أثناء إجرائي لهذا الحوار مع الأستاذة (عفاف زين العابدين يوسف) ، مديرة إدارة العلاج الاتحادي ، ديوان الزكاة الاتحادي ، بمكتبها بمنطقة بري الدرايسة بالخرطوم ، دخل عليها رجل مسن ، يبدو عليه الانزعاج والشرود ، تعكس ملامح وجهه حمله هماً كبيراً ... قال الرجل مخاطباً مديرة العلاج الاتحادي : (رزقني الله بأحد عشر طفلاً ، وإحدى بناتي تعاني من مرض خطير يهدد حياتها ، ما لم تجر لها عملية جراحية عاجلة ، بتكلفة باهظة لا أستطيع تحملها ، فأنا إنسان فقير لا أملك في هذه الدنيا شيئاً ، سوى إيماني بالله ، ولذلك لجأت إليكم لإغاثتي ، وإنقاذ طفلتي من الموت ... حتى قروش المواصلات التي تعيدني للمنزل ، أحلف بالله أنني لا أملكها) . ثم انخرط في نوبة بكاء هستيري ... فطلبت منه المديرة الجلوس وشرب كوب من الماء ، ثم طلبت منه بعض الأوراق والتقارير الطبية لإجراء اللازم ... ومنحته مبلغ (50) جنيهاً كنثريات ... * ما هي الأسس والمعايير التي يتم بها إختيار المرضى لتقديم الدعم العلاجي لهم ؟ - يبرز المريض فاتورة مبدئية للعلاج أو الفحوصات ، أو العملية ، بجانب توجيه لجنة الزكاة القاعدية في الحي ، مع ختمها وتوقيع ثلاثة من أعضاء اللجنة . * ولماذا تشترطون توصية لجنة الزكاة بالحي ؟ - لأننا نتعامل مع المرضى الفقراء ، ولجان الزكاة تابعة لديوان الزكاة ، وفي كل حي توجد لجنة زكاة تتكون من إمام المسجد وأحد دافعي الزكاة وبعض الأعضاء ، فالديوان لا يسدد تكلفة العلاج كلها ، بل يسهم ، خاصة في العلاج المكلف ، أما إذا كانت الفاتورة العلاجية قليلة ، في حدود (خمسمائة - ألف) جنيه ، فتدفع الفاتورة كاملة . * كثير من المرضى يصطدمون بما يسمى (موقف السداد) ، ويرون أن ذلك يؤدي إلى تأخير البدء في رحلة العلاج .. - موقف السداد الذي نطلبه من المريض نقصد منه سداد جزء من التكلفة من الجهة المعالجة ، بجانب دعم المالية وهم ما يطلق عليهم (شركاء العلاج) . * هناك شكاوى من المرضى بضعف الدعم العلاجي ... ماتعليقكم ؟ - الميزانية محدودة ، ونحاول داخل الميزانية المساهمة مع الشرائح التي تنطبق عليها الشروط ، فنحن نعمل موازنة ، والدعم غير ضعيف ، رغم أنه لا يغطي تكلفة الفاتورة كلها ، فالمساهمة بنسب متفاوتة حسب تكلفة الفاتورة . * ما طبيعة الأمراض التي تدعم داخلياً ؟ - كل الأمراض خارج مظلة التأمين الصحي مثل : (القلب + جراحة المخ والأعصاب + عمليات القضروف + عمليات العيون ، وهذه تشمل زراعة القرنية والشبكية + عمليات الكلى + الوصلة الوريدية للغسيل الدموي + إزالة الأورام السرطانية + سماعات الأذن للأطفال ما قبل المدرسة وحتى طلاب الجامعات ) . * وماهي الأمراض التي تدعم خارجياً ؟ - أي شخص محول للعلاج بالخارج من القمسيون الطبي يتم دعمه ، ولأن العلاج بالخارج مكلف جداً ، فإن نسبة عالية من المرضى تدخل في دعم العلاج الإتحادي ، وأحياناً يتم الدعم بنسبة (25% - 50%) ، لكن عادةً يكون الدعم بنسبة (25% - 30%) حسب التكلفة ، ولكن بحد أدنى (25%) من تكلفة العلاج بالخارج . * هل لديكم أولويات للدعم ؟ - أولويات الدعم للمرضى الفقراء على مستوى العلاج بالداخل أو الخارج ، وفي هذا الجانب أشير الى أن ديوان الزكاة الاتحادي مؤمن على (225) ألف أسرة فقيرة بالعاصمة تأمينا صحيا ، و (347) ألف أسرة فقيرة بمختلف ولايات البلاد . * التأخير في إستلام الشيكات للعلاج بالخارج شكوى ترددت من بعض المرضى ... ما أسباب ذلك ؟ - العلاج بالخارج لديه أكثر من جهة لها علاقة بالاجراءات العلاجية ، مثل : القمسيون الطبي ، ووزارة المالية ، وتكلفة العلاج بالخارج لايعتمدها القمسيون الطبي إلا عبر سفارة السودان في الدولة المعنية ، لأنه سبق أن حدثت حالات غش ، حيث كان المريض يأتي بالتكلفة بطريقته الخاصة ، بمبالغ مالية كبيرة وغير صحيحة ، حيث اكتشفنا أن بعض المرضى يطلبون من المستشفى بالخارج كتابة تكلفة عالية ، وتم حسم حالات الغش هذه عبر المستشارية الطبية في السفارات ، وهذا قد يؤخر الاجراءات قليلاً . أيضاً من مطلوباتنا وجود تأشيرة ، وتأكيد الحجز ، فربما تتأخر هذه الاجراءات ، كما أن وزارة المالية تطالب بشهادة القمسيون الطبي الأصلية ، وهناك اتفاق بين شركاء العلاج بالخارج ، بشرط تقديم طلب القمسيون الطبي الأصلي ، كما أن اجراءتنا الأولى لا بد أن تكون على شهادة القمسيون الطبي الأصلية ، حيث ختم مكتب العلاج الاتحادي يوضح فيه مبلغ الدعم ، رقماً وصرفاً بالدولار ، والمريض أحياناً يأتي بالصورة ويترك الأصل لدى وزارة المالية لاستعجال المريض لاكمال اجراءاته . * ذكرت في بداية حديثك شركاء العلاج بالخارج ... فمن هم هؤلاء الشركاء ؟ - هم : القمسيون الطبي + وزارة المالية الاتحادية + ممثل بنك السودان + صرافة الهجرة ، بحكم أنها نافذة لبنك السودان ، أما العلاج بالداخل فليست لديه لجنة شركاء ، بل تنسيق بيننا وبين وزارة المالية الاتحادية والمستشفيات الحكومية ، فأحيانا قد يأتي مريض بعد نفاد الميزانية فلا يمكن التعامل بالشيكات ، بل بخطابات الضمان ، ويشمل ذلك التعامل حتى بعض المستشفيات الخاصة مثل : (الزيتونة + أمبريال + بست كير + رويال كير) . * هل لدى العلاج الاتحادي استثناء للطلاب والأطفال ؟ - الطلاب لديهم صندوق يعنى بهم وهو (لجنة العلاج باهظ التكاليف بالشبكة الاتحادية) ، والشبكة تتبع لاتحاد الطلاب ، وهناك تنسيق كامل بيننا وبينهم ، أما الأطفال فأحياناً تأتي فاتورة علاج لهم بمستشفى خاص بسبب طول قائمة الانتظار ، ونحن نفضل التعامل مع المستشفيات الحكومية ، لكن أحياناً قد تكون الحالة الصحية مستعجلة وطارئة لاتحتمل الانتظار فيتم دعمه للعلاج بالمستشفى الخاص . * هل لديكم تعامل مع النقابات والاتحادات والقوات النظامية ؟ - كل الجهات الاعتبارية لدينا لها اعتبار خاص في التعامل ، مثل اتحادات الطلاب ونقابات العمال ، أما القوات النظامية فأحياناً يتم إرسال مرضى منهم ونتعامل معهم كمواطنين عاديين إذا انطبقت عليهم مواصفات الفقر . * ماذا تم بشأن الاتفاقية بين المؤسسات العلاجية الخاصة ، وإدارة العلاج الاتحادي ؟ - عند استلامي لهذا الموقع لم أجد اتفاقية مكتوبة ، بل وجدت (تعاملا عرفيا) بين العلاج الاتحادي والمؤسسات العلاجية الخاصة ، لكننا الآن نعمل على تأطير العلاج في إطار قانوني عبر العقودات مع المؤسسات العلاجية الخاصة . * كم بلغت جملة المبالغ للدعم العلاجي داخل وخارج البلاد ؟ - من يناير حتى مايو العام الحالي بلغت جملة المبالغ للدعم العلاجي بالداخل مبلغ (674) ألف دولار ، لعدد (576) مريضا ... والعلاج بالخارج (1.786.911) دولار ، لعدد (1321) حالة ... وبذلك وصلت جملة العلاج بالداخل والخارج خلال الفترة المذكورة (3) ملايين و(736) و (865) ألف جنيه سوداني . * كم تبلغ الميزانية الشهرية المصدقة للعلاج بالداخل والخارج سنوياً ؟ - مليون جنيه سوداني في الشهر ، وقابلة للزيادة ، وأحياناً هناك حالات استثنائية يصدق عليها الأمين العام لديوان الزكاة الاتحادي . * ما طبيعة هذه الحالات المرضية المستثناة ؟ - مثلا ، قد تأتي حالة لا يمكن إلا سداد تكلفة علاجها كاملة ، لبعض الأسر الفقيرة ، وأحياناً هناك حالات مرضية تحت مظلة التأمين الصحي ، مشيراً أنه لا يملك بطاقة تأمين صحي ، فاضطر لعمل معالجة له . * سبق أن نشرنا الأسبوع الماضي رسالة من مواطن كفيف (مخترع سوداني) يدعى «صلاح محجوب» تظلم فيها من عدم سماح رجال الحرس بالبوابة الرئيسية لإدارة العلاج الاتحادي ببري / الخرطوم ، الدخول لمقابلتك ، ... فهل أبوابكم توصد أمام البعض وتفتح أمام البعض الآخر ؟ - هذا غير صحيح ، مكتب العلاج الاتحادي أبوابه مفتوحة لأي مواطن بغض النظر عن مركزه أو لقبه ، لكن أحياناً تحدث أشياء خارجة عن إرادتنا وبدون علمنا ، مع المواطنين وتسبب لنا اشكالية في المكتب ، ونعتذر لأي مواطن أصابه ضرر منا ، لكننا نؤكد أن الباب مفتوح في أية لحظة لمقابلة المدير أو مديري الادارات ، فهذا من حق أي مواطن ، ونحن على استعداد للاستماع لأي تساؤل ، وعلى المريض أن يسأل ، ومن حقه أن يجد إجابة عن أي سؤال يطرحه . * البعض يعتقد أن أيام العمل قليلة ... ما رأيكم ؟ - لدينا قوة موظفين محدودة ، يقابلهم عدد كبير من المرضى ، ولذلك لا بد من تحديد أيام العمل وهي : (الأحد + الثلاثاء ) للعلاج بالداخل ، والعدد كبير وأحياناً يصل إلى (300) مواطن في اليوم ، ورغماً عن ذلك إذا لم يخرج آخر مواطن فإن الموظفين لا ينصرفون ، حتى بعد الدوام ، وأحياناً نعمل إلى ما بعد الخامسة ، بينما نهاية الدوام الرسمي الثالثة والنصف ، فلا علاقة لنا بالدوام ، بل باكتمال عملنا مع المواطنين ، والآن نسعى لزيادة القوى العاملة ، لأن العدد الحالي لايكفي ... أما الأيام المخصصة لاستقبال مرضى العلاج فهما يوما (الاثنين والأربعاء) ، ويتجاوز عددهم (75) مواطناً في اليوم ، أما يوم الخميس فنقوم بترتيب المستندات وإدخال بياناتها في الحاسوب ، وحوسبة المعلومات وذلك طيلة اليوم ، بجانب الزيارات الميدانية للأسر لمزيد من المعلومات ، ورغم أن يوم السبت عطلة عامة ، لكن لدينا بعض الموظفين يعملون يوم السبت في بعض الأحيان . بل وأننا نراعى لبعض الحالات ، حيث نمنح استثناءات ونخالف الأيام المحددة ، كالقادمين من خارج الخرطوم ، فيمكن معاينة أوراقهم حتى إذا حضروا في اليوم المخصص لمرضى العلاج بالخارج أو العكس ، فأتجاوز اللائحة وأقوم بعمل اجراءاته . * لاحظنا أن المكاتب الحالية ضيقة ولاتتسع لأعداد المرضى ... هل لديكم اتجاه لمعالجة هذا الواقع ؟ - نسعى لنقل المكتب الحالي لموقع آخر أكثر تهوية ، وسعة ، وأكثر قرباً من المؤسسات العلاجية والمواصلات ، فالمقر الحالي ضيق حقيقةً ومتهالك ، والصالة التي تستقبل فيها المرضى ساخنة وتوجد بها مراوح فقط ، لأن التكييف فيها لا يجدي لأنها مفتوحة ، ونسعى لموقع بديل بوسط العاصمة ، لا يكون فيه عنت ومشقة للمرضى . * بما أن الدولة تنادي بسياسة توطين العلاج بالداخل ، لماذا لا توجهون المرضى للمستشفيات الخاصة التي تتمتع بعضها بأجهزة متطورة كالموجودة بالخارج لإيقاف هذا الانفاق الكبير للعلاج بالخارج ؟ - تماشياً مع سياسة الدولة الرامية لتوطين العلاج بالداخل نسعى لتوطين العلاج بالداخل ، ونسعى حالياً لعقد شراكات مع بعض المؤسسات العلاجية الخاصة ذات الامكانيات الكبيرة والأجهزة المتطورة ، فهناك أمراض كثيرة يمكن معالجتها بالداخل ، وذلك يهدف تقديم خدمة متميزة للمريض الفقير ... كما أننا نسعى للتنسيق التام مع الجهات الأخرى لتذليل الصعوبات والمعوقات وتسهيل الاجراءات على المرضى . * هل لديكم آلية لتقبل شكاوى المواطنين المتعاملين معكم ؟ - أجل ، لدينا صندوق شكاوى ، ومن حق أي مواطن شعر أنه مظلوم أو متضرر أن يضع شكواه في الصندوق ، والذي يفتح مع الاجتماع الشهري للادارة ، ومن الغرائب أننا لم نجد فيه شكوى واحدة خلال مايو الماضي . * مانوعية الشكاوى التي تجدونها في الصندوق ؟ - مثلاً وجدنا رسالة مكتوب فيها : (نحن ما لامين في المديرة لأنها تأتي بعد الساعة (11)) .. ورسالة أخرى تقول : (المالية تلزك للزكاة ، والزكاة تلزك للمالية) . * وماذا تفعلون حيال مثل هذه الشكاوى ؟ - نقوم بالاتصال بصاحب الشكوى للاستماع إليه ، ونقدم له اعتذارنا إذا كان على حق .