نيابة الصحافة بالجزيرة.. جزى الله الشدائد كل خيرٍِ في خطوة لها ما بعدها، التأم رؤساء تحرير صحف الخرطوم السياسية السيّارة عصر أمس في اجتماع على صعيد (الوطن) الصحيفة، ولأجل الوطن (القيمة التراب والشعب) ، والهدف الموضوع نصب الأعين دون طرفة رمش، مناهضة قرار وزارة العدل (الجائر بإجماع المؤسسات الصحفية) وقضى بإقامة نيابة متخصصة للصحافة بولاية الجزيرة، نيابة حال قوت واشتد عودها فستنتقل عدواها كالنار في الهشيم لبقية الولايات، ما يعني تنزل الصحفيين درجة من منصتهم كسلطة رابعة، والتحول لمقابلة ملاحقات السلطة الثالثة في أنحاء البلاد ومعادلاً موضوعياً للقيمة صفر في خانة الاضطلاع بالمهام التحريرية، بحسبان تحول أمر مقابلة قادة صف التحرير الأول لأمر عسير يتوافر فقط عند نقاط العبور على سريع الطرقات. أزمة تعني فرصة ولأن العنقاء تنهض من قلب الرماد، مثلت الأوامر الصادرة بحق (الرأي العام، الوطن، التيار) ونابعة من مدني، سابقة تضامنية فريدة بين الصحف، إذ أعلن رؤساء تحرير الصحف دعمهم وكامل تضامنهم مع الصحف الآنفة، وزادوا على الشعر بيتا بإعلانهم مناهضة القرار بكل ما أوتوا من قوة مواقف ورباط (قلم) حتى لا ينسحب على بقيتهم، ليس خوفاً أو رفضاً من الاحتكام للقانون، ولكن لسد باب سيدخل كثير ريح حال انفتح، مضيقاً على الحريات، مهيناً لقادة العمل الصحفي الذين سيقع على عاتقهم حمل عصا الترحال، وستنقطع أنفاسهم لهاثاً وراء تسوية القضايا المتفتقة هنا وهناك، كجروح صدئة دون توقف. وبالنظرة لمكاسب الأزمة - إن صح لنا التعبير - سيمثل التقاء (12) صحيفة لانتزاع حق سليب، تمهيداً لمواقف لاحقة تعيد للصحافة ألقها وللصحفي حقوقه وللقارئ ثقته، كما وستضع لجشع تجار مدخلات الصحافة حداً، والأهم من كل ذلك شطب العبارة شديدة المرارة التي يعلكها الصحفيون (بانعدام التضامن في وسطهم) من قاموسهم بصورة نهائية. وقائع المؤتمر وبدار صحيفة (الوطن)، خلع رؤساء التحرير ميولهم الصحفية، وأجمعوا على المهندس الطيب مصطفى رئيس تحرير الزميلة (الانتباهة) بجلبابه الأبيض، ليخرج إنابةً عنهم إلى وسائل الإعلام متنبراً عن قضيتهم.. قضيتنا. ولأن الرجل عُرف بمعاداته الشديدة لما يسميه (الانبطاح)، اختار توصيف أمر تكوين محكمة للصحافة بمدينة ود مدني بثالوث عبارات قوي من طينة لغته اليومية (المذلة، الإهانة والظلم) وردّ توصيفاته لما قال إنه توطئةً لتعميم التجربة في بقية الولايات، وبالتالي انفتاح باب الاستدعاءات بحقهم على مصراعيه، استدعاءات من كل حدب وصوب، وذلك خلافاً على ما درجت عليه نيابة الصحافة التي تستوطن مع الصحفيين في ذات محل إقاماتهم وبالقرب من مطابعهم ودور نشرهم، وبالتالي توافر إمكانية استدعائهم و(لو بهمسة)، عوضاً عن تكليفهم لوعثاء السفر وكآبة المنظر ومفارقة القبيلة (قبيلة الصحفيين) معلناً ? أي الطيب مصطفى - رفضهم القاطع لقرار وزارة العدل، ومعرباً عن أملهم في مراجعة سريعة له، هذا وإلا لجوئهم إلى خطوات تصعيدية ?لم يبح بها - وقال إنّها ستُعلن في وقتها. بيان بالعمل وتوقاً للحرية التي ينادون بها وينشدونها قيمة، قطع رؤساء التحرير باعتزامهم عدم المثول أمام النيابات خارج العاصمة، لكنهم أعلنوا طبقاً للسان حالهم حادي ركب (الإنتباهة)، عدم ممانعتهم الجلوس في طاولة حوار مع وزارة العدل على أمل التراجع عن قرارها، نافين صبغ موقفهم بأية (بوهيات) سياسية، مؤكدين انحيازهم السافر للمهنة والمهنية والأخلاق. دافع اضافي ومما زاد من حماسة الجمع في الدعوة إلى الاصطفاف كبنيانٍ مرصوصٍ ضد قرار العدل، ما حكاه وحاكه بألم المهندس عثمان ميرغني رئيس تحرير الزميلة (التيار) عن كيف حمل حملاً للتوجه تلقاء مدني على يد خمسة غلاظ شداد وملثمين - للمفارقة - من قمرة قيادة الصحيفة، وقال إنهم اقتادوه - بما أنعم الله عليهم من بسطة في الجسم - عنوةً إلى عربتهم تنفيذاً للأمر الصادر بحقه من نيابة الجزيرة، وهو سيناريو يعيد لأذهان رؤساء التحرير إمكانية وصول (السوط) لجلودهم ما يجعلهم يرددون خفيةً وجهاراً حال مضى القرار إلى نهاياته شعار قناة السينما المشهورة روتانا سينما بقليل تصرف (مش ح نقدر نغمض عيونا). ملامح بيان قوي وتلا المؤتمر الصحفي الموجز، تلاوة لبيان موحد من الصحف، مهر بتوقيعات رؤساء التحرير وممثليهم، أهم فقراته: * رفض إنشاء نيابة للصحافة خارج ولاية الخرطوم باعتبارها مقر المؤسسات الصحفية والمطابع وشركات التوزيع، كما أنّ القرار يتناقض مع مرسوم وزير العدل السابق في هذا الشأن. * مناهضة القرار بكل السبل المتاحة وعدم الامتثال له. * رفض أشكال المضايقات كافة على الصحف والحد من حريتها. * تبني عدد من الخطوات لتصعيد القضية في حال عدم استجابة وزارة العدل لإلغاء قرارها القاضي بإنشاء نيابة للصحافة في ولاية الجزيرة. جزاء سنمار على كلٍّ، لم تخف الصحف سخطها من قرار العدل شأنها شأن إتحاد الصحفيين المتخندق في ذات الخانة، سيما وأنّ القرار يأتي في أعقاب أدوار ناصعة لعبتها الصحافة إبان معركة هجليج، ما يجعلنا نستلب عنواناً لإحدى أعمدة عبد الله علي إبراهيم بالزميلة (الأحداث).. ونقول: (دي آخرتا يا وزارة العدل)..؟