تابعت باهتمام ما دار حول تصدير اناث الانعام، وكنت قد تطرقت لذلك في مقال سابق نّوهت فيه إلى أهمية الموارد الوراثية الحيوانية المحلية وكيفية الحفاظ عليها من خطر الانقراض.. ما جعلني اعاود الكتابة مجدداً قول السيد الوزير إن الاستثمار في قطاع الابل غير مجدٍ وأنه يفضل ان يتم تصدير الاناث غير المنتجة أو المعيبة ولكن ذلك لا يقيد التصدير. ليس صحيحاً أن الاستثمار في الابل غير مجدٍ؟ هذه النظرة هي مثال يجسد رؤية موظف المحلية الذي يرى في حمار الكارو اساءة لمظهر المدينة ولا ينظر الى البُعد الاقتصادي الذي تخرج به عائلة كاملة من دائرة الفقر ولا الى البُعد السياحي لهذه الوسيلة البسيطة التي لا تستخدم الوقود والمتوائمة تماماً مع البيئة. وهي ذاتها نظرة موظف الصحة الحكومي الذي ينظر الى ماعز الرجل الفقير على أنها مخلوق يضر بحدائق المدينة وبالتالي البيئة (مع أن ذلك يمكن تلافيه بطرق شتى)، ولا ينظر الى النواحي البيئية الايجابية عندما ترعى هذه الماعز على نفايات المدينة والبيوت المترفة وتخلصها من التلوث مع كونها منتجة للحليب واللحم للفقراء بأقل تكلفة. هذه النظرة لم تر في الحيوان غير لحمه ولبنه ولم تراع المزايا الاقتصادية الأخرى كالحمل والجر والحرث والنواحي الجمالية في تربية الحيوان وإنعكاساتها الإيجابية على سلوك الإنسان راحة وسكوناً. إذا كان الاستثمار في الإبل غير مجدٍ، فمن باب أولى يكون الاستثمار في كل الحيوانات التي تربى تحت نظام الرعي في المناطق الجافة وشبه الجافة غير مجد، وهو النظام السائد في السودان. الأجدى للمسؤولين عن شُؤون الثروة الحيوانية دراسة أثر التغيّرات المناخية على نظم الإنتاج الحيواني في السودان. فالتغيّرات التي طرأت على المناخ إثر ارتفاع درجات حرارة الأرض أثرّت على مناطق تربية الابل والمواشي. فارتفاع درجات الحرارة وانخفاض معدّلات هطول الامطار أديا إلى تدهور الغطاء النباتي كالمراعي والغابات وهذا سوف يؤدي بدوره الى تفاقم التصحر ويهدد الموارد المستدامة في الأقاليم الجافة وشبه الجافة في السودان والقارة الافريقية إجمالاً خلال نصف القرن القادم والنتيجة المتوقعة هي حدوث حالات انقراضٍ متسارعة لكثيرٍ من الأنواع النباتية والحيوانية وبالتالي يهدد الأمن الغذائي بالدرجة الأولى ويؤدي الى استفحال دائرة الفقر. وتُعتبر أشد المخاطر الناتجة عن تغيّر المناخ هو ما يحدث للحيازات الفقيرة في نظم انتاج الحيوان المبنية على الرعي وأهمها زيادة النزاعات بين الرعاة والمزارعين بسبب محدودية الموارد العلفية والهجرة الى المدن. تغيّر المناخ إذاً هو إنذار للمسؤولين بأن القادم أسوأ وأن دراسة التحول المناخي وما يترتّب عنه من فقدان للثروة الحيوانية المرباة تحت نظم الانتاج التقليدي التي يعتمد عليها أكثر من (09%) من أهل السودان كما يعتمد عليها الاقتصاد الوطني، تعتبر ضرورة ملحة. في الختام أقول أن هناك ملايين الأفدنة التي تُزرع وسوف تُزرع إن شاء الله بشتى صنوف الحبوب والبقوليات وغيرها من الزروع تنتج عنها ملايين الأطنان من المخلفّات الزراعية والصناعية (مخلفات زراعة الذرة والقمح والفول والقطن ومخلّفات تصنيعها كالنخالة والأمبازات)، فضلاً عن زراعة الأعلاف الخضراء التي إن أحسن إدارتها ستعوض ولو جزئياً عن فقدان المراعي. هذا النظام هو ما درج الأكاديميون على تسميته «إدخال الحيوان في الدورة الزراعية» وهو الاساس المتين لنظام التربية المختلطة. كذلك تساعد وفرة الأعلاف المركزّة على إقامة نظم الانتاج الحيواني المكثف وتدخل فيه الاستثمارات الضخمة التي تستخدم التقنيات الحديثة في التغذية والصحة الحيوانية والتلقيح الاصطناعي مما يعظم الانتاج ويخفض تكلفة المنتج. هذان النظامان سوف يؤمنان الغذاء للعدد الهائل من المستهلكين وخاصة سكان المدن الذين سيكونون غالبية أهل السودان بعد (52) سنة الذين يتأثر نمط استهلاكهم للغذاء بالوسط المديني والحضاري. د. النعمة عبد الخالق مصطفى.. أبوظبي