الاتهامات التي كالها الدكتور رياك مشار نائب رئيس حكومة الجنوب للجيش اليوغندى بالضلوع فى هجوم على المدنيين بالجنوب، ومطالبته للجيش اليوغندى بمغادرة اراضى السودان، كان من الطبيعى ان يفهم كدليل حرص على امن المدنيين وصيانة لتراب الجنوب من الوجود الاجنبي، ولكن الرياح اتت بما لا تشتهي سفن مشار، حيث اتهم عناصر جنوبية بالانحياز لصالح جيش الرب اليوغندى من جهة ومن جهة اخرى جاء رد الفعل اليوغندي متجاهلا لتحذيراته وحصر حسم ملف التواجد العسكرى اليوغندي على رئيس حكومة الجنوب. فبعد أن حذر مشار في تقرير امام المجلس التشريعي لجنوب السودان (البرلمان) الجيش اليوغندي من القيام بعمليات عسكرية ضد جيش الرب داخل أراضي جنوب السودان، سارع المتحدث باسم الجيش اليوغندي بادي انكوندا إلى القول: إنهم سيحتفظون بجنودهم في الجنوب لمنع مقاتلي جيش الرب من العودة الى شمال يوغندا، وهو مايشبه التحدي المبطن لتحذيرات مشار قبل ان يضفي عليها وزير الدولة بالخارجية اليوغندية هنرى اوكيلو بعداً دبلوماسياً يلطف من الرد العسكرى عندما قال لصحيفة (ذا مونتر) اليوغندية ان كمبالا مستعدة لسحب قواتها المتواجدة منذ العام 2002 داخل الاراضى السودانية، فى حال تلقت إخطاراً رسمياً بأنها غير مرحب بها ، ولكن الوزير اليوغندى حصر الإخطار الرسمي على رئيس حكومة الجنوب والقائد العام للجيش الشعبى الفريق سلفاكير ميارديت عندما قال : فى حال تلقينا اتصالا رسميا من الرئيس سلفاكير فنحن جاهزون للمغادرة ولن نخالف طلبه. وينشط الجيش اليوغندي فى جنوب السودان منذ العام 2002 بموجب برتكول تعاون عسكري بين الخرطوم وكمبالا كي يسمح للجيش اليوغندى بمطادرة جيش الرب المعارض لكمبالا والمتحصن بغابات وجبال جنوب السودان النائية ، ولكن هذا الاتفاق الذى كان يتم تجديده سنوياً، لم يجدد منذ العام 2006، -أى بعد أن أصبح أمر الجنوب بيد حكومتها وفق اتفاق نيفاشا للسلام، وبالتالى فإن الجيش اليوغندي موجود ربما بإتفاق غير مكتوب (اتفاق جنتلمان) بين الرئيس اليوغندى ورئيس حكومة جنوب السودان ويؤكد ذلك في نظر مراقبين لملف النشاط اليوغندي في الجنوب تصريحات الوزير اليوغندى للصحيفة اليوغندية التى قال فيها : ليس المهم ان تكون هناك اتفاقية مكتوبة ولكن المهم الروح بين البلدين التى يتمتع بها الرئيسان يورى موسفينى وسلفاكير ميارديت. ويطرح هؤلاء المراقبون الذين تحدثوا ل «الرأي العام» عدة تساؤلات حول طبيعية الاتفاق بين سلفاكير وموسفينى الذي يقضي ببقاء القوات اليوغندية ، وهل يعلم مشار محتوى ومدى هذا الاتفاق بصفته نائب الرئيس، واذا كان يعلم ذلك لماذا يطالب بطرد الجيش اليوغندي وهو موجود باتفاق بين جوبا وكمبالا، والسؤال الذى لم يعد همساً هل فعلا الجيش اليوغندى هو من نفذ الهجوم على باقيري بالقرب من الحدود السودانية اليوغندية ، الذى خلف قتيلا وإختطاف مواطن، أم جيش الرب الذى ينفذ عمليات إجرامية عديدة فى الجنوب ، وينتقد بعض الجنوبيين ومنهم نيال بول رئيس تحرير (ذا سيتزن) فى مقاله الافتتاحي ليوم الخميس تحذيرات مشار للجيش اليوغندي ويري فيها لعباً لصالح أوراق جيش الرب اليوغندي الذى تربط مشار به علاقات باعتباره وسيط محادثات السلام بين الحكومة اليوغندية وجيش الرب. ومما يدعم فرضية ان اتهامات مشار للجيش اليوغندي محاولة لتحسين صورة جيش الرب المتهم الفعلي بكل اعمال العنف فى الجنوب، وإعادة تسويقه كحريص على السلام بعد ان اعلن عزمه العودة الى طاولة المفاوضات مع الحكومة اليوغندية، تلك التصريحات التى تعهد فيها كبير مفاوضي جيش الرب نيكورا ماتسانغا بوقف العمليات العسكرية بين جيش الرب والجيش الشعبي. ونشرت صحيفة (نيو فيشن) اليوغندية فى الاول من يوليو الجاري ، تسريبات من محضر اجتماع لقيادات من الجيش اليوغندى والجيش الشعبي لتحرير السودان بمدينة نمولي فى الخامس والعشرين من يونيو المنصرم -أي بعد أكثر من أسبوع على حادث باقيري، وكان كشف ملابسات الحادث ضمن اجندة الاجتماع وخلص الى ان الهجوم نفذ بواسطة جيش الرب وليس الجيش اليوغندي، ووقع على المحضر العقيد هارونا ابايا عن الجيش الشعبي، والعقيد سام كافوما عن الجيش اليوغندي ، وجاء فى المحضر ان الطريقة التى نفذ بها الهجوم كما روتها زوجة المختطف تحمل بصمة جيش الرب. ويلاحظ المراقبون في هذا السياق أن هناك تسابقاً بين من يحاولون تصحيح صورة جيش الرب وبين الذين يصرون على أنه فصيل إرهابي. وأياً كان الفريق الذي سينجح فإن الجيش اليوغندي أو تحديداً حكومة موسفيني ليست راغبة -لأسباب استراتيجية - في حسم قضية هؤلاء المتمردين فوجودهم مبرر قوي لغرس أقدام يوغندا بجيشها واستخباراتها وتجارها في أرض الجنوب وتحديداً في الإستوائية حيث تتداخل حقول البترول بين الجنوب وشمال يوغندا.