كانت الفترة الماضية مسرحاً لأحداث أزمة الجنائية الدولية وانعكاساتها على السودان، وفي غمرة تلك الأحداث طفت على السطح فرقعة خصخصة هيئة الموانيء البحرية وميناء بورتسودان. ولا يخفى على المراقب الحصيف الربط بين الحدثين فكلاهما يقع في نطاق الهيمنة الإمبريالية والسعي نحو السيطرة على مقدرات السودان كمدخل نحو السيطرة الاقتصادية، فالاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة وهما متكاملان. إلا أن الأمرين لم يخرجا بعد عن نطاق السيطرة ويمكن معالجتهما، فأزمة الجنائية الدولية ليست بالخطورة على مستقبل السودان كما يتخيلها البعض، فهذه المحكمة لا زالت في طور النشوء ولا يوجد إجماع دولي عليها، وليست لديها المقدرة على إنفاذ قراراتها.. خاصة وأن أكبر دولة في العالم وهي الولاياتالمتحدةالأمريكية لم توقع على ميثاقها.. وحق النقض «الفيتو» ضد قراراتها في مقدور دول اخرى كروسيا والصين في مجلس الأمن. ونعتقد أن أقصى ما يمكن ان يصيب السودان من هذه الأزمة هو حصار اقتصادي جزئي تقوم عليه بعض الدول الغربية المناصرة لهذه المحكمة.. يتسبب في بعض المضايقات مثل التحويلات المالية ويمكن تجاوزه. أزمة الجنائية الدولية يفترض ان تؤدي تلقائياً الى إيقاف عمليات الخصخصة لمرافق البلاد الاستراتيجية ومنع وقوعها في أيدي الرأسمالية الغربية. وقد يقول قائل إن معظم المشروعات التي طُرحت للخصخصة قد تم شراؤها بواسطة رؤوس الأموال العربية، إلا أن رؤوس الأموال العربية نفسها وبالنسبة للشركات الكبرى قد دخلت ومنذ فترة طويلة في منظومة الشركات متعددة الجنسيات التي تسيطر عليها الصهيونية العالمية وأن تبادل بيع وشراء الأسهم قد أصبح شيئاً معتاداً بينهما. المبررات التي سيقت لخصخصة الموانيء البحرية لا تقنع طفلاً صغيراً ويبدو أن وراء الأكمة ما وراءها، وهل التطوير والكفاءة يكفي لتسليم موانيء البلاد الرئيسية لشركة عربية أو أجنبية لتستنزف مليار دولار سنوياً كأرباح تحولها للخارج؟، ألا يكفي البلاد ما تقوم به شركات الإتصالات من إستنزاف حتى يؤتى بمصيبة جديدة. لقد آن الأوان لتحويل الاستثمارات العربية في السودان من استثمارات استنزافية الى تنموية وأن تقوم الدولة بتوجيه تلك الاستثمارات بما يحقق المصالح العليا للبلاد، وإيقاف منح التنازلات والتسهيلات والإعفاءات الغربية وغيرها وتقييد حركة عملاء الرأسمالية العربية وإيقاف نشاطهم (Compradores). وهي كلمة لاتينية تعني العميل الذي لا يتورع عن فعل أي شىء. وفي حالة الشركة العربية التي تسعى للسيطرة على موانيء السودان بأي ثمن نأمل في توجيه استثماراتها نحو إنشاء ميناء جديد على شاطىء البحر الأحمر لتقوم بإنشائه على نظام البناء والتملك لفترة مؤقتة والتشغيل وتحويل ملكيته لما يعرف عالمياً بنظام ال (Boot). على أن تحصل حكومة السودان على «25%» من أرباح إدارة الميناء وأن تؤول ملكيته كاملاً لحكومة السودان بعد «25» سنة من إدارته، فهذا خيار أفضل من خصخصة ميناء بورتسودان والتنازل عنه والإبقاء على هيئة الموانيء البحرية كهيئة وطنية ذات سيادة على موانيء البلاد ومصدر إيرادي للدولة.