الرئيس البشير أثبت أنه رجل دولة من طراز فريد، ومثلما هو رجل حرب، فهو رجل سلام.. ماء بارد سكبه الرئيس البشير أمس في جوبا على الخواطر الملتهبة.. زيارة تاريخية في توقيت دقيق وخطاب استجمع فيه جوامع الحكمة والرصانة.. لم تستطع الاصوات النشاز سواء في الجنوب أو في العالم إلا أن تقف اجلالا وتهتف مؤيدة لما جاء في خطابه الفريد.. البشير وضع أسس العلاقات بين الدولتين في الشمال والجنوب حال اختيار الجنوبيين الانفصال.. طالما كان السلام هو الهدف الاستراتيجي لاتفاقية السلام الشامل فإن الانفصال مع استدامة السلام يعتبر مكسبا.. أكثر من (55) عاما من الحرب الأهلية التي تداعت لها الأمم ألما وحيرة، وعجزت الحكومات الوطنية المتعاقبة عن ايقافها أوقفتها اتفاقية السلام.. ما شجع البشير الخط (الواقعي) الذي بدأت الحركة الشعبية تسفر عنه مؤخرا بعدما شعرت بعبء ومسؤولية قيام دولة جديدة في الجنوب في ظل اشكاليات ماثلة لا تغيب عن أي مراقب.. أول مؤشرات هذه (الواقعية) إعلان الحركة طردها لحركات التمرد في دارفور التي أرادة أن تواصل نهجها العبثي والفوضوي انطلاقا من الجنوب بعدما أوصدت دول الجوار الباب أمامها وبنت علاقات قوية مع السودان من ثمارها طرد الحركات الدارفورية الحاملة للسلاح.. الفريق أول سلفا كير ميارديت أعلن بشكل واضح وصريح أن حكومته اتخذت إجراءات طردت بموجبها حركات دارفور المسلحة من جوبا.. في جوبا ايضا اتفق الطرفان حكومة الجنوب والحكومة الاتحادية على المحافظة على الأمن والاستقرار في المنطقة وتأمين المواطنين الجنوبيين في الشمال وتأمين الشماليين في الجنوب.. الوحدة أمر عزيز ومهم قد يكتشفه الذين يريدون الانفصال لاحقا، لكن وبما أن الاتفاقية أقرت حق تقرير المصير بما في ذلك الانفصال فإن الشمال في حالة تغليب خيار الانفصال على خيار الوحدة لن نقيم سرادقا للعزاء بالشمال بل الخرطوم ستكون جاهزة لدعم الدولة الجديدة لوجستيا وفنيا لتثبيت أركانها.. لأن دولة جارة قوية ومستقرة أمر استراتيجي على عكس أن تكون دولة مفككة الأواصر مليئة بالتناقضات.. لنذكر الحركة الشعبية في خضم شعورها بالنشوة ببعض المواقف والحقائق، فقد شحنت أتباعها من قبل بأن تأجيل الاستفتاء مؤامرة من الشمال ومحاولة لمصادرة حقوق الجنوبيين!!.. لا يمكن بيع أبيي وهضم حقوق المسيرية بأي ثمن، عندما اتفق الجميع على حل محكمة التحكيم الدولية تفاءلنا خيرا وقلنا شعرا عند صدور الحكم، قلنا أن الفائدة الأهم بلا شك من حكم لاهاي حول نزاع ابيي، هي أن صورة حضارية بديعة زاهية رسمت عن السودان وعن أهله الطيبين في الشمال والجنوب.. الطرفان قبلا طوعا واختيارا التحكيم ونتيجته باعتباره نوعا من الجراحة الضرورية بعدما تكسرت كل محاولات الحل أمام حوائط الصد العتيقة.. حتى الحدود التي وضعتها المحكمة أكدت أنها حدود إدارية لايجب أن تقف في وجه الحركة الموسمية للقبائل المختلفة. نقلا عن صحيفة الرائد السودانية 5/1/2011م