أجاز مجلس الوزراء خلال الأسبوع الماضي الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد تمهيداً للمصادقة النهائية عليها بقانون يصدر عن المجلس الوطني. والاتفاقية التي تأخذ غالب نصوصها من الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد تطلب من كل دولة موقعة عليها أن تضع وتنفذ وترسخ سياسات فعالة لمكافحة الفساد، وأن تقوم بمراجعة القوانين واللوائح ذات الصلة للتأكد من مدى كفايتها لمحاربة الفساد، وأن تتعاون مع المنظمات الدولية والاقليمية على تعزيز وتطوير التعاون والمشاركة في البرامج والمشاريع الدولية الرامية لمنع الفساد. ومن جانب آخر تطلب الاتفاقية من كل دولة إنشاء هيئة أو هيئات تتولى منع الفساد مع توفير الاستقلالية والموارد البشرية والمادية لها. كما تطلب من الدول الموقعة السعي لاعتماد نظام للموظفين العموميين قائم على مبادئ الكفاءة والشفافية والجدارة والأجور المنصفة، على أن يضمن النظام التناوب على المناصب والافصاح والشفافية عند تضارب المصالح. وتطلب الاتفاقية من كل دولة طرف إنشاء نظام مشتريات قائم على الشفافية والتنافس ضمن معايير موضوعية تمنع الفساد، مع إقامة نظام فعال للمراجعة الداخلية وسبل للتظلم والانتصاف. وضمان حق الناس (بمن فيهم الصحافيون) في الحصول على المعلومات. وتطلب الاتفاقية من الدول ضمان استقلالية القضاء والنيابة العامة ووضع قواعد سلوك خاصة لأعضاء هذين الجهازين المهمين تحصنهما من الفساد. كما تطلب تطبيق معايير المحاسبة ومراجعة الحسابات في القطاع الخاص بهدف صون نزاهة كيانات القطاع الخاص. وتشجع الاتفاقية مشاركة المجتمع، من خلال المنظمات غير الحكومية والاعلام، ومن خلال المناهج المدرسية والجامعية، في محاربة الفساد. وتطلب الاتفاقية من الدول الاعضاء وضع نصوص قانونية تجرم الأفعال الآتية: رشو الموظفين العموميين الوطنيين أو العاملين في منظمات أجنبية في البلد المعني، واختلاس الممتلكات أو تبديدها أو تسريبها، والمتاجرة بالنفوذ، واساءة استغلال السلطة، والإثراء غير المشروع، والرشوة والاختلاس في القطاع الخاص، وغسل العائدات الإجرامية. كما طلبت الاتفاقية تجريم إخفاء الأموال الناجمة عن الفساد، أو إعاقة سير العدالة عند التحقيق فيها كما جرمت المشاركة والشروع في جرائم الفساد. ونصت الاتفاقية على المسئولية الجنائية والادارية والمدنية للشخصيات الاعتبارية. ووضعت قواعد للملاحقة والمقاضاة والجزاءات تنص على التجميد والحجز والمصادرة للأموال موضوع الفساد، واتاحة السجلات المصرفية والمالية لأغراض التحقيق مع إلزام الجاني المشتبه فيه بالافصاح عن مصدر أمواله. مع جواز تسليم المشتبه فيهم ما بين الدول الأعضاء. واسترداد الأموال للدولة أو الجهات المتضررة من أفعال المدان. ونصت الاتفاقية على قواعد خاصة لحماية الشهود والخبراء والضحايا بما في ذلك الحماية الجسدية وإخفاء الهوية دون الإضرار بحقوق الدفاع. تصلح نصوص هذه الاتفاقية أساساً لاستراتيجية وطنية لمكافحة الفساد، وهذا ما شرعت فيه الدولة في السودان حيث تقوم لجنة فنية رفيعة المستوى يترأسها الخبير الدستوري والقانوني البروفيسور البخاري عبد الله الجعلي بإعداد مقترح لهذه الاستراتيجية تحت مظلة هيئة المستشارين التابعة لمجلس الوزراء. ان تكوين هذه اللجنة ومباشرتها لمهامها بكل شفافية وفعالية يدل على أن الارادة السياسية متوفرة في السودان لمحاربة الفساد. وأن لا حصن للمفسدين بعد اليوم باجازة مجلس الوزراء لهذه الاتفاقية واجازة استراتيجية المكافحة التي هي في مراحلها الأخيرة وسوف تستكمل خلال أقل من شهر بإذن الله. والله الموفق.