ربما كان "اختلاف وجهات النظر لا يفسد للود قضية" في غرف "العناية المكثفة" حيث الأجواء المعقمة والهدوء (المَرَضي) المَفروض بفرمان من سلطان المرض، والاحتواء (الطبي) المُفترض لتقلبات الأجساد العليلة، الخاشعة، في انتظار كلمة القدر العائمة في مياه الاحتمال .. أما خارج نطاق "العناية المكثفة" حيث أشعة الشمس، والبكتيريا، والأقساط، والديون، واللمسات الحانية، والضربات الموجعة، والندية، والاستعلائية، والدونية، والعلاقات المتكافئة، وغير المتكافئة، .. حيث العلاقات العابرة، والأبدية، والمنتقاة بعناية، والمختارة بعشوائية، والجوع، والشبع، والحزن، والندم، والانتقام، والظلم، والرعب، والطمأنينة، حيث الواقع مكتمل الأركان، وحيث الحب والكراهية، والزواج والطلاق، يحدث أن تفسد قضية الود .. ويحدث أن تظل عائمة بين ضفتين أحلاهما قاحلة ! ولأن اختلاف الآراء وتباين وجهات النظر هوالوجه الآخر لنشوب الانقلابات واندلاع الثورات والحروب التي تقوم وتستمر لاقتناع كلا طرفي النزاع بأنه على صواب وبأن الآخر على خطأ، ولان لكل إنسان جانباً ينظر منه وينظر إليه ويتمنى على الآخرين أن ينظروا إليه من زاويته دون سواه .. تفسد قضية الود! ومن أجمل قضايا الود التي شاع فسادها لأسباب غامضة خلافات مؤسسة الزواج التي تندلع بين طرفيها لأن لكل منهما جانباً (عنيداً) ينظر منه وينظر إليه ويتمنى على الطرف الآخر أن يرى الأمور من خلاله .. واتساع الهوة بين الطرفين يكبر مع اختلاف نشأة وتربية كل منهما .. ومع تعمق التضارب أوالتضاد الذي يلون قناعات وبالتالي سلوكيات الطرفين.. وعليه فلا غرابة في أن تصبح قضية الود عرضة للفساد بسبب اختلاف وجهات النظر بين زوج محلي النشأة وزوجة قادمة من مناخات الغربة حيث أجواء حياة أسر المغتربين المتأرجحة بين ثقافة المجتمعات التي تقيم فيها وبقايا ثقافة المجتمع الام التي حملها الأهل عند خروجهم من البلد وعاشوا في صراع حقيقي بين تنشئة أبنائهم عليها من جهة، والتأثر بمعطيات المجتمع البديل من جهة أخرى ! والمحافظة على صلاح - أو صلاحية - الود في هذا النوع من القضايا لا تتحقق باشتراط تشابه تضاريس ومناخات نشأة الطرفين، بل تتحقق بتوافر ثقافة احترام أوجه الاختلاف في سلوك الطرف الآخر .. واحترام اختلاف الآخر درجة متقدمة من الوعي لا يمكن أن تتحقق كلياً إلا من خلال التنشئة عليها، والتنشئة على احترام هذا الاختلاف أمر يفتقر إليه مجتمعنا بشقيه المحلي والمغترب .. لا بد أن نملأ هذا الفراغ حتى لا تفسد قضية الود !