خلال إطلاعي على عدد من المجلات العربية السياسية الاسبوعية التي تصل مكتباتنا بانتظام خلال الأشهر الثلاثة المنصرمة أثارت انتباهي بعض المقالات والتحقيقات عن ظواهر في المشهد الابداعي من خلال ثورة المعلومات والاتصالات، حيث استخفاف شباب باللغة العربية بالكتابة بواسطة لغة هجين بتوظيف الحروف اللاتينية في التعبير باللغة العربية مثلاً: (kol sana wenty tayba) (كل سنة وإنت طيبة) هذا الاستخدام للحروف اللاتينية عوضاً عن العربية كان جزءاً من طريقة كتابة رواية (أن تكون عباس العبد) للكاتب المصري الشاب أحمد العابدي وقد فعل ذلك ايضاً الشاب عمر طاهر من خلال عناوين جانبية في كتابه (كابتن مصر) وكان التبرير ان الكثير من دول العالم استخدمت هذه اللغة الهجين وخاصة اليابان التي نشرت بها كاتبة يابانية ثلاث روايات لها بتلك الطريقة وحققت أعلى المبيعات هناك. هذا النوع من الكتابة استعمل من خلال رسائل الشات والمحمول كلغة تخاطب تحقق تواصلاً بين فئة عمرية محددة خاصة المراهقين. ان استبدال الحروف العربية باللاتينية لها جذور قبيل ثورة الانترنت، إذ في الخمسينيات من القرن الماضي اصدر الشاعر اللبناني المعروف سعيد عقل كتاباً بعنوان: (يارا) وقد كتبه بتلك اللغة الهجين، بيد ان عقل لم يكرر تلك التجربة التي لم تجد حظها من القراءة والفهم سواء عند القراء العرب أو الاجانب، وهناك في الذاكرة ايضاً كتاب الدكتور لويس عوض (بلوثولاند وقصائد أخرى) الذي استخدم فيه التعبيرات اليونانية واللاتينية، وليس ببعيد عن الذهن ما فعله كمال اتاتورك في تركيا والذي فرض على مواطنيه كتابة اللغة التركية بالحروف اللاتينية. ان فكرة التخلي عن الكتابة باللغة العربية الفصحى في المشهد الابداعي نجدها عند الدكتور مصطفى مشرفة في روايته (قنطرة الذي كفر) والنموذج الآخر رواية الكاتب يوسف القعيد (لبن العصفور) إذ كتبتا باللهجة العامية. هذه (النزعة) القديمة الجديدة في بعض كتابات الشباب في رأي فئة أنها عمل مخل بالدين وهادم للقومية، لا بد من التصدي لها، محذرين من مغبة الافراط فيها. ويرى بعض آخر ان المسألة برمتها فرقعة و(مجرد موضة سرعان ما ستزول). إن الكارثة ليست في الاستخدام لهذا النوع من الكتابة لدى بعض الشباب لأن هذا طعن في ظل الفيل إذ السؤال الأهم: لماذا اصابت الهشاشة عظام اللغة العربية الفصحى داخل مؤسساتنا التعليمية؟ إذ اصبح الطالب (الخريج) الآن لا يستطيع كتابة جملة سليمة لا تخلو من الاخطاء النحوية والاملائية، واصبح غير الناطقين باللغة العربية هم الذين يجيدونها. هل الخلل في المنهج أم في الاساتذة أم لذلك مظاهر كثيرة اخرى؟! أليس لدينا علماء جهابذة يطورون في منحى ما يعطي طعم العصر للغتنا العربية الفصحى كما يحدث للغة في اوروبا والغرب عامة؟! نحن نعلم ان هناك افذاذاً في مجمع اللغة العربية الذين يجمعون في تخصصهم بين فقه اللغة واللهجات وبين كثير من العلوم لانسانية المعاصرة، من ثم فانهم طوق النجاة لوضع الحلول المثلى في المناهج التعليمية في مواكبة لكل ما استجد حتى مطلع هذه الألفية الثالثة. متى يتحول التعليم من تلقين إلى معرفة لنستشرف مرحلة نهوض ثقافي جديدة. ان ظاهرة استخدام اللغة الهجين رصدناها هنا في اقتضاب وايجاز شديد على أمل ان نلقي الضوء على ظاهرة اخرى لفتت انتباهنا ايضاً في العدد القادم. الشئ بالشئ يذكر: صدر حديثاً كتاب (غرفة السر.. اعلام مجمع اللغة العربية) للكاتب المصري محمد الحسيني عن دار نفرو للنشر والتوزيع وتعرض فيه (لحياة مجموعة من اعلام المجمع منذ الميلاد مروراً بحياة هذه الشخصيات وثقافتها وتخصصها واسهامها في نشاط المجمع وابحاثها واعمالها المطبوعة) ومن بين الذين تعرض لسيرتهم عالمنا الفذ الدكتور حسن الفاتح قريب الله، حيث اورد عنه انه انجز رسالة الدكتوراة في بريطانيا عام 1970م، ليتخذ بعد ذلك عدة وظائف رسمية مهمة كان آخرها مديراً لجامعة أم درمان الإسلامية. اصدر الفاتح عدداً كبيراً من الكتب وقد كرمته مصر باختياره عضواً في مجمع اللغة العربية سنة 1975م، كما منحه الرئيس مبارك وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى ليكون أول افريقي يحصل عليه.