الأمثال الشعبية السودانية تنكر المظهرية والادعاء الكذوب وتدعو الى الواقعية في المظهر والمسلك، فلا يخادع الناس أنفسهم أو غيرهم. والمظهرية مُتفشية في كل الأجيال وليس فقط تلك الأجيال القديمة التي أصبحت في ذمة التاريخ بخيرها وشرها.. ففي سبيل التطلع الى المكانة الاجتماعية كان بعض القدامى يحرصون على التظاهر بما ليس في طاقتهم فتظهر في سلوكهم مفارقات كانت تُثير سخرية الأمثال الشعبية السودانية لأنها في النهاية تريد مجتمعاً سوياً.. فهذا رجل كريم يُبالغ في البذل والعطاء حتى ليجود بملابسه ويبقى عرياناً والمثل يقول عنه: ? «أجواد وعريان». - وهذا آخر يظهر بمظهر الغنى وحقيقة حاله تؤكد الفقر وفي المثل: ? «أبيض جناح وأسود مراح». - وهذا ثالث يقصده ذوو الحاجات ويشتهر أمره بين الناس وهو لا يملك من متاع الدنيا شيئاً يقول عن أمثاله المثل الشعبي: ? «الاسم عالي والجيب خالي». - وقد يؤدي طلب المكانة الاجتماعية الى حرمان طالبيها شأنهم في ذلك كشأن أصحاب العرس الذين يمدون الولائم للرواد والزائرين ويحرمون أنفسهم من خيرات ما قدموه..!! وهنا يقول المثل في تهكمٍ مضحكٍ: ? «أسياد العرس مشتهين المرقة». ? على أن طلب المكانة الاجتماعية قد يعبر في الأمثال عن تيار قوي جارف بحيث يدفع المرء الى أن يستدين المال ليحقق لنفسه هذه المكانة. ? «إدّين واتبيّن». - أي استلف المال واشهر نفسك في قومك لتحترم بينهم ومع ذلك وقف المثل الشعبي موقف الناصح المرشد إزاء هؤلاء الذين يتجاوزون حدود طاقتهم طلباً للمكانة والشهرة.. فتشبههم بالجعل «أبي الدرداق» الذي تروي الأسطورة انه طمع الى النجوم وخطب «القمرة» أي مؤنث القمر.. فهو ينطق مؤنثاً لدى عامة الريفيين.. ونظير هذه الخطوبة اشترطت «القمرة» -أو القمرا- أيهما أقرب الى النطق الذي كان سائداً، اشترطت عليه ان ينظف الأرض من كل وسخ بها حتى تليق بنزول القمرا «أي العروس». ولا يزال «أبوالدرداق» ساعياً دائباً في تنظيفها الى يومنا هذا.. ولهذا يقول المثل ساخراً: ? «أبو الدرداق ختب القمرا». وكثيراً ما حذّرت الأمثال من مُجاراة من هم أعلى مكانة وأكثر مالاً ولهذا يقول المثل: ? «أطول منك باع لا تماشي وأحلى منك ملاح لا تعاشي». وبقدر تقدير الناس لصفة البذل والعطاء من القادرين عليها حذّرت الأمثال هؤلاء من أن يحسنوا الى من لا يستحق الإحسان فإنه في المثل: ? «الحسنة في المنعول متل الشرا في القندول». أي ان الإحسان الى اللئيم يشبه ما يحدث من الذرة ومنها «الفتريتة» عند تذريتها فيلتصق بجسم الإنسان ويقلق راحته ويكثر من حكه أي «ينكرش كثيراً» كما قد نعبر أو في المثل أيضاً: ? «الحسنة عداوة». وهي المعروف الذي يُقدم للئيم. ? وبقدر تقدير الناس في الزمان الخالي لمن يعطي من ماله وجاهه يتجلى سخطهم على من يبخل بماله فهو كما تقول الأمثال: ? «أبخل من مادر - أو الحريص محروم- أو البخيل تاكل ماله العِدا.. ومن ذلك البخيل يبخل بكسرة البكا - أو البخيل حارس مالو وحبيب مالو حبيب مالو»، وفي مثل أيضاً: ? «سرارة أب حماده عند الأكل تتعادى وعند القبيح تتنادى».