وفاء سعد عمر سافرت مطلع الأسبوع الماضي إلى إحدى دول الخليج ، كان المطار يضج بالمسافرين كل منهم قد أشعل فتيل الأماني وسافر بفكره وأحلامه قبل أن ترحل قدماه ، وقد علا صوت الفراق مهيمناً على صالة المغادرة0 ظللت أنتظر بترقب الإعلان عن الطائرة لأكون أول الصاعدين عليها ، وما أن استقريت في مكاني حتى بدأت أمارس هواية التأمل في وجوه الركاب العابرين إلى أماكن جلوسهم ، ملامح مستبشرة تضاجع الابتسامة محياها وملامح أخرى ثكلى ولدت من رحم الألم ... أقلعت الطائرة وسمعنا دعاء السفر فهدأت النفوس واستكانت ... هنيهات تنامى خلفي نحيبا تتشاجر شهقاته لشاب في مقتبل العمر يبتلع ريق الصبر والحرمان ، وصوت منْ بجواره يخاطبه مواسيا بوعد يفوق الخيال والاحتمال ، ثم تلاشى الصوت ، ألهيت فكري بحكايات منهكة كحلم لا يكتمل أفقت منه بحركة المضيفين المتواترة وهم يساعدون راكبا أصيب بدوار السفر ، عدت أمارس هواية التأمل فأدركت أن معظم الركاب في زهوة العمر ، يغفو الحزن في أعينهم ثم يفيق ، التفت على الراكب بمحاذاتي من الجانب الآخر وكان يرتدي جلبابا أزرق ويغطي رأسه بشال دون طاقية ، وبفضول أنثى متجرد داهمته أسئلتي. هذه أول مرة تسافر ؟ قال : نعم ، تأشيرة عمل ؟ قال : نعم ، ما هو اسم الشركة التي ستعمل بها ؟ قال لا أعلم وإنما هي لتربية الماشية ، وبما أني ذات خبرة بالغربة ومشاكل الاغتراب أدركت أن تأشيرة عمله راعي ، استبد بي الفضول حين سألته كم ستتقاضى راتبا شهرياً ؟ قال:-ت (ألف) قلت :- (ألف) هل معها بدلات قال : لا أعلم ، حينها استغاثت روحي ، أنا التي أعلم ، أعلم أن هذه الطائرة الغادرة تحمل أبناءنا فريسة لوحش الغربة يلتهمها ويتلذذ بها كيفما شاء. من قال لهؤلاء المساكين إن عهداً جديداً بلا خطايا ينتظرهم ؟ ومن أوهمهم أن عربة سانتا كلوز تنتظرهم عند باب الطائرة ؟ وسترقص لهم الأقزام وتحملهم على عروش زهور. أما زال هناك من يعيش وهم الغربة ؟ (ألف) ماذا تفعل له هذه الألف ؟ والعالم كله يشتكي وطأة الغلاء ،هل يأكل ويشرب ويلبس منها ؟ أم سيدفع منها أجرة سكن أم مصروف مكالمات لأسرته ؟ ماذا سيوفر منها ؟ ليعود لزوجته وأطفاله الذين تركهم نائمين على حلم الثراء ، ألم تضرب الغربة معظم المغتربين في عمودهم الفقري ؟ منْ منا لم يسمع مؤخرا في السعودية عن السوداني الذي أقيم عليه حد القصاص إعداما لقتله زوجة خاله وسرقته لمبلغ أربعين ألف ريال ؟ ألا يستطيع هذا الشاب في وطنه أن يدخل مبلغ(الألف)؟ هل فعلا المشكلة هي عدم توافر موارد وعدم توافر فرص عمل والغلاء والضرائب و الفساد ؟ إن المشكلة تكمن في ذاتنا في ضعف المبادرة والإرادة والمثابرة وحبنا للشكوى والتذمر وقلة الإيمان واليقين. قال الله عز وجل : (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).لنعمل في بلدنا بنفس الجهد والعزيمة والإخلاص والانضباط الذي نعمل به في بلاد غيرنا وستأتي الألف ومائة ألف والله المستعان