لا شيء في الخرطوم سوى الغلاء الفاحش، ومن ثم إعلان الحكومة عن السياسات الاقتصادية وما يحيط بها من تدابير حكومية يعتبرها البعض « قاسية « على الشعب. هذه حقيقة ساطعة لكل ناظر حتى في عمق الدياجير ... فلقد احتمل الشعب سنوات « الندرة « في بداية الانقاذ، وتنعمّ قليلاً بسنوات البترول التي تبدد جزء منه في المعالجات السياسية، وأخرى في حروب عصابات صغيرة وكبيرة أحياناً وبدعم ومؤامرة خارجية وخطأ مقصود أو غير مقصود من الحكومة. مبكراً تصاعدت التصريحات من كبار المسئولين عن الاقتصاد أن السودان سيكون بمنأى عن الأزمة الاقتصادية العالمية التي ضربت أعتى البلدان اقتصاداً ... ومر علينا بعض ريحها فأثار غباراً كثيفاً ترك آثاراً وشروخاً عميقة. ثم تتالت الضربات الباطشة على الاقتصاد بخروج (70 ) بالمائة من عائدات البترول، ولم يستفد السودان من البنى التحتية للبترول لاعتصام « مزمن « للجنوبيين من استخدام بترولهم عبر الأراضي الشمالية ،كل هذه المصاعب وغيرها زاد الوضع الاقتصادي تأزماً وحرجاً! مع هذا كله يكثر حديث مبالغ فيه حول الفساد وضياع الأموال العامة وتجنيب بعض الوزارات لأموال خارج الولاية العامة للأموال. قرأت في الصحف وعلى المواقع الإلكترونية حوارات عديدة لمتخصصين في هذا الصدد ... ولم أخرج بنتيجة حاسمة هل سينفع رفع الدعم عن المحروقات أم لا !! على عهدة د. محمد الناير المحلل الاقتصادي الأكثر شيوعاً لا.. فهو يرى معالجات أخرى غير رفع الدعم عن المحروقات ... بينما تسير الحكومة على ما يبدو نحو رفع الدعم غير آبهة بالمواطن المسكين المغلوب على أمره على تصور الكثيرين ... لكن الصحيح أن الحكومة تقلب القرار وآثاره على المواطن، مع تأمين حزمة من المساعدات لتخفف وطأة الحالة الاقتصادية النارية. أهل الإنقاذ وفي مقدمتهم البشير يحرصون أشد الحرص على قدرة المواطن وإحساسه بوجعه المقيم ... فلقد ترك الرئيس سنه الأمامية المكسورة على حالها ... حتى لا ينسى في غمرة الهموم أيام الشدة والمسغبة ... فجل أهل الإنقاذ لم يولدوا وفي أياديهم ملاعق من ذهب! الصعوبات الاقتصادية المحتشدة من عوامل كثيرة تلاقت في هذا الظرف الحساس، لا دخل لوزير المالية السيد علي محمود فيها ... بل أقداره على هذا النحو ليدير دفة وزارة المالية في أسخن الفترات على الإطلاق. إن جاز لي أن اقترح « وصفة « تعالج الأزمة الاقتصادية المستفحلة ... أن يقدم البشير مقترحاً متكاملاً « لعلاج الحالة « بما فيها تقليص نفقات الدولة خاصة الدستوريين والإجراءات التي تمت وستتم في هذا الصدد بكل صدق وشفافية. فالبشير يتمتع بصدقية عالية عند الشعب تؤهله أن يحدث هذا الاختراق، الذين أضناهم التعب وتقلبوا مع الإنقاذ من حصار إلى حصار وأن يتزامن مع « البيان « الصادق الشجاع إدارة حوار سياسي مع المعارضة السياسية لأجل وضع قواسم وطنية تكون بمثابة خطوط حمراء لا تتجاوزها في حق الدولة السودانية، وأيضاً خطوط حمراء لا تتجاوزها الحكومة في حق المعارضين الذين ارتضوا الكفاح السلمي حتى يتم تداول للسلطة بشكل سلس وسلمي.