تزخر محاكم الاحوال الشخصية بالكثير من المشاكل الاجتماعية التي تعكس الوجه الآخر للحياة الزوجية التعيسة، ورغماً عن حالة الحزن والالم التي تنتابني حين احضر بعض الجلسات الخاصة بمسائل الأحوال الشخصية المتعددة إلاَّ ان هناك الكثير من المواقف المأساوية والضاحكة في آن واحد، ومثال لهذه المواقف انه في يوم من الايام دخل رجل وقور الى المحكمة بناء على دعوى طلاق للضرر بسبب غيابه المستمر عن منزل الزوجية، كما تطالبه بالانفاق عليها وعلى ابنائها وعندما سأل القاضي عن الطرف الثاني (الزوجة) فأجاب حاجب المحكمة: (لم تحضر بعد) فسأل القاضي الزوج عن سبب غيابه عن منزل الزوجية وعدم انفاقه على زوجته وأبنائه الصغار وهنا انبرى الزوج في خطبة عصماء بينَّ فيها للمحكمة ان ادعاءات الزوجة غير صحيحة واضاف بأنه رغم زواجه بأخرى إلاَّ أنه ظل متمسكاً بالعدل بين الزوجتين وفق المبادئ التي خطها الدين الحنيف بدليل أنه بالأمس فقط كان بمنزل الزوجة المدعية وبات بمنزل الزوجية وقد حضر منه مباشرة للمحكمة ونفى عدم الانفاق واكد للقاضي انه دائم الصرف على ابنائه الصغار وانه بالأمس القريب اشترى كل الاحتياجات من لحم وخضار وفاكهة كثيرة متنوعة، واضاف بأنه قد اشترى لزوجته ثوباً جديداً بمبلغ مائة وخمسين جنيهاً ارتدته بالأمس وهي في قمة السعادة والفرح، وذكر في اسى ان كلما ذكرته الزوجة غير صحيح وأنها ما رفعت الدعوى الا بسبب زواجه عليها، وبينما كان الزوج منغمساً في مرافعته اذ بالزوجة تدخل لقاعة المحكمة وهي ترتدي ثوباً قديماً بالياً متعدد الاخرام والمنافذ وبصحبتها هياكل عظمية صغيرة تمشي على أرض المحكمة في وهن واعياء بداخل ملابس قديمة رثة وما كانوا غير ابنائه الثلاثة الذين ما ان رأوا والدهم يقف امام القاضي إلاّ وصاحوا بفرح شديد وهم يمسكونه من جلبابه الابيض النظيف يلطخونه ببقايا تراب علق بأياديهم الصغيرة ( ابوي.. ابوي.. ابوي) فأندهش الأب لدخولهم المفاجئ لقاعة المحكمة الأمر الذي لم يكن يتوقعه مطلقاً ورد عليهم في غضب شديد ( البو اليشرطكم زحوا مني غادي) ووجه كلامه لزوجته المسكينة: انتي انا امبارح ما رسلت ليك اخوك وقلت ليهو المرة دي ما تجي المحكمة ؟ وريني الجابك شنو؟ وهنا تدخل القاضي وطلب من الزوج التزام الصمت بينما واصل الاطفال ضجيجهم وهم يتحدثون الى ابيهم في فرح غامر ( يا ابوي انت ما قاعد تجي البيت ليه ؟ نحنا يا ابوي من يوم فلقت أمي بي كراع البنبر تاني ما جيت البيت ليه؟ كان شفتة يا ابوي أمي ودوها الدكتور وادوها حقنة حارة وهي كل يوم بتبكي قالت عشان الحقنة لكن جدي قال لينا هي بتبكي عشان انت دقيتها وطلعت من البيت وما خليت ليها قروش عشان نشتري اللبن من بتاع اللبن) وبهذا فقد كانوا اصدق انباء من مرافعة الزوج الطويلة الكاذبة التي دحضها صدقهم الفطري البرئ.