونادر الطيب تضاف اليهم كوكبة من المحررين منهم ابراهيم كورينا والشيخ مصطفي، وعبد الرحمن احمد عثمان وسلوى هارون وسعاد عبد الله وبابكر قرشي وخالد هاشم والشفيع. تلك كانت مساحة حاولنا ان نرصد خلالها جزءا مما دار داخل التلفزيون وتحديدا داخل ادارة الاخبار خلال الساعات العصيبة التي صاحبت الهجوم على ام درمان وما قام به العاملون بالادارة من جهد لتغطية الاحداث وبما ان المساحة لا تتسع لذكر الجميع فعذرنا مسبقاً لمن لم يرد ذكر اسمه.. والله المستعان.