بعض المعارضين لسلطة الإنقاذ فرحوا بخروج الاحتجاجات المحدودة للغاية في الخرطوم وبعض الولايات سخطاً للقرارات الاقتصادية المتقشفة والتي بدأتها الحكومة بنفسها. الخروج في حد ذاته شيء طبيعي إذا لم تلازمه حالة من التجاوز على الممتلكات العامة والخاصة ... لكن المعارضة تريد أن تستغل هذا الخروج السانح لأجل إسقاط النظام في الخرطوم ... وهذا أيضاً استغلال حميد إذا توقف عند الخطوط الحمراء للدولة ... إلا أن التظاهرات المحدودة تعنى بجلاء أن الشارع لم يستجب لنداء المعارضة خاصة وأنها متورطة مع الجبهة الثورية الديمقراطية ذات الأجندة الخارجية والعقيدة العنصرية والجهوية المدعومة _ تماماً _ من حكومة جنوب السودان التي ترعاها دول تناصب العداء ممثلة في أمريكا وإسرائيل ويوغندا. المعارضة وبعض الكتّاب العرب في صحف عربية تليدة بشروا بالتحركات في الخرطوم وقارنوا بين بدايتها ونذر الربيع العربي مع الاحتفاظ بالفارق ... رغم أن بعضا من الكتّاب العلمانيين يخافون من نتائج التظاهرات التي أفضت لبديل إسلامي رغم « اللوبيات « الإقليمية والدولية. في اعتقادي أن خطاب البشير في المجلس الوطني استوعبته جماهير كبيرة، وبقدرة السودانيين على الفهم أدركوا المصاعب التي تمر بها البلاد والحالة الاقتصادية الصعبة التي تأزم الوضع أفضل بكثير من المجهول المعبأ بالهواجس والضياع. الإجراءات التقشفية التي بدأتها الدولة ولم تكملها بعد، قد صبت ماء بارداً في وسط الغليان من نار الأسعار المتصاعدة وجشع بعض التجار الذين يقتنصون فرصاً سهلة للثراء الفاحش السريع ... أيضاً بعض مجهودات والي الخرطوم في امتصاص آثار القرارات الاقتصادية الجديدة على المواطن ... كل هذا وذاك قد خفف كثيراً من وقع الصدمة الأولى، إلا أن الأمر يحتاج لدفع شديد وفي عدة محاور تتمثل من خروج الدولة _ تماما _ من السوق وقد قطعت في ذلك شوطاً ثم الرقابة الحثيثة على الأسعار في ظل سياسة التحرير ليستفيد المواطن من مزاياها مع دعم للشرائح الضعيفة والأكثر أهمية من هذا كله المحاولة النشطة لإيجاد حلول سياسية مبتكرة ومتجاوزة للصراع في النيل الأزرق وجنوب كردفان ... لأن الحرب الجارية تحت أي مسمى خصماً على قدرات البلاد وإهدار لإمكاناتها الضخمة. السنوات السبع السمان قد انتهت في إنجازات ومشاريع ملموسة وبعضها انفق لإدراك السلام من ابرام للاتفقات و الترضيات السياسية في كل الجبهات، وغاية الاتفاق أهداف ٌنبيلة المقاصد في كثير منها الكل يعلم أن البحث عن السلام في البلاد عملية شاقة ومعقدة، وأنفق فيها مال كثير في توسيع دائرة الحكم ... وإعطاء رقع الأراضي لإشباع شهوة السلطة ... ولذا نجد توسعاً في الحكم الاتحادي والولائي حاولت القرارات الاقتصادية الأخيرة كبح جماحه ومعالجته. الشعب السوداني الواعي رغم حرارة الأجواء ونار الأسعار، وتكشير الأنياب عن بعض التجار مدرك للمؤامرة التي تتعرض لها البلاد ... ولا يريد أن تنزلق في أتون الحرب الأهلية والتمزيق والتقسيم ... ولذا ما زال مؤمناً بالإنقاذ التي لن يخذلها وبالضرورة لن تخذله والذين يبحثون عن رصاصة طائشة ليسقط شهيد تلتهب على إثره المواقف سينتظرون كثيراً ... فقط على الإنقاذ أن تمارس أقصى الشفافية مع الجماهير لبسط الحالة سواء صعبة أو ساخنة أو رخيّة ... والشعب بحسه الرائع يدرك _ تماماً _!!!.