مرّ بجميع مكاتب التشغيل بلا استثناء، والرد الوحيد دائماً « دع عنوانك و سنخبرك عند اللزوم «. عند عودته إلى البيت، و في كل مرة كانت زوجته تقابله بسؤالها المعهود و الممل: هل وجدت عملاً ؟ و لكن، في هذه الأيام، أن تجد نقوداً في الطرقات أهون من أن تجد عملاً. و كثيراً ما كانت زوجته تخاطبه متهكمة : - لم أر رجلاً مهملاً و أحمق، و عديم الثقة بنفسه مثلك - (وهو يكذب) :وعدني أحد الأصدقاء بأن يساعدني غداً. - و بماذا سيساعدك ؟ هاه ! - لإيجاد عمل يا حياتي. - و أي عمل هذا ؟ -- عمل رائع، و عال العال. - فهمنا، و لكن ما العمل ؟ -- العمل يقوم به المرء بقدميه وهو جالس في مكانه ! - و أيّ عمل هذا الذي تتفصح به ؟ ! -- نعم.. العمل على مكنة الخياطة. - وكم سيدفع لك ؟ -- ثلاث مائة ليرة. في اليوم التالي سألته زوجته: - هل بدأت العمل ؟ -- ذهبت.. و لكن لسوء الحظ فقد توفيت زوجته، الله يرحمها.. و تأجل الموعد إلى يوم الأربعاء. الأربعاء.... الخميس.... و يستمر كذبه حتى طفح الكيل فهددته زوجته قائلة : - تعلمت على الكسل، لذلك إن لم تجد عملاً، فوالله العظيم لن أدخلك هذا البيت. في ذات اليوم وضع عنوانه في عدد من مكاتب الإستخدام . و في المساء عاد إلى المنزل فراح يطرق الباب بطرقات سريعة صائحاً بأعلى صوته.. - البشارة .. البشارة يا زوجتي ؟ تهانينا، وجدت عملاً و بدأت به مباشرةً. فتحت الزوجة الباب سعيدةً بزوجها و هو بدوره راح يحدثها عن هذا العمل بل أخذ يجمله بنظرها لدرجة باتت تصدق ما يقول: - هيا يا عزيزي نم باكراً، كي لا تتأخر صباح الغد. و في الصباح شيعت الزوجة بعلها متمنية له الخير و النجاح، أما هو فقد أخذ يتسكع باحثاً عن عمل في الشوارع و الحدائق ، استمرت هذه الحياة المليئة بالأمل لمدة خمسة و عشرين يوماً. و لكن المسكين راح يضطرب أكثر فأكثر مع دنو موعد قبض الراتب. ، كان قد أبلغ زوجته بأنه سيقبض ثلاثمائة ليرة لذلك كانت تخطط في سبل صرف المبلغ المحترم. قال لها: -- خذي الأولاد، و اذهبي إلى أمك، و في أول الشهر تعودين ! حملت المسكينة أولادها ميممة شطر أمها دون أن تنبس ببنت شفة ، أما هو فقد اتخذ قراره في السرقة، عاين الشقة التي سيدخلها في الليلة الأخيرة من الشهر.. أخذ يتجول حول البناء المذكور، لحظات و انطفأت الأنوار في الشقة المستهدفة، و في الطابق الثاني كانت الأسرة صاحبة الشقة معتادة على الخروج من المنزل في مثل هذا الوقت، إما إلى السينما أو للسهر عند الجوار. دخل الشقة بجرأة و كأنه مالكها، أنارها !, مسح أغراضها بعينيه مستطلعاً الموجودات، كانت كل الموجودات نفيسة و كانت الخزائن مليئة بالملابس الفاخرة. مدّ يده مباشرة إلى جيب الجاكيت و سحب حقيبة النقود المنتفخة و المليئة، و تجمدت عيناه عندما وجدها مليئة برزم من ذات الخمسين و المئة، لذلك لم يكن بحاجة للاستمرار باحثاً في غرفة النوم. سحب ثلاثمائة ليرة فقط وجلس إلى الطاولة كاتباً: « سيدي العزيز, دخلت شقتكم بقصد السرقة، كنت بأمس الحاجة إلى ثلاثمائة ليرة، صدقني سأعيد المبلغ حال توفره لدي.» وضع القصاصة و خرج من الشقة بسهولة مثلما دخلها، و بذلك سيتخلص من لسان زوجته شهراً و سينام مرتاحاً لأول مرة منذ فترة طويلة. إقترب من منزله فوجد الضوء مناراً، استغرب كثيراً فزوجته في بيت أهلها، ربما عادت ! حسناً سيلقي المبلغ في وجهها و يصرخ كي يثبت رجولته. فتح الباب فجأة أشهر في وجهه المسدس: - إرفع يديك !!! بينما اقترب منه شخص آخر قائلاً: - أي إنسان أنت ؟ أما فكرت أن لصاً سيدخل بيتك يوماً ما ! نحن هنا منذ ساعتين و لم نعثر على شيء ألا تخجل !!! فتشوه فوجدوا المبلغ في جيبه أخذوه و انصرفوا. أشرقت الشمس و الرجل يفكر بالأكاذيب التي يمكن أن تنطلي على زوجته، طرق الباب، قد يكون الطارق زوجته، فتح الباب وفرائصه ترتعد رعباً، لكن المفاجأة كانت كبيرة, إذ برجلي شرطة ممسكين باللصين !.. إلتمعت عيناه من الفرح.. سأله الشرطي: - النقود لك ؟ شيء ما تحرق في جوفه، كيف لا وهو السارق أيضاً. - إن هذين الأحمقين إعترفا أنهما دخلا منزلك و أخذا النقود بالقوة. إذاً هذه النقود أصبحت من نصيبه و نصيب زوجته. - و لكن من أين حصلت على هذه النقود ؟ صعق الرجل و تغيرت سحنته من هول ما سمع. ... إذاً عرفوا أنه سارق أيضاً. - إن النقود التي بحوزتك مزيفة يا أفندي. تهاوى الرجل في مكانه والشرطي يطلب منه أن يرافقهم إلى المخفر. كسرة : هذا المقال للكاتب التركي الساخر عزيز نيسين ! كسرة ثابتة : أخبار ملف خط هيثرو العند النائب العام شنو(ووو وووو)؟