يبدو أن الكثيرين من إخواننا الجنوبيين غاضبون على مدعي المحكمة الجنائية الدولية لويس أوكامبو لاستهدافه الرئيس عمر البشير، انطلاقاً من حرصهم الشديد على اتفاقية السلام الشامل. ويقولون إن اتهام البشير من شأنه أن يعطل تنفيذ اتفاقية السلام الشامل التي تمنح جنوب السودان حق تقرير المصير. وبطبيعة الحال، فإن أول الحريصين على تنفيذ الاتفاقية هو النائب الأول لرئيس الجمهورية رئيس حكومة الجنوب ورئيس الحركة الشعبية سلفاكير الذي دعا في الأسبوع الماضي لتأجيل توجيه الاتهام ضد الرئيس حتى التنفيذ الكامل لاتفاقية السلام، فقد نسبت وكالة (رويتر) الى النائب الأول قوله ينبغي «تأجيل الدعوى» للسماح للحكومة السودانية «بمزيد من الوقت» لتنفيذ اتفاقية السلام الشامل وللتفاوض مع حركات التمرد في دارفور). أمين عام الحركة الشعبية وزير شؤون رئاسة مجلس الوزراء في حكومة الوحدة الوطنية باقان أموم هو الآخر يخشى مآلات المحكمة الجنائية الدولية على اتفاقية السلام. إذ نسبت إليه وكالة الأنباء الفرنسية بُعيد اجتماع المكتب السياسي للحركة في جوبا في الأسبوع الماضي قوله إن الحركة الشعبية «تعمل على تطوير موقفها للمساهمة في حل مشكلة دارفور» وأضاف «إننا حريصون أن لا يؤثر هذا الوضع على اتفاقية السلام الشامل». وفي مقال مكتوب وزعه على صحف الخرطوم يوم الخميس وزير الدولة بوزارة الري والموارد المائية ميوم كوج مليك قال إن اتهام البشير «ربما يؤدي الى انهيار دستوري في بلد حقق السلام العام 2005م بتوقيع اتفاقية السلام الشامل. فإذا باشر قضاة لاهاي النظر في القضية فإن أول ضحية ستكون مؤسسة الرئاسة في السودان - وهي المؤسسة الحاسمة لتنفيذ اتفاقية السلام كما تبين في حالة بروتوكول أبيي». ومضى وزير الدولة في الحركة الشعبية قائلاً: «إذا ذهبت الرئاسة فإن حكومة الوحدة الوطنية وحكومة الجنوب سوف تليانها فتنهار اتفاقية السلام. إن الجنوبيين لن يسمحوا بأي تغيير للنظام (الحاكم) لأن نوايا بعض المتمردين وأسيادهم في دارفور هي تعطيل تنفيذ الاتفاقية وبالتالي زوال حق تقرير المصير». وأضاف أن ما يفعله أوكامبو (ليس أقل «من كونه» لعباً بحقوق الجنوبيين المضمنة في الاتفاقية ودستور السودان. وهذا اعتداء سيواجهه الجنوبيون دون تردد). إلاّ أن صحفياً جنوبياً بارزاً لا يتفق مع أولئك المسؤولين الكبار في حكومة الجنوب الذين يحذرون من تداعيات لاهاي على الاتفاقية. رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير صحيفة (خرطوم مونتيور) يحاول تطمينهم بقوله إن اتفاقية السلام الشامل باقية حتى إذا مضى الرئيس البشير. ويقول الأستاذ ألفريد تعبان الذي أعلن في أبريل الماضي انضمامه رسمياً للحركة الشعبية: «كثيرون في السودان يقولون إذا أُعتقل الرئيس البشير فإن اتفاقية السلام الشامل سوف تموت. «مثل هؤلاء الناس يلعبون بالنار. ربط اتفاقية الشعب مع مصير شخص واحد حتى إذا كان رئيساً، إساءة لكل الذين ضحوا بأرواحهم من أجل هذه الاتفاقية، وإساءة لملايين المواطنين الذين عانوا كثيراً. مات د. جون قرنق الذي اجتهد أكثر من غيره لتحقيق الاتفاقية ولكن هل ماتت الاتفاقية هي الأخرى؟ الذين يعارضون ذهاب البشير الى لاهاي يحق لهم أن يعارضوا ما شاءوا أن يعارضوا ولكن توريط الاتفاقية في هذا النزاع - فإننا نعتبره عدواناً». وأضاف الأستاذ تعبان في عموده الراتب يوم الجمعة: «إن اتفاقية السلام الشامل فكرة حان أوانها ولا يمكن ربطها مع الأفراد مهما كانوا نافذين. فالزعماء يأتون ويذهبون ولكن الدول تبقى».