موسوعة الرجال السودانيين تضم رجالا نالوا شهرتهم من مهنتهم لا من موقعهم ... فقد يبلغ الرجل منهم موقع الوزير والخبير لكن يبقى مصدر شهرته فى مهنته ! من هؤلاء الرجال الذين ينطبق عليهم هذا التوصيف رجل يتبوأ مقعدا فى الصف الأوّل من رجال الموسوعة السودانية : البروفسير طه بعشر ... الرجل الذى صالح بين فئتين لا تتصالحان : العقلاء وغير العقلاء ! طه بعشر مثال مشجّع للتكنوقراطيين فى السياسة ... فالرجل لم يعرف السياسة السافرة ولم تعرفه ومع ذلك دخل مجلس وزراء مايو ... دخل بعشر ذلك المجلس تكنوقراطيا وخرج منه تكنوقراطيا ... كان طه بعشر خبيرا وزيرا فى حقائب مايو ولم يكن واحدا من رجال حول الرئيس ... ولذلك فمهما قمت بالتنقيب بين أوراقه و حكاياته فلن تعثر على أنّ من حكاياته مايو ! دكتور طه بعشر وحسبو سليمان هما من تقلّدا الأمانة العلمية الثقيلة فى الصحة العقلية والطب النفسى من رائدها البروفسير التجانى الماحى ... وثلاثتهم ارتبط بالحياة السودانية ولم ينسحبا منها ليبحث كل راغب فى لقائهم عنهم فى المصحّة النفسية ... فالتجانى الماحى كان رمزا للسيادة السودانية ... وحسبو كان شاعرا غنائيا ... وطه بعشر كان طاقة للبناء النفسى و عقلا ضد غياب العقل السودانى بفعل المخدّرات ! صورة السودان بالخارج لا يرسمها حاملو السلاح و لا اللاجئون التائهون فى صحراء النقب و لا حتى الفنّانات الحنّانات ... فمن يرسم صورته هو من أمثال طه بعشر الذين يرفعون قيمة أصوله الثابتة و أسهمه و سنداته فى المحافل البحثية والمؤتمرات العلمية و منظمة الصحة العالمية و عروض البروجكتر ! وفاة طه بعشر نهاية سيرة ذاتيّة مجمّلة بحياة ثريّة ... قصة طبيب نفسى مكّن للمعانى لتطغى على المبانى ... فتح الباب للصحة العقلية لتنضم للرعاية الصحية الأوّلية ... وأسّس الطب الروحانى ... وبحث فى الادمان ... وامتحن بالداخل والخارج (مصفوفة) من أطباء النفس والعقل ... و قبل ذلك كان صديقا شخصيا للمرضى النفسانيّين ... ومع كل هذا غادر حياتنا المتوتّرة بكامل صحّته النفسيّة !!