جزى الله المصائب كل خير، فبالرغم من حالة الشظف والتقشف التي أدخلت فيها الشعب السوداني إلاّ أنّها فتحت عيون الحكومة على أخطاء كثيرة، وحملتها نحو إعلان ثورة تصحيحية تشفي غليل كثيرٍ من الأسئلة التي كانت تثير فضول و(غبن) المواطنين في آنٍ واحدٍ.مَن كان يصدق أن تدخل الحكومة الإتحادية بطوعها مراكز التخسيس، لتشاطر شعبها فضيلة البحث عن الرشاقة والهروب من مخاطرالكولسترول، الأزمة الاقتصادية جعلت من حكومتنا غير الرشيقة تنتبه إلى أهمية إجراء جراحات عاجلة تسقط اعتبارات الترضيات القبلية والحزبية وتنحاز إلى هموم الدولة التي تكابد من أجل الإيفاء بالمتطلبات الأساسية لمواطنها العزيز، قرابة الثلاثمائة منصب دستوري ونحو (54) خبيراً ومستشاراً ومتقاعداً، وسكرتيري رؤساء لجان البرلمان، ووزراء ووزراء دولة ومستشارين كل هؤلاء ذهبوا (ما بين غمضة عين وانتباهتها، يغير الله من حال إلى حال).خمسة مليارات من الجنيهات عادت الى خزينة الدولة بفضل هذه الإجراءات، وربما يجدر القول إن هذا التصحيح في مسار الإنفاق الحكومي جاء متأخراً ولكننا نقول: (أن تأتي متأخراً خير من ألاّ تأتي)، باعتبار أن التحديات الكبيرة هي التي تنتج مواقف عظيمة وتحولات تاريخية في حياة الشعوب.تدخل الإنقاذ عامها ال (24) وفي رصيدها تجربة دولة ناطقة بكل لغات التحدي والصبر والتجارب، ما بين غزو خارجي واستهداف دولي وتمرد مدعوم، واستهداف داخلي ودولي، فأنا مع إبراهيم غندور تماماً في أن أيام هذه الحكومة لم تكن كلها (سمناً على عسل)، غير أن أكبر التحديات التي عاشتها الإنقاذ خلال فترة حكمها هي الأزمة الاقتصادية، وأقول ذلك لأن الإجراءات التي أنتجتها هذه الأزمة وما صحبها من تصحيح لأوضاع خاطئة لم تحدث بهذه الجرأة والسرعة طيلة فترة حكم الإنقاذيين.الإصلاحات الأخيرة خاطبت أسئلة الشارع وتحفظات البعض على مسيرة الإنقاذ في جانب الإنفاق تحديداً وما يتبعه من إجراءات كانت تسمح بالتجنيب والصرف بعيداً عن ولاية وزارة المالية على المال العام، وحاصرت كذلك انتقادات من يتحدثون عن ترهل جسم الحكومة وكيف كانت تتوسع مرة بعد اخرى، وتتضخم معها فواتير الصرف بناءً على ترضيات سياسية وقبلية وحزبية في أحايين كثيرة.من أكبر حسنات الأزمة الاقتصادية الأخيرة وما صاحبها من إجراءات مسألة الشفافية الكبيرة في مواجهة الشعب بالحقائق، ونتمنى أن يكون هذا ديدن الحكومة في عذاباتها ومسراتها، لأن استصحاب الناس في مسيرة الحكم أمر من شأنه تعميق الثقة التي من المفترض أن تكون أساس العلاقة بين الحاكم والمحكوم.آخر بركات الإجراءات الأخيرة إعلان وزارة العدل اعتزامها استدعاء مديري البنوك لتوضيح وإعلان أسماء الجوكية المتهمين بالإستيلاء على المال العام، وتأكيدها سعي الحكومة لتفعيل قانون من أين لك هذا؟ ومكافحة الثراء المشبوه.خير كثير ينتظر السودان إن كانت إجراءات دوسة ستمضي إلى نهاياتها دون أن يكون فيهم (شريف) تركوه، و(ضعيف) أقاموا عليه الحد، وزير العدل نقل مكتبه إلى نيابة الثراء الحرام لتعزيز قيمة السعي باتجاه صورة الحكم الراشد، الآن يمكن أن نقول: (شكراً للأزمة الاقتصادية).