أجد من الصعب علىّ جداً، بل ومن المستحيل، أن اواصل نشاطي المعتاد في الكتابة دون أن أتطرق إلى فوز الدكتور محمد مرسي بانتخابات الرئاسة المصرية . وفي الحقيقة فإن ما يمور في ذهني حول هذا الموضوع لهو أخطر بكثير من أن يكون مجرد قضية سياسية مهمة جديرة بالتوقف حيالها ، ولو بكتابة مقال واحد. وفي الحقيقة فإن فوز الدكتور محمد مرسي، وما يمثله من مواقف للحركة الإسلامية العربية، والإسلامية، يمت بأوثق الصلات لمعالجاتنا للقضايا السياسية في السودان. ولكن إن أهم ما يشغلني حقاً، ويستوجب التوقف عنده برهة من الزمن، هو ردود الفعل التي ستصدر عن معظم القراء الذين اعتادوا متابعة نشاطي في مجال الكتابة الصحافية وغيرها ، ويقرأون ما أكتب ، ويكتب عني في الصحف، لدى قراءتهم ما سأكتبه اليوم عن الرئيس المصري الجديد الدكتور محمد مرسي. فلن يغيب عن أذهان القراء الذين يعرفونني، أنني مصنف بأنني شيوعي، سابق أو غير ذلك. وأول مل سيتبادر إلى أذهان هؤلاء هو: ما لهذا الرجل والفوز الذي أحرزه الدكتور مرسي في انتخابات الرئاسة المصرية؟ وقد يتصور البعض أنني سأشن هجوماً على الرئيس المصري الجديد ، أو سأهذي بحديث ممل ، لا طائل من ورائه، ولا يتناسب مع هذا الحدث السياسي الخطير، ليس في تاريخ مصر السياسي وحسب، وإنما على نطاق الوطن العربي، وربما العالم بأسره. ولهؤلاء، وجميع القراء، اقول أمهلوني قليلاً حتى تقرأوا ما سأكتبه هذه المرة بمناسبة فوز الدكتور مرسي، الرئيس المصري الجديد، وستعلمون عني أشياء مهمة كثيرة كانت غائبة عنكم. عضو قديم في جماعة الإخوان المسلمين والآن ، ولمن لا يعرفون الكثير عني، أود أن أذكرهم، وأذكر الجميع، بأنني اعمل دائماً على الالتزام بالموضوعية ، والصدق فيما أكتب. وفوز الدكتور مرسي بمنصب رئاسة الجمهورية في مصر، ممثلاً لجماعة الإخوان المسلمين بصورة خاصة، وللاتجاه الإسلامي في السياسة، العربية والمصرية، بصورة عامة، حدث لا يمكن لكاتب يدعي، أو يجاهد لأن يكون ، موضوعياً وصادقاً فيما يكتب أن يتجاهله، ولا يكتب عن أثره البالغ الذي ينتظر أن يظهر في مصر وغير مصر من بلدان العالم العربي وغيره. وأبدأ بأن أؤكد للقراء إنني حين اجعل من الفوز الذي أحرزه الدكتور مرسي في مصر مادة للموضوع السياسي الذي أعالجه، فإنني لا افعل ذلك متطفلاً أو بوصفي كاتباً غريباً على هذا الحدث التاريخي المهم. لقد كنت على الدوام لصيقاً جداً، ومتتبعاً بحرص لنشاطات الإخوان المسلمين السياسية، في السودان ومصر وغيرهما من بلدان العالم. وقد تولد هذا الاهتمام، والمتابعة، ليس بسبب مهنتي ككاتب وصحافي وحسب ، وإنما لأنني عايشت حركة الإخوان المسلمين منذ نشأتها في أربعينيات القرن الماضي، وعندما كنت، مع زملاء آخرين، طلاباً في المدارس الثانوية في السودان ومصر. وقد تم تجنيدي في صفوف هذه الحركة في أول خلية أنشئت لها في السودان في العام 1946. ففي النصف الأخير من العام 1946، وكنا طلاباً ننشط في صفوف الحركة الوطنية السودانية المعادية للاستعمار البريطاني، زارنا في مدرسة حنتوب الثانوية الأستاذ طالب كلية الحقوق آنذاك، والناشط الإسلامي المعروف، الصاوي أحمد إبراهيم. كان الأستاذ الصاوي في ذلك الوقت لا يزال طالباً في الجامعة المصرية. وقد جاء إلى السودان لقضاء عطلة صيفية. ولا أدري حتى الآن كيف اهتدى إلى مجموعة من طلبة مدرسة حنتوب الثانوية الناشطين سياسياً ضد الاستعمار. وقد كنت واحداً من مجموعة الأصدقاء تلك في ذات الصف الدراسي، وفي ذات المرحلة العمرية. وكان معي في أول لقاء تم في مدرسة حنتوب الثانوية الأساتذة بابكر كرار، رحمه الله، والرشيد الطاهر بكر، رحمه الله، ومحمد يوسف محمد المحامي ، رحمه الله ، والأستاذ يوسف حسن سعيد ، والدكتور آدم فضل الله ، رحمها الله. وكان من المفروض، حسبما فهمنا من الأستاذ الصاوي في الاجتماع الذي عقده معنا، اننا سنقوم بنشر الدعوة للانضمام لحركة الإخوان المسلمين في مصر والسودان. وقد علمنا بعد نحو شهر من لقائنا مع الأستاذ الصاوي في حنتوب ، أنه اتصل بإخوة لنا، وكانوا طلاباً في مدرسة وادي سيدنا الثانوية ، توأم مدرسة حنتوب. وقد تم في ذلك اللقاء تجنيد بضعة طلاب لا أذكر منهم الآن إلا الأستاذ محمد الخير عبد القادر أورتشي . وقد كان محمد خير زميلاً لنا في مدرسة الأبيض الوسطى ، ولكنه اختار مدرسة وادي سيدنا عندما تم توزيع الطلبة الثانويين في العام 1946 إلى فئتين ، نقلت إحداهما إلى مدرسة حنتوب ونقلت الثانية إلى وادي سيدنا في شمال أم درمان. لم يمض على اختيارنا للانضمام إلى حركة الأخوان المسلمين سوى أقل من شهر عندما حط في رحاب مدرسة حنتوب الثانوية مندوبان من الحركة السودانية للتحرر الوطني. وقد أحيطت تلك الزيارة بسرية تامة ، ولم يعلم بها أحد سوى من تم الاتصال بهم من الطلبة. وبالطبع فإن فترة محاولة تجنيدنا في صفوف الإخوان المسلمين التي سبقت زيارة مندوبي الحركة السودانية للتحرر الوطني إلى حنتوب لم تكن تكفي إلا لمجرد الاطلاع على المنشورات التي حملها إلينا الأستاذ الصاوي احمد إبراهيم الصاوي للتعريف بحركة الأخوان المسلمين. ولما كانت مجموعة طلاب حنتوب التي اتصل بها مندوب حركة الأخوان المسلمين هي نفس المجموعة التي اتصل بها مندوب الحركة السودانية للتحرر الوطني لاستقطابها للعمل السري التحريري، أو الشيوعي إن شئت، فقد أتيحت لنا نحن النخبة المختارة الفرصة للنقاش حول الاختيار بين الحركتين : الديمقراطية التحررية السودانية، أم الإسلامية المصرية. وكانت الحركتان معاديتين للاستعمار البريطاني، وتجتهدان لاستقطاب شباب نشط نابه لدعم نشاطهما.