كشفت الخرطوم عن قيادة الرئيس البشير لوفد السودان الى القمة الافريقية 19 بالعاصمة الاثيوبية منتصف الشهر الجاري ، بعد سحبها من ملاوي لأسباب تتعلق بصعوبة دعوة البشير في ظل عقوبات دولية تستهدف العواصم التي تستقبله بفعل التهم الاوكامبوية. نكهة القمة 19 تختلف عما سبقها بحسب رأي المتابعين ، لكونها تجئ وجملة من المتغيرات تشهدها القارة تعزز الاجواء الايجابية ودفء العلاقات بين عواصمها، ابرزها بروز استقرار نسبي في عواصم الربيع العربي شمال القارة، وبداية خوضها غمار التجربة الديمقراطية وحصد نتائجها بدايةً بتونس بوصول النهضة وائتلافه الحاكم هناك ، مروراً بالقاهرة التي حددت رئيسها ، انتظاراً للتجربة الليبية في انتخابات مجلسها الموقر.. ويرى مراقبون أن قرار نقل القمة من ملاوي الى أثيوبيا يضيف القاً للقمة لجهة أن القرار يعد انحيازاً مباشراً لمبادئ ميثاق الاتحاد الافريقية ولوائح عمله، ما يعد تعزيزاً لنصوصه وإخراجا عمليا وتطبيقيا لصياغاته النظرية دون مجاملة أو كيل بمكيالين، مما يسمح بالقول ان حيادية المنظمة الاقليمية أسهمت في زيادة معدلات الاحترام والالتفاف من حولها ، بغض النظر عن مصالح الاطراف.الخرطوم وطاقمها الرئاسي تذهب لأديس وفى جعبتها من الآلام الكثير ، حيث تعيش حقبة تزايدت فيها الهجمة الدولية عليها طبقاً لتصريحات قيادات الحزب الحاكم، بالاضافة للاحتجاجات الشعبية بفعل الاجراءات الاقتصادية الاخيرة، والتي أرجعها مراقبون لسياسات وزير المالية بحسب توصيفهم ، وغياب قدرته على التخطيط والتوقع وقوله بأن السودان لن يتأثر، كما تتنامى تصريحات الخبراء الاقتصاديين وتشبيههم للوضع بالانهيار الاقتصادي ، بالإضافة للإجراءات الحكومية التقشفية التي ربما تفضى لخروج البعض واعادة انقلابهم على السلطة المركزية..يبدو أن ما يضاعف من حساسية القمة قدوم سلفا - حال شارك - واحتمالية الدفع بفرصة القمة الافريقية الى قمة ثنائية بين الرئيسين (البشير وسلفاكير) في سبيل الوصول لتسويات نهائية أو تعبيد الطريق للوصول اليها، تصب في سياق كبح شبح الحرب المخيم على العاصمتين المنهكتين اقتصادياً، وتقلل من تهديدات قرار مجلس الامن 2046 بسبب اقتراب انقضاء المهلة في الثاني من اغسطس القادم. احتمالية لقاء الرئيسين فجر الحيرة في أوساط المراقبين وتسيد التشاؤم معظم التحليلات، مستندة إلى أن نتائج جولة التفاوض الاخيرة التي اعتبرتها الخرطوم انهياراً بعكس جوبا التي اعتبرت أن عدم التوصل الى شئ لا يعبر عن الروح الايجابية التى تفاوض بها الطرفان ..آخرون يستندون الى أن الرئيس سلفا رغم ما يتمتع به من حكمة وبعد نظر ، الا أن ثمة اخفاقات لازمته منذ دخول جيشه الى هيجليج لفرض امر واقع جديد، ما يزيد من حساسية اللقاء بالاضافة لانكشاف مخطط اعتقاله للرئيس البشير بعد دعوته السيادية لزيارة جوبا، ويدللون في نهاية الامر على مشهد تراجع الرئيس سلفاكير عن التوقيع في اللحظات الاخيرة ، بعدما طالب الرئيس الكيني وفود الدول آنذاك الاستعداد لمراسم التوقيع ابان القمة الافريقية السابقة .. وهو الامر الذي فجر سخط الخرطوم حينها على رئيس وفد الجنوب المفاوض باقان أموم باعتباره السبب المباشر في تراجع الرئيس سلفا..جوبا لم يصدر عنها ما يفيد رسمياً مشاركة الرئيس سلفاكير في القمة الافريقية 19، ورجح مصدر دبلوماسي في الخرطوم ل(الرأي العام) فضل حجب اسمه، عدم حضور الرجل وقال :(جوبا تتبع تكتيكات تبعدها تدريجياً عن المحيط العربي أو الشمالي اذا تحرينا الدقة وما يرتبط بالشمال من سياسات وعلاقات، وتعيد صياغة كل ذلك لصالح الهوية الافريقية التي تنتمي اليها)واضاف(حرص جوبا على ابراز اختلافها عن الخرطوم سياسياً ودبلوماسياً، بدأته بتدشين علاقتها باسرائيل، من ثم يصبح من المرجح مخاطبة مشاعر الدول الافريقية لخلق التفاف حولها من خلال تضامنها مع ملاوي) وتابع(كما أن تبريرات ملاوي غير الرسمية بأنها موعودة بدعومات اقتصادية كبيرة حال لم تقدم الدعوة للبشير، تجعل جوبا حريصة على الحصول على ذات الامتياز في ظل أزمتها الاقتصادية، باتباع خطوات مشابهة)..المحلل السياسي ايهاب محمد الحسن يرفض التحليل خارج نطاق المشهد السوداني الجنوبي ، أن أكبر أخطاء الحكومة - بحسب تعبيره - الكشف عن عمق الازمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد قبيل الاتجاه الى أديس في جولة المفاوضات السابقة وقال ل(الرأي العام)(تلك الاجراءات وما تبعها من خطوات، ساهم في تمسك الطرف الجنوبي بمطالبه، والمراهنة على الزمن في احداث تغيير جوهري في الخرطوم، مع تزامن الجولة والاحتجاجات). واضاف( بالتالي الرئيس سلفا يعلم قيمة التوقيت بالنسبة لأزمة الخرطوم، ما يجعله زاهداً في قمة ثنائية مع الرئيس البشير، أو إذا التقيا أن تكون هناك محصلة ذات تأثير في الموقف الجنوبي).محللون يرون العكس وأن الاجواء الايجابية التي كرستها الجولة السابقة من المفاوضات بين الطرفين، بالاضافة لسيف العقوبات المسلط على رقبة الطرف المتعنت بفعل القرار الاممي 2046، بالاضافة لتزايد الازمات الداخلية في البلدين سيسهم بشكل أو بآخر في انتهاز فرصة القمة ، للقاء الرئيسين ومن ثم تهيئة المناخ للمفاوضين لتحقيق اختراق ملموس في ملفات التفاوض، ويرى الناشط الدارفوري ناصر بكداش أن توقيت القمة يجئ عقب احتفالات الجنوب في التاسع من يوليو بالانفصال أو الاستقلال ، ما يجعل الروح المعنوية للطرف الآخر ايجابية حال جاء الى أديس ابابا، ويمكن أن يسهم ذلك في بداية جديدة للتفاوض متوقعاً تأجيل جولة الخامس من يوليو بين الخرطوموجوبا الى ما بعد التاسع من يوليو بسبب احتفالات الجنوب.الخرطوم لم تستبعد قبول الرئيس البشير عقد اجتماع أو قمة ثنائية مع الرئيس سلفا رغم مرارات الفترة الماضية ، ورفض ناشطون بدوائر الحزب الحاكم اعتبار ذلك نتاجا للازمة التى تعيشها البلاد، مرجعين موافقة الرئيس البشير على لقاء سلفا- اذا تحققت- تعبيراً عن الارادة السياسية لاستراتيجية الخرطوم في التعامل مع الجنوب المبنية على التعاون وحسن الجوار من خلال حسم كافة الملفات العالقة عبر الحلول السلمية، ووصف القيادي بالحزب الحاكم مستشار وزارة الاعلام د.ربيع عبد العاطي في حديث سابق ل(الرأي العام) لقاء القمة المتوقع ، بالاتساق مع السياسة الدائمة والاستراتيجية للحكومة لما بعد الانفصال، وإن استراتيجية ما بعد الانفصال تعتمد على التعاون واحترام العلاقات الازلية، مع استصحاب ضرورة وجود استقرار على الحدود، اعتماداً على ما كرسته الخرطوم بقبول حق تقرير المصير، والاعتراف بنتائج الانفصال في سبيل السلام والاستقرار والأمن ، ما يفرض معالجة وحسم كافة الملفات العالقة لضمان تعايش سلمي وعلاقات جيدة.عدم وجود تغييرات جوهرية في المشهد الشمالي الجنوبي أو السوداني الجنوبي ، يجعل الكثير من تحليلات آخر قمة بين الرئيسين تنطبق على المشهد المتوقع حالياً، فاستبق القيادي بالحركة د.لوكا بيونق القمة السابقة بين الرئيسين بربطه نجاح القمة وخروجها بنتائج بالتجهيز وقال ل(الرأي العام) حينها (القمة تحتاج لعمل كبير ، فمن الضروري أن تسبقها لقاءات جانبية ودبلوماسية على مستوى النائبين الاستاذ علي عثمان ود.رياك مشار بحكم علاقتيهما المتميزة ومقدرتيهما على التفاهم، كما أن هناك ضرورة لاستصحابهما في كل خطوات ما قبل القمة، ليكون اجتماع الرئيسين بمثابة اشادة وتهنئة بالانفراج في القضايا الموجودة) وقتها القى بيونق اللوم على مفاوضي الطرفين في خلق الجو المحتقن وعدم الوصول لاتفاق.اذاً ، يظل الامر معلقاً في العاصمتين بفعل غياب الروايات الرسمية ونوايا الحكومتين، بالرغم من ان الوقائع تقول بأهمية عامل الزمن، لكن يبقى السؤال الاعمق ، هل يستطيع الرئيسان اذا التقيا انهاء الازمة ووضع كلمة مبروك كختم بارز في ملف العلاقات بين العاصمتين ؟.. الاجابة تظل رهينة قمة اديس واجوائها الدافئة، والى ذلك الحين ربما تنجح جولة التفاوض في الخامس من يوليو الجاري ، بلقاء الرئيسين احتفالياً فقط .. ربما..