عندما سألته : (في أي شيء تُستشار بالضبط ؟) ، ضحك موسى هلال، زعيم الجنجويد المزعوم والمستشار بديوان الحكم الإتحادي قبل أن يحكي في معرض إجابته نكتة تقول إن أحد المستشارين إشتكى للرئيس بأنه لم يصرف راتبه لثلاثة أشهر خلت ، فقال له الرئيس : (و أنت الثلاثة شهور الفاتت دي الاستشارك منو ؟!). تلامس تلك الطرفة ، الصورة الذهنية للمستشارين في البلاد، فالكثير من مجالس المدينة تنظر إلى وظيفتهم تلك بإعتبارها وظيفة صممت على قياس الترضية السياسية لإستيعاب البعض ممن دفعت بهم المحاصصات الجهوية والسياسية إلى معادلة الحكم. فالإنطباع الذي لم تكذبه الوقائع إلا نادراً عن المستشارين ، أنهم لا يستشارون. وإن كانوا يستشارون فهم لا يقدمون من الرؤى والدراسات والخيارات ما يمكن من تجاوز المطبات السياسية التي واجهت الحكومة، ولا تزال. الناظر إلى المشكلة الاقتصادية الضاغطة على مجمل الشعب، والمشاكل الأمنية والسياسية التي تعيشها البلاد يتساءل ببراءة : أين كان ذلك الجيش من المستشارين؟ وماذا كانوا يفعلون على وجه الدقة بينما كل الأشياء في البلاد تتراجع ، إلا الأسعار طبعاً؟ عدد المستشارين في البلاد لا يعرفه إلا القليل جداً من الناس في القصر والحكومة، والسؤال عن عددهم ظل من الأسئلة الصعبة قبل تخفيضهم في حكومة القاعدة العريضة لتسعة مستشارين (فقط)، تم الاستغناء عن خدماتهم الجليلة أمس. إعفاء المستشارين، يجىء متماشياً مع السياسة التقشفية التي تنتهجها الدولة، فهم من أكثر القطاعات التي لن يلحظ الناس أثراً لإعفائهم، تماماً كما كانوا لا يلحظون وجودهم من قبل، أو بالأحرى وجود أغلبهم، كما لا يعرف أكثر الناس كم يوفر إعفاءهم على خزينة الدولة المنهكة بمخصصات الدستوريين. بالطبع مثل هذا الحديث لا ينطبق على بعض المستشارين ممن شكلوا إضافات نيرة وعصية على الإنكار في المرحلة الماضية، لكن الصنف الآخر منهم، فإن من أبرز حسنات الأزمة الاقتصادية الحالية - إن كان للأزمة حسنات - هي إتاحة فرصة جيدة لإزاحتهم دونما ضجيج. من الآخر، نقول للمستشارين الذين تم إعفاؤهم أمس : شكر الله سعيكم بصيغتين مختلفتين.. فالذين كان لهم جهد غير منكور، وأسهموا بجهدهم وعصارة فكرهم في خدمة البلاد، نقولها لهم من باب الامتنان لخدماتهم في الفترة الفائتة .. أما الذين كانوا يشكلون عبئاً إدارياً على الدولة دون أن يقدموا لقاء ذلك إستشارة ذات قيمة، أو يُرى لحراكهم طحين في مسار الدولة المتعثر، فنقول لهم شكر الله سعيكم بذات طريقة ذلك الكهل التونسي في فضائية الجزيرة، وربما كان من المناسب أيضاً إضافة عبارة (لقد هرمنا في انتظار هذه اللحظة التاريخية).